رغم تشدد القاهرة في موقفها الرافض لعودة العلاقات مع طهران فإن الأخيرة لا تكل ولا تمل من إبداء رغبتها في إذابة الجليد مع مصر على لسان مسئولين رسميين. والقطيعة السياسية والاقتصادية بين القاهرةوطهران بدأت أواخر السبعينيات باستقبال الرئيس الأسبق أنور السادات لشاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 والإطاحة بالأخير من الحكم ثم قيام الدولة الشيعية بتسمية أحد أهم شوارع عاصمتها باسم خالد الإسلامبولي أحد منفذي عملية قتل قائد حرب أكتوبر. ورغم أن القطيعة قد انتفى سبب استمرارها بتغيير النظام المصري أكثر من مرة على مدار 35 سنة فإن القاهرة لها أسبابها الإقليمية في ثبات موقفها الرافض لعودة العلاقات حسب مراقبين تحدثوا ل«الوفد». والدعم المادي الذي تقدمه إيران لجماعة الحوثيين في اليمن وللحشد الشعبي في العراق وتمويل حزب الله في لبنان يُلزم مصر للوقوف بجانب المحور الخليجي الرافض للمد الشيعي في المنطقة، لكن مؤخرا تواترت أنباء عن زيارة وزير البترول طارق الملا لطهران من أجل عقد اتفاقيات نفطية بعد توقف شركة أرامكوا السعودية - للشهر الثاني على التوالي- من ضخ 700 ألف طن من المحروقات للقاهرة وفق العقد المبرم بينهما. إلا أن الحكومة المصرية سرعان ما نفت الزيارة على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول، وفي المقابل لم يكن مستغربا - بالنظر لتصريحات سابقة- أن يصرح المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي، بأن مصر دولة مهمة وذات مكانة مؤثرة تسعى بلاد لإقامة علاقات شراكة معها. وأمام تسارع الأحداث إقليميا وتغير التحالفات وفق ما تقتضيه المصالح بالنظر إلى دولة كالإمارات العربية المتحدة التي تحتل إيران ثلاث جزر لها ورغم ذلك فإن العلاقات التجارية بين البلدين في أضخم صورها؛ يبرز التساؤل حول أسباب استمرار قطيعة مصر لإيران وماهية الظروف التي قد تؤدي لعودة العلاقات على الأقل الاقتصادية منها. أكد الدكتور زياد عقل الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن جزءا كبيرا من إصرار مصر على استمرار قطع العلاقات مع إيران يرجع لعدم رغبة القاهرة في الخروج عما تراه الدول الخليجية من تهديد المد الشيعي للمنطقة العربية، مشيرا إلى التدخلات الإيرانية في كل من اليمن ولبنان وسوريا. وأضاف أن الظروف تقتضي بمصر الوقوف مع الجانب الخليجي، لأن حجم مصالحها مع المملكة العربية السعودية وباقي بلدان الخليج أكبر منها مع الدولة الشيعية. وربما يكون ما تردد من زيارة مسئول مصري لطهران لعقد اتفاق نفطي مجرد رسالة للسعودية مفاداها أن جميع البدائل مطروح بالنظر إلى التوترات الأخيرة بين القاهرة والرياض على خلفية موقف الطرفين من الأزمة السورية، وفق رؤية عقل. وقلل الخبير الاستراتيجي من إرث الاحتقان بين البلدين الذي جرى قبل 35 سنة، وأضاف :«النظام المصري تغير أكثر من مرة خلال السنوات الماضية واستقبال شاه إيران كان موقفا من السادات وحده وليس موقف مصر بشكل عام». وعن إمكانية عودة العلاقات التجارية بين البلدين دون السياسية، قال إنه لا توجد مشكلة حقيقة من ذلك، لكن في الوقت نفسه استبعد عقد اتفاقيات نفطية بين القاهرةوطهران موضحا : «البترول سلعة لها طبيعة سياسية فلا يمكن تصديره أو استيراده بين بلدين إلا بحسابات سياسية بامتياز». وأكد أن مصر مجبرة على البحث عن البترول في أي مكان لأنه يشكل جزءا من أمنها القومي، حسب تأكيد عقل، وأردف: «ولو كان الثمن هو عودة العلاقات مع إيران فسيحدث ولكن بحسابات سياسية»، وتابع :«وربما يحدث ذلك بصورة غير معلنة». أما اللواء أحمد عبد الحليم مساعد وزير الدفاع الأسبق، فله توصيف آخر لطبيعة العلاقات بين القاهرةوطهران، فقال إن مصر «حريصة» في تعاملها مع إيران، مؤكدا أن الأخيرة ضمن أكبر ثلاث دول في المنطقة ولا يمكن تجاهل قوتها ونفوذها. وأضاف أن مصر لا تعادي أحدا ضاربا المثل بتركياوقطر، وتابع :«لم يحدث أن أخطأ الرئيس عبد الفتاح السيسي في تركيا أو قطر رغم التوتر الكبير معهما». وإذا ما عادت العلاقات بين مصر وطهران فستكون في إطار توافق على قضايا إقليمية وعالمية وستتم بشكل هادئ بعيدا عما وصف مساعد وزير الدفاع الأسبق بال«شو الإعلامي».