حصر الطائفية في الإطار الديني كما يحلو للبعض بفرضها على المشكلات التي تطرأ بين مسلمي ومسيحيي مصر، خطأ شائع لا يمكن أن نعتبره سوى فخ سياسي ينصب لكافة المصريين على اختلاف توجهاتهم السياسية، فالطائفية في لبنان تعني «المحاصصة» أى أن كل فصيل يحصل على حصة في السلطة، ينسحب هذا على الشيعة وكذلك على السنة من المسلمين كما ينسحب على المسيحيين بطوائفهم المختلفة. كما ان الطائفية المستشرية في العراق ليست بين مسلمين ومسيحيين بل إنها مستعرة بين السنة والشيعة، أى بين ابناء الدين الواحد، والطائفية في الصومال هي طائفية قبائل، أما الطائفية عند الأمريكان والغرب فهي طائفية الأرض المحروقة لأنهم لا يعترفون بإنسان هذه الأرض ولنا في افغانستان والعراق أسوة حسنة يا أولي الألباب. ولا تسأل عن الطائفية عند اسرائيل لأنها طائفية الشيطان فمخططاتها في المنطقة تقوم على التعاون مع الشيطان من أجل تمزيق المنطقة سواء على أساس ديني، أو مذهبي داخل اطار الدين الواحد، أو عرقي أو سياسي أو حتى اجتماعي، بتصنيف المجتمع الى طبقات وفئات متصارعة. من هنا فإن ما يجري في ميادين مصر المختلفة في الآونة الأخيرة يجسد - من المنظور الاسرائيلي والامريكي - حراكا طائفيا ويصب في مصلحة المخططات الغربية وينسجم - كل الانسجام - مع توجهاتها، فأطفال الشوارع يشكلون عنصرا هاما في هذا الحراك، وقس على ذلك المهمشين سياسيا مثل الشباب والمرأة، بل إن المطالب التي نصفها نحن بالمطالب الفئوية تعتبرها اسرائيل وقودا هاما للطائفية الاقتصادية التي تمزق النسيج الاجتماعي . واذا كان الشعب المصري نجح عبر كافة ثوراته في إجهاض مخططات التقسيم الطائفي الديني التقليدي فإن حوار المولوتوف الذي ألفناه في الاحتجاجات الأخيرة يعد حلقة متقدمة من الصراع الطائفي «المتنوع» ومتعدد المسارات الذي تعقبه فوضى عارمة في البلاد من شأنها أن تحمل الشرق والغرب في النهاية على المطالبة بتقسيم مصر تحت دعاوي استقرار المنطقة وانقاذ البشرية ؟! ويجب ألا تنسينا الاحداث المتعاقبة ما جرى للعراق عندما هبط عليها الامريكان بدعوى اقامة واحة للديمقراطية في الشرق الاوسط وكانت أولى ثمار هذه الواحة تصويت مجلس الشيوخ الامريكي على مشروع القرار الذي تقدم به السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن، والمصادقة عليه بالأكثرية بتقسيم العراق، واثار هذا المشروع في حينه ضجة كبيرة في العديد من الاوساط السياسية المحلية والعربية والإقليمية. ومشروع القرار الامريكي كان يوصي بتقسيم العراق الى اقاليم فيدرالية على اساس طائفي وقومي، اقليم كردي يشمل أربيل ودهوك والسليمانية وجزءاً من ديالى على شكل هلال يمتد الى خانقين ومندلي وجزءا من الموصل وجزءا من صلاح الدين، بالاضافة إلى اقليم سني يشمل ما تبقى من الموصل وصلاح الدين والرمادي والجزء الشمالي من بغداد، واقليم شيعي هو الاكبر والمعروف على الخارطة الجغرافية، ويستند المشروع الامريكي عدة نقاط أهمها: - إقامة ثلاث مناطق فيدرالية، تتمتع كل واحدة منها بالحكم الذاتي، تكون حكومة كل إقليم مسئولة عن إدارة الشئون الداخلية وإصدار القوانين والأمن الداخلي للإقليم. والحكومة المركزية مسئولة عن حماية الحدود والشئون الخارجية وموارد النفط. ومدينة بغداد تصبح منطقة للحكومة الفيدرالية، بينما المناطق المزدحمة بخليط من عدة طوائف واثنيات يحصلون على حماية من شرطة وطنية متعددة الطوائف واثنيات مع شرطة دولية. - استمالة السنة العرب بإغرائهم في المشاركة في النظام الفيدرالي وذلك بمنحهم امتيازات لا يمكنهم رفضها، مثل، حقهم بإدارة مناطقهم بأنفسهم بدلاً من نظام مركزي يهيمن عليه الكرد والشيعة، أو حرب أهلية يكونون هم معظم ضحاياها. كما يجب منحهم حصة من ريع النفط تتناسب مع نسبتهم السكانية. - حماية حقوق المرأة والأقليات العرقية والدينية بزيادة المساعدات المالية الأمريكية للعراق مع وجوب ربطها بإلزام السلطات باحترام هذه الحقوق وإلا توقف هذه المساعدات. ويذهب بايدن في تبريره لمخططه الخبيث الى أن نظام التقسيم يعد بديلا عن تلك الفوضى التي أحدثها الاحتلال الامريكي للعراق . نقول هذا في الوقت الذي كشفت فيه دراسة تاريخية صدرت بمدينة الأقصر أن المصريين القدماء عرفوا احترام الأخر ووضعوا أسسا وقواعد للحفاظ علي وحدتهم الوطنية، وأنهم حاربوا الطائفية قبل خمسة آلاف عام . واكدت الدراسة التي أعدها الباحث الاثري الدكتور محمد يحيى عويضه، والمدير الأسبق لمتحف التحنيط بمدينة الأقصر وكبير مفتشي الآثار بالمنطقة «ان مصر ظلت وطنا للجميع ونسيجا واحدا ولا يفصل أبناؤه دين ولا عرق ولا عصبية عبر آلاف السنين» فقد كان قدماء المصريين يعتقدون أن المجتمع المثالي علي الأرض صورة مطابقة للنظام السماوي الأعلي حيث كان يقوم الملك الثيوقراطي فيه بطرد فوضي الأشاوس وإقامة النظام القائم علي العدل والاستقامة المسمى ب «الماعت». لذلك قامت أسس الأيديولوجيا المصرية علي تألف المفردات «فنجد منذ أكثر من 5300 عام يقوم الملك المصري نعرمر بتوحيد شقي مصر وهما مملكة الشمال ذات التاج الأحمر ورمزها نبات البردي، ولقب مملكة الجنوب ذات التاج الأبيض ورمزها نبات اللوتس، ولقب ملكها ني سوت ويرمز له بنبات من فصيلة السوسن». لقد ظلت مصر وطن الوحدة والبلد الذي يصبغ المفردات بمصريته طوال آلاف السنين، وتلك ميزة لن توجد في بلد إلا مصر.. فمصر هي البوتقة ولوحة الفسيفساء والنسيج الواحد والأم الحانية».