كشفت دراسة تاريخية صدرت بمدينة الأقصر، أن المصريين القدماء عرفوا احترام الآخر، ووضعوا أسسا وقواعد للحفاظ على وحدتهم الوطنية، وأنهم حاربوا الطائفية قبل 5000 عام. وقالت الدراسة التي أعدها د. محمد يحي عويضه الباحث الأثري المصري والمدير الأسبق لمتحف التحنيط بمدينة الأقصر، وكبير مفتشي الآثار بمنطقة الأقصر الأثرية حاليا، إن مصر "ظلت وطنا للجميع ونسيجا واحدا، ذي ألوان وأطياف متعددة تزيده ثراء وجمالا لا وحشة فيه ولا غربة ولا يفصل أبناؤه دين ولا عرق ولا عصبية عبر آلاف السنين". وأضافت أن الفراعنة تنبهوا مبكرا لمثيري الفتن، وتصدوا للطائفية وأن مصر منذ "بداية طفولتها تعودت أن تنظر للأشياء نظرة واعية مبتكرة تقوم على فلسفة خاصة ونظام خلاق وهو وحدة المفردات، فلكل مفردة حقها الخاص بها ولكن الجميع يشكل في النهاية نموذجا مثاليا لوطن الوحدة ووحدة الوطن". وكان قدماء المصريين يعتقدون أن المجتمع المثالي على الأرض صورة مطابقة للنظام السماوي الأعلى، حيث كان يقوم الملك الثيوقراطى فيه، بطرد فوضى الأشاوس وإقامة النظام القائم على العدل والاستقامة المسمى ب"الماعت"، لذلك قامت أسس الايدولوجيا المصرية على تألف المفردات "فنجد منذ أكثر من 5300 عام الملك المصري نرمر يقوم بتوحيد شقي مصر وهما مملكة الشمال ذات التاج الأحمر ورمزها نبات البردي، ولقب مملكة الجنوب ذات التاج الأبيض ورمزها نبات اللوتس، ولقب ملكها ني سوت ويرمز له بنبات من فصيلة السوسن". وقام نرمر بحسب الدراسة بإدماج التاج في تاج واحد يسمى "بشنت" واللقبين في لقب واحد (ني سوت ببتي)، وعقد الوحدة بين نباتي اللوتس والبردي مع الاحتفاظ بماهية كل مفرده على حده. ويقول عويضه في دراسته "الأعجب من ذلك هو اشتراك جميع ملوك مصر القديمة في لقب واحد، هو ملك الوجهين القبلي والبحري، وفى هذا اللقب يكمن تعبير قوى عن الوحدة، وقد ظلت مصر وطن الوحدة والبلد الذي يصبغ المفردات بمصريته طوال آلاف السنين، وتلك ميزة لن توجد في بلد إلا مصر، لأنها هي البوتقة ولوحة الفسيفساء والنسيج الواحد والأم الحانية". وقالت الدراسة إن مصر لم تعرف ما يسمى بالضد أو النقيض عبر تاريخها، ولكنها عرفت "الوئام" وحرصت علي مر العصور على احترام مبدعيها ومفكريها، ولم تتح الفرصة لأنصار الظلام بالدخول إلي أرضها إلا في لحظات غفلة وضعف. وتابعت الدراسة "في مصر نيل واحد يشقها إلى شرق وغرب، لم يفصلهما ولكن وحدهما، فللشرق مميزات وللغرب مميزات، وكان هناك انسجام تام ينساب من خلال مصدر واحد هو الملك، ثم إلي نوابه وبعد ذلك إلى الناس، حيث كان الكل متسم بالسمو ولم يعمل على إقامة العدل والاستقرار فقط بل وطرد الفوضى ومحوها".