• الأقليات حسمت موقفها إلى حد كبير لصالح وزيرة الخارجية السابقة.. والملياردير استهدف الناخب الأبيض منذ البداية • الحزب الجمهورى فى أزمة مفتوحة مهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية.. أكثرية مجلس النواب ستظل بيده.. وكل الاحتمالات مفتوحة فى الشيوخ
أكد جو معكرون الباحث المتخصص فى الشئون الأمريكية أن حظوظ المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأمريكية هيلارى كلينتون تبقى هى الأفضل عن منافسها ترامب، لاسيما أن الأقليات حسمت موقفها إلى حد كبير لصالحها، مشيرا فى الوقت ذاته إلى أن غرابة الانتخابات تجعل كل السيناريوهات مفتوحة حتى اللحظات الأخيرة. وأوضح معكرون الباحث فى المركز العربى للدراسات بواشنطن فى حوار ل«الشروق» أن الانقسام الحزبى والعرقى الذى وصل إلى مستويات غير مسبوقة سيكون الأولوية الأولى على طاولة الرئيس المقبل، معربا أيضا عن اعتقاده بأن العلاقات المصرية الأمريكية ما بعد الانتخابات لن تتدهور نظرا للمصالح الإقليمية المشتركة بين البلدين، لكنها لن تعود إلى عهدها الذهبى فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى. وإلى نص الحوار: • كيف ترى حظوظ المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون ومنافسها الجمهورى دونالد ترامب فى الانتخابات؟ بعدما تصرفت كلينتون لأسابيع كأنها حسمت الفوز وبدأت تتطلع إلى فترة الحكم فى ظل فضائح وهفوات ترامب المتتالية، إلا أن قرار مكتب التحقيق الفيدرالى الأخير بإعادة فتح ملف قضية بريدها الإلكترونى فى أثناء توليها وزارة الخارجية جاء ليقلب الموازين مرة أخرى. لكن ما يحسم الانتخابات الأمريكية فى النهاية هو من ينال الأكثرية المطلقة للمجمع الانتخابى أى 270 من أصل 538 صوتا. أرى أن خريطة طريق كلينتون لتصل إلى هذا الرقم السحرى أسهل من ترامب، لا سيما أن الأخير خسر دعم الأقليات نتيجة خطابه المتشدد، وهو لا يتحمل الخسارة فى أى من الولايات الرئيسية، لاسيما فلوريدا وأوهايو وكارولينا الشمالية، بينما التحدى أمام كلينتون هو احتمال عدم خروج مناصريها للاقتراع فى 8 نوفمبر، لذلك تعد حظوظ كلينتون هى الأفضل، لكن غرابة هذه الانتخابات تجعلنا نتوقع كل السيناريوهات. • ماذا عن تقييمك لدور الإعلام فى ظل الاستقطاب الذى شهدته الحملات الانتخابية؟ الاستقطاب السياسى فى الولاياتالمتحدة يتحمّل جزءا كبيرا منه الإعلام الأمريكى الذى يقوم بتغطية استعراضية للتطورات السياسية كما لا يعطى مساحة للمواقف المعتدلة أو التوافقية فى ظل الانقسام الحاد بين الليبراليين والمحافظين. وقد تسبب ترامب بإهاناته ضد الأقليات والنساء ومنافسيه أيضا فى انحدار مستوى التخاطب السياسى فى الإعلام. مع العلم بأن الهوى الليبرالى يطغى على وسائل الإعلام الأمريكية، فهى ساهمت فى صناعة ظاهرة ترامب قبل أن تنقلب عليه فى يوليو الماضى. أما كلينتون فلديها علاقة معقدة مع الإعلام وتحاول تفاديه عند الضرورة. هذا لا يعنى أنه ليس هناك حرفية كبيرة فى الإعلام الأمريكى، لكن التغطية التليفزيونية على مدى الساعة أصبحت كأنها «تلفزيون واقع» بدون مضمون. • إلى أى مدى تؤثر استطلاعات الرأى على توجهات الناخب الأمريكى؟ وهل تتسم بالمصداقية؟ الانتخابات الأمريكية هى لعبة استطلاعات رأى تعكس مزاج الناخبين فى فترة زمنية محددة. كل استطلاع يعتمد معيارا مختلفا لتحديد الناخبين المحتملين، كما يتحكّم بطريقة طرح الأسئلة وهو ما يؤثر أحيانا على النتيجة، ولهذا يكون هناك تباين بين استطلاع وآخر فى اليوم ذاته. أبرز الاستطلاعات هى التى تجريها كبرى الصحف الأمريكية بالتعاون مع الشبكات التليفزيونية الرئيسية، وهذه الاستطلاعات تعكس إلى حد كبير حال السباق لكن هناك دائما هامش الخطأ. استطلاع الرأى فى النهاية هو إعلان نوايا لا يُترجم على أرض الواقع إذا لم يدلِ الناخب بصوته. • ماذا عن السلوك التصويتى للعرب والمسلمين والسود واللاتينيين؟ الأقليات حسمت موقفها، إلى حد كبير، لصالح كلينتون فى ظل مواقف ترامب حيال حظر المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة وإهاناته للمهاجرين الذين يعبرون الحدود من المكسيك وامتناعه فى فترة سابقة عن شجب التاريخ العنصرى لبعض مؤيديه. ترامب قرر منذ البداية التركيز على الناخب الأبيض، وقام بمحاولات عابرة لاستمالة الأقليات لكن كلها باءت بالفشل. • هل يؤثر مرشحو الرئاسة المغمورون على النتيجة، بمعنى أنهم قد يفتتون الأصوات؟ ولمصلحة من سيكون ذلك؟ لا يزال نظام الحزبين طاغيا على السياسة الأمريكية على الرغم من تحفظ الناخب على اضطراره أن يختار هذه المرة بين مرشحين أحلاهما مر. فى ظل انتخابات رئاسية محتدمة كل صوت سيكون مؤثرا، ويبدو من استطلاعات الرأى أن معدّل الأصوات التى قد ينالها المرشحين الثلاثة الآخرين لارى جونسون وجيل ستاين وإيفان مكمولين يتراوح بين 6 و8 %، وهذا هامش كبير مقارنة مع انتخابات سابقة. على سبيل المثال جونسون، المرشح الليبرالى، يأخذ بعض الأصوات من الشباب الذين يميلون إلى الحزب الديمقراطى، ويأخذ أيضا أصوات محافظين معتدلين يؤيدون الحد من دور الحكومة وتخفيض الضرائب. أما المرشح المستقل مكمولين فهو لا ينافس على الصعيد الوطنى لكنه يسبب المتاعب لترامب فى ولاية يوتاه المؤيدة للجمهوريين. كل استطلاعات الرأى حتى الآن تشير إلى أن المرشحين الثلاثة يقلصون الأصوات التى ينالها كل من كلينتون وترامب بدون تأثير على الفارق بينهما. فى ظل هذا الانقسام الحزبى الحاد، لن نشهد على الأرجح تكرارا لتجربة رالف نادر وآل جور فى فلوريدا عام 2000 والتى خصمت من رصيد الأخير كثيرا. • كيف ترى المشهد السياسى الأمريكى بعد الانقسامات الحادة التى ظهرت خلال الحملات الانتخابية؟ المشهد السياسى الأمريكى قاتم الآن.. الانقسام الحزبى والعرقى وصل إلى مستويات غير مسبوقة، وترك تأثيرا على الإعلام والمجتمع وحتى على البيروقراطية الأمريكية فى ظل ما يحصل مع مكتب التحقيق الفيدرالى. من جهة نحن أمام تحوّل كبير فى الحزب الجمهورى فى ظل ظاهرة ترامب، ومن جهة أخرى التيار اليسارى يزداد قوة فى الحزب الديمقراطى. هذا الانقسام الأيديولوجى الحاد الذى كان فى الكونجرس خلال السنوات الأخيرة تم تعميمه الآن على المشهد السياسى الأمريكى. • ماذا عن مستقبل الحزب الجمهورى بعد ظاهرة ترامب؟ مهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية، الحزب الجمهورى فى أزمة مفتوحة. إذا فاز ترامب بالرئاسة سيكون فى مواجهة مع المؤسسة الحزبية، لا سيما فى الكونجرس. وإذا خسر الانتخابات، سيكون هناك تبادل تهم حول من يتحمّل مسئولية الخسارة. الانقسام الذى أوجده ترامب بين القاعدة المحافظة والمؤسسة الحزبية سيكون من الصعب تجاوزه فى المدى المنظور. • أيهما أقرب للفوز فى انتخابات الكونجرس الجمهوريون أم الديمقراطيون؟ قبل إعلان مكتب التحقيق الفيدرالى إعادة فتح ملف بريد كلينتون، كان الحزب الديمقراطى يعد خطة انتخابية هجومية لإحكام السيطرة على الأكثرية التشريعية، وكانت القيادات الجمهورية فى الكونجرس تسعى إلى أخد مسافة من ترامب كى لا يغرق الحزب معه فى الانتخابات. ولكن الآن عاد الزخم لصالح مرشحى الكونجرس الجمهوريين لأنهم يركزون فى حملاتهم الانتخابية على التحقيق مع كلينتون بدل الدفاع عن قضايا التحرش التى تلاحق ترامب. بعد كل هذه التحوّلات فى الأسبوع الأخير من الانتخابات، على الأرجح سيحتفظ الجمهوريون بأكثرية مجلس النواب، أما أكثرية مجلس الشيوخ فلا تزال معركة مفتوحة على كل الاحتمالات. • ما أبرز القضايا الملحة التى ستفرض نفسها على رأس أولويات الرئيس الأمريكى القادم؟ الأولوية الأولى يجب أن تكون الوحدة الداخلية ومحاولة تجاوز الانقسام العرقى والأيديولوجى الحاد فى المجتمع والذى طال أيضا كما ذكرنا سابقا البيروقراطية الأمريكية على خلفية الاشتباك السياسى حول دور مكتب التحقيق الفيدرالى فى الحملات الرئاسية. الأولوية الثانية تتعلق بالأمن الداخلى الأمريكى فى ظل التهديدات المستمرة، لا سيما الإرهاب المحلى وما يسمّى ب«الذئاب المنفردة». الأولوية الثالثة والأخيرة تتمثل فى تحديد ماهية دور أمريكا فى العالم. • على ذكر الدور الأمريكى العالمى، إلى أى مدى سنشهد تحولا فى التوجه العام للسياسة الخارجية الأمريكية بعد الانتخابات؟ لا ينبغى ان يراهن أحد على انقلاب فى السياسة الخارجية الأمريكية، بغض النظر عن كل ما سمعناه فى الحملات الرئاسية، لأن الكلام سهل فى المواسم الانتخابية. هناك استمرارية فى البيروقراطية الأمريكية، لكن من الواضح أن ترامب سيكون أكثر انعزالية فى رؤيته إلى دور واشنطن، وكلينتون ستكون أكثر اندفاعا فى مقاربتها الخارجية. لكن المعضلة الكبرى أمام الإدارة الجديدة هى ما إذا كانت ستستمر فى وضعية ردة الفعل حيال القضايا الدولية فى محاولة لإدارتها بأقل ثمن ممكن أو ما إذا كانت ستعود إلى دور واشنطن التقليدى بدعم أحد أطراف هذه الأزمات أو ما إذا كانت سترمى بثقلها السياسى لحلها. • هل تتوقع دورا سياسيا أمريكيا منخرطا وفاعلا فى منطقة الشرق الأوسط أم سيستمر ما نشهده من انسحاب تدريجى وترك مساحة أكبر للقوى الإقليمية؟ بعد مرحلة التدخل العسكرى التى طبعت ولاية جورج بوش الابن ومرحلة التراجع الطوعى الذى كان عنوان ولاية باراك أوباما، هناك نقاش فى واشنطن حول طبيعة الدور الأمريكى الجديد فى السنوات المقبلة. مع أنه من الصعب التكهن كيف ستكون مقاربة الإدارة المقبلة وما هى التحديات التى قد تواجهها، هناك ثوابت سيكون من الصعب تجاوزها وهى الالتزام بالاتفاق النووى الإيرانى ومواصلة الحرب على «داعش» فى العراقوسوريا. ما قد يكون مختلفا هو إدارة النزاعات الإقليمية أى ما إذا كانت ستقرر الإدارة الجديدة مواجهة النفوذ الإيرانى فى المنطقة أو الاستمرار فى احتوائه بدون دخول طرف فيه. فريق المستشارين المحيط بهيلارى يريد العودة إلى السياسة التقليدية الأمريكية بمواجهة إيران وحلفائها واتباع سياسة أكثر اندفاعا فى الشرق الأوسط، بينما الإدارة الحالية تعطى الأولوية لمحاربة تنظيم «داعش»، وهى مقاربة يطرحها ترامب وإن يكن بطريقة تبسيطية. قد تغير أى إدارة جديدة تكتيك التعامل مع حلفاء واشنطن فى الشرق الأوسط لكن أى رئيس مقبل سيواجه التحديات ذاتها أى منطقة مشتعلة ومصالح متناقضة مع الحلفاء وعدم رغبة الرأى العام الأمريكى بخوض حروب جديدة فى الشرق الأوسط. الإدارة الجديدة قد يكون لها مقاربة وسطية بين تدخلات بوش الابن وتراجعات أوباما. • ماذا عن الدور العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط وتحديدا مستقبل مكافحة تنظيم داعش؟ هذه أولوية للجيش الأمريكى ولن يتم التراجع عنها. وضمن هذه المنظومة العسكرية أى رئيس قادم سيتابع تنفيذ نفس الاستراتيجية وهى الغطاء الجوى عبر الطائرات بدون طيار ومستشارين عسكريين أمريكيين على الأرض بعيدا عن جبهات القتال وتحديد شركاء محليين لخوض المعركة البرية ضد «داعش». أبعد من ذلك، سيكون من الصعب على الرئيس القادم اتخاذ أى قرار بنشر قوات أمريكية قتالية. • ماذا عن رؤيتك لملفات سورياوالعراق وليبيا وفلسطين واليمن؟ هذه كلها ملفات متشابكة وشائكة ومن الصعب اختصارها فى هذا الحوار. لا أتوقع تغييرا كبيرا فى السياسة حيال العراق، أى مواصلة الحرب على «داعش» واحتواء النفوذ الإيرانى فى بغداد. فى سوريا التحدى كبير امام كلينتون وعليها ان تختار بين مواصلة سياسة أوباما أو التورط أكثر فى الحرب السورية إلى جانب حلفاء واشنطن. مهما كان قرارها، الخيارات الأمريكية أصبحت محدودة فى سوريا. هناك بعض التقدم يحصل فى اليمن بين الحين والآخر لكن يحول دونه تعقيدات داخلية يمنية، لكن مقارنة مع سوريا الملف اليمنى يمكن أن يجد طريقه للحل إذا صدقت النوايا وتوافرت الظروف. أما بالنسبة إلى ليبيا فلا يبدو أن هناك حلا شاملا يلوح فى الأفق، وأبعد من محاولة محاربة «داعش».. لا نفوذ أمريكيا فعليا فى ليبيا. أما عن فلسطين، فرئيس الحكومة الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لا يرغب فى أى مبادرة أمريكية لإعادة إطلاق المفاوضات مع الفلسطينيين ومهما كان الرئيس المقبل لن يضغط على نتنياهو لإطلاق هذه المفاوضات. وعلى الفلسطينيين استغلال هذا الفراغ الدبلوماسى لإعادة ترتيب بيتهم الداخلى. • كيف ترى مستقبل العلاقات الخليجية الأمريكية وموقع طهران منها كأحد أبرز محدداتها؟ الاتفاق النووى الإيرانى أصبح جزءا من السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وسيكون من الصعب على أى رئيس قادم التنصل من التزامات هذه التسوية، إلا إذا بادرت طهران بعدم الوفاء بالتزاماتها. كلينتون توحى بأنها ستكون حازمة فى تنفيذ بنود الاتفاق وتترك الباب مفتوحا لكل الاحتمالات، بينما ترامب يصف الاتفاق بأسوأ التعابير لكنه لم يتحدث يوما عن إلغائه بل تحسين شروط التفاوض فيه. كلينتون قد تسعى لعلاقات أفضل مع دول مجلس التعاون الخليجى، بينما النظرة الخليجية حيال ترامب هى سلبية فى المرحلة الراهنة. العلاقات الأمريكية الخليجية ستبقى قوية لكن المصالح المشتركة ليست على نفس مستوى التناغم كما كانت سابقا، ويعود هذا الأمر لعدة عوامل هى تراجع اعتماد الولاياتالمتحدة النفطى على السعودية وقرار واشنطن فك النزاع النووى مع إيران وعدم الدخول طرفا فى الصراع بين الرياضوطهران. • ماذا عن مستقبل علاقة الإدارة الأمريكية الجديدة مع مصر؟ طبيعة ومستقبل علاقة الإدارة الأمريكية الجديدة مع مصر تعتمد على مجموعة عوامل غير مرتبطة بواشنطن بالضرورة. أولا التحالفات التى ستختارها الحكومة المصرية فى المدى المنظور، لا سيما علاقاتها مع السعودية وإيران وروسيا. ثانيا، الدور الإقليمى الذى ستلعبه مصر، لا سيما على المسار الفلسطينى الإسرائيلى. وثالثا، أداء الحكومة المصرية على المستوى الداخلى، لا سيما فى الاقتصاد والحريات العامة. إذا كانت الإدارة الجديدة من الحزب الديمقراطى، قد يستمر الغموض البناء فى العلاقة بين واشنطنوالقاهرة، مع العلم بأن مستشارين مقربين من كلينتون قاموا بزيارة القاهرة هذا العام ضمن جولة استطلاعية لنشر توصيات حول الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط. وعلى الأرجح لن تتدهور هذه العلاقة الثنائية لأن هناك مصالح إقليمية مشتركة بين البلدين لكن من المؤكد أنها لن تعود إلى سابق عهدها الذهبى فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى.