"لأن أموت عطشًا أحب إلي من أن أخلف وعدًا" لخص هذا المثل قيمة الوفاء بالوعود إلا أنه أغفل أن هناك بعض الوعود يُعتبر الموت أفضل من تحقيقها، فالبعض منها يهدم أمما ويشرد الإنسانية ويمحوها وقد شهد التاريخ أحد تلك الوعود "المدمرة" التى ما زلت الأمة العربية تتكبد الألم إثر تنفيذه، إذ أنه تم تسجيله فى دفاتر التاريخ بدماء ملايين الأبرياء أنه الوعد المشئوم "وعد بلفور". وفى الذكرى ال99 لوعد بلفور، تستعرض "الوفد" تفاصيله وأسبابه والكوارث التى تسبب بها. بداية الوعد المشئوم بدأ الوعد حينما أعلنت بريطانيا فى الثانى من نوفمبر 1917 حق اليهود فى إنشاء وطن لهم فى الأراضى الفلسطينية، وقد جاء هذا الإعلان فى هيئة تصريح من آرثر جيمس بلفور، وزير الخارجية البريطانى فى هذا الوقت، بعد مفاوضات دامت 3 سنوات بين الحكومة البريطانية والمنظومة الصهيونية نجح خلالها اليهود فى مساومة بريطانيا بتحقيق أطماعها مقابل أن تمنحهم وطنًا يلجأون إليه. وحظي هذا الوعد بموافقة كل من فرنسا وإيطاليا عام 1918، ومن ثم وافق عليه الرئيس الأمريكى ولسون فى 1919 وعقبته اليابان فى1920كما وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو 24 يوليو عام 1922 على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ وذلك بحسبما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، ومن ثم وافق مجلس عصبة الأممالمتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر 1923، وبذلك يمكننا القول إن وعد بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب. آراء المؤرخين عن سبب وعد بلفور "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" أصدق عبارة وصفت هذا الوعد فقد منحت بريطانيا أرضا لا تملكها إلى شعب لا يستحقها وعلى الرغم من عدم أحقيتها فى ذلك إلا أنها لم تبع أرضا لا تملكها فقط بل باعت بتصريحها هذا الإنسانية وضحت بآلاف الأرواح البريئة التى ما زالت دماؤهم تجرى بلا توقف. ويرجح المؤرخون أن السبب الحقيقى وراء وعد بلفور له عدة أسباب سياسية وإستراتيجية ودينية. فمن الناحية الدينية فأن مسيحيي بريطانيا يعتقدون أن التحالف الصهيونى المسيحي سيؤدى إلى عودة المسيح- عليه السلام- ودخول اليهود في المسيحية وبالتالي نهاية العالم. أما من الجهة السياسية فقد رأت بريطانيا أن هذا الوعد سيضمن لها تأييد اليهود في الحرب العالمية الأولى٬ واستمالة يهود روسيا والدول المحايدة لتأييدها. ومن الناحية الإستراتيجية كانت رغبة بريطانيا فى فرض سيطرتها على فلسطين هو العامل الرئيسى وراء إطلاق هذا الوعد، حيث إنها كانت الدولة الوحيدة أن ذاك التى لم يكن لها سلطة مثل نظيرتيها فرنساوروسيا على فلسطين. ردود أفعال العرب عن الوعد المشئوم تباينت ردود أفعال العرب بعد إعلان بريطانيا أحقية اليهود فى إنشاء وطن لهم داخل الأراضى الفلسطينية ما بين الغضب والاستنكار إلا أنه وبالرغم من ذلك فلم تقم أى دولة باتخاذ موقف جدى تجاه هذة الأزمة فقد صدق الجميع وعود بريطانيا الواهية بإنشاء وطن إسرائيلى داخل فلسطين وليس الاستيطان فيها. الكوارث التى تسبب بها وعد بلفور للعرب كان ثمن الوفاء بوعد "بولفر" أغلى من كنوز الدنيا فقد دفعت فلسطين ثمن هذا الوعد بدماء أبنائها وخسارتها ملايين الأرواح، فضلاً عن خسارتها لأرضها فمنذ ذلك الوقت خاضت فلسطين العديد من النزاعات مع الإسرائيليين، أملًا فى أن تتمكن من استعادة أراضيها والثأر لأرواح أبنائها ولكن حتى الآن لم ينفع أي منها فما زالت المأساة مستمرة حتى وقتنا هذا إلى أن يحين وقت الخلاص.