العلاقات المصرية الإيرانية هي من أكثر العلاقات اثارة للجدل. كانت كذلك طوال العقود الماضية و الأرجح أنها ستبقي علي هذا النحو لفترة أخري مقبلة. فقد تجدد الحديث عن عودة تلك العلاقات منذ ثورة25 يناير ووصول الإسلاميين إلي الحكم. فلأول مرة يزور رئيس مصري طهران منذ القطيعة الدبلوماسية, ويزور بدوره رئيس ايرانيالقاهرة ولاول مرة ايضا, والمناسبتان كانتا واحدة وهي حضور مؤتمرات قمة في البلدين. ومع الحدثين توالت التصريحات الرسمية معلنة رغبة في استعادة العلاقات وتنميتها, ومن جانب آخر عبرت كثير من القوي والتيارات السياسية المعارضة للنظام السابق في مصر عن ترحيبها بهذه العودة التي تامل أن تكون حائط صد ضد السياسات الامريكية والاسرائيلية في المنطقة. وتنطلق وجهة النظر هذه من زاوية واحدة تري في نظام مبارك السابق العقبة الوحيدة أمام استعادة العلاقات بين القاهرةوطهران ومادامت قد زالت العقبة فالمجال أصبح مفتوحا. إلا أن بساطة هذا المنطق لا تتفق مع التحديات والتعقيدات التي تحيط بهذه العلاقات وهي تحديات تتجاوز الواقع الداخلي في البلدين لأنها تتأثر ايجابا أو سلبا بطبيعة البيئة الإقليمية والدولية المحيطة بها. لذلك ظلت هذه العلاقات متأرجحة بين التوتر و الانفتاح وهو ما جعل لها سقفا لا تتعداه أو مجالات ضيقة تدور فيها, فقد شهدت توترا في الخمسينيات بسبب توجهات السياسة المصرية ذات البعد القومي العربي في العهد الناصري والتي تناقضت مع توجهات ايران الاقليمية بحكم تحالفها مع الولاياتالمتحدة و الغرب عموما, كما دعمت مصر المعارضة الايرانية وأطلقت اسم رئيس وزرائها محمد مصدق( أبرز رموز هذه المعارضة ضد نظام الشاه) علي احد شوارع القاهرة. وعلي العكس عادت هذه العلاقات كاملة في عهد السادات علي خلفية التحالف مع الولاياتالمتحدة واتفاق التوجهات الاقليمية لكلا البلدين وهو ما استمر حتي قيام الثورة الايرانية1979, كما هو معروف ثم توقيع مصر معاهدة السلام مع اسرائيل في العام نفسه. وهو ما دعا ايران الثورة الي المبادرة بقطع علاقاتها مع مصر واطلاق اسم قاتل السادات بعد ذلك خالد الاسلامبولي علي احد شوارع طهران مثلما فعلت مصر من قبل. وفي بداية عهد مبارك وقفت الحرب العراقية الايرانية(1980-1988) وموقف مصر الداعم للعراق دون استعادة هذه العلاقات رغم بعض مظاهر الانفتاح المحسوب, ثم جاءت حرب الخليج الثانية(1991) لتجمدها تماما علي خلفية الاختلاف حول قضايا أمن الخليج وتضارب رؤية ومصالح البلدين. الا أن ذلك لم يمنع التحسن النسبي في اواخر التسعينيات, بل عقد لقاءا بين كل من الرئيسين المصري والايراني( مبارك و خاتمي) في2003 علي هامش مؤتمر قمة المعلوماتية بسويسرا مثلما يحدث الآن. ثم عادت مرة أخري للتوتر بسبب اتهام أجهزة الامن المصرية ايران بتزايد نشاطها المخابراتي في مصر, ومن ناحية أخري كان لتزايد النفوذ الايراني في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين أثر آخر علي تدهور تلك العلاقات ومرة أخري بسبب اختلاف التوجهات والتحالفات الاقليمية والدولية لكليهما. لكن بعد25 يناير زادت التوقعات, خاصة من الجانب الإيراني, بعودة العلاقات المصرية الايرانية لاكثر من سبب ليس آخرها رغبة طهران الملحة في كسر حاجز العزلة المفروض عليها من قبل المجتمع الدولي وسياسة الحصار التي أرهقت اقتصادها وجعلت صادراتها من النفط تهبط الي النصف تقريبا, وانما أيضا بسبب مخاوفها من احتمال خسارتها لأهم حليف عربي لها في حال سقوط النظام السوري. وفوق ذلك فان ايران تنظر الي الربيع العربي علي أنه انتصار للثورة الاسلامية الايرانية, وأن مصر هي دولة محورية تحرص علي كسبها في هذه المرحلة الجديدة. اما مصر, التي تظهر رغبة في تحسين علاقتها مع ايران, فتظل متأرجحة بين ما يأمله النظام الجديد( وهو الانقلاب علي سياسات مبارك) وبين الواقع الفعلي الذي تحدده علاقاتها و اتفاقياتها الاقليمية والدولية. والواقع يشير الي أن علاقات مصر بامريكا واسرائيل لم تتغير وأن موقفها من الملف السوري المؤيد للثورة يأخذها بعيدا عن موقف ايران الداعم للنظام. ونفس الشيء ينطبق علي العلاقات بدول الخليج ذات الثقل السياسي والمالي في مصر والتي تربطها بتلك الدول ايضا تفاهمات وترتيبات أمنية علي المستوي الاقليمي لا ينتظر الانقلاب عليها. وليس خافيا الفتور الذي يعتري العلاقات الخليجية الايرانية واستمرار اتهام ايران بالسعي لمد نفوذها الشيعي والتدخل في الشئون الداخلية لدول هذه المنطقة, وهو ما دعا مصر مؤخرا الي التصريح ب أن أمن الخليج العربي خط أحمر. وهناك تحد آخر يتعلق برغبة مصر في تقوية علاقاتها بتركيا, ذات الثقل الاقتصادي والتجاري في الشرق الأوسط, وهو ما لن يجعل انفتاحها علي ايران سهلا أو سلسا, فرغم انتماء كلتا الدولتين( تركيا وايران) للمعسكر الإسلامي, الا أن الفروقات بينهما تظل جوهرية, فقد هاجمت ايران بشدة ما اسمته بالتوجه العلماني لحزب العدالة و التنمية الاسلامي, مثلما لاقي قيام الاخيرة بنشر منظومة الدرع الصاروخية التابعة لحلف الشمال الاطلنطي( بحكم عضويتها في حلف الناتو) علي حدودها مع ايران نفس الهجوم. وفي المقابل لا تكف تركيا عن اتهام إيران بدعمها لحزب العمال الكردستاني التركي الذي تصنفه علي أنه منظمة ارهابية تسعي ايران الي تصدير ثورتها الاسلامية من خلاله. ويبقي في النهاية البعد الأمريكي بحكم التحالف الاستراتيجي مع مصر مقابل العداء مع ايران, وهو ما يعني أن الولاياتالمتحدة لن تنظر الي امكانية تطور العلاقات المصرية الايرانية الا من منظور واحد وهو ما يحقق مصالحها. كأن تسعي الي توظيف تلك العلاقة لمساعدتها في أهم ملفين بينها و بين طهران( الملف النووي و السوري) خاصة وان الادارة الامريكية الحالية ما زالت تراهن علي حلول دبلوماسية مع طهران تجنبا لصدام تزداد احتمالاته مع استمرار جمود المواقف بين الطرفين, ولكن في هذه الحالة فان الورقة الايرانية قد توظف بعكس ما يتمناه البعض في القاهرة.