"وراء كل رجل عظيم امرأة.. فماذا عن جمع من النساء؟".. تجيب السيرة الذاتية لعميد الأدب العربي طه حسين، عن ذلك التساؤل، لاسيما أن حياته كانت مليئة بالعنصر النسائي الذي لم يلقٍ عليه الضوء كثيرًا، بين أمه وزوجته وتلميذاته فضلًا عن معشوقاته أيضًا. "عشقه للنساء" بداية.. فإن عشق طه حسين للنساء، يظهر في أحد خطبه السابقة، والتي ألقاها حين استضافته سوريا الشقيقة، وأقام الاتحاد النسائي السوري حفل تكريم له خلال عام 1955، وكان الموضوع الرئيسي للحفل هو ثورة الدكتور طه حسين على الرجعية. وحينما طالبت السيدات الروائي الكبير بإلقاء كلمة، فابتسم قائلًا: "عجبي من أهل هذا البلد الكريم دمشق إنهم لا يملون، كنت أظن أنني أثقلت عليهم بالحديث أمس وشبعوا كلامًا حتى العام المقبل، ولكننا لا نكاد نخلو من حديث حتى ندفع لآخر". وتابع: "إنني أبغض السياسة، وسأبغضها حتى تشارك فيها السيدات، فتصبح السياسة محببة، فلا يسرني شيئًا أو يسعدني، سوى أن أكون تابعًا للسيدات وأن تكون كلمتهن هي العليا لأنها دائمًا صادرة من قلب صادق". واختتم كلامه بأنه بعد أن تستقر الثورة في مصر على الأسس التي توضع خلال الفترة الانتقالية وتعود النظم النيابية فإنه يرجو أن يرى في البرلمان المصري شيئًا يستحق أن يحب وأن تقود النساء فيه الرجال. "المرأة في كتابته" كذلك فإن الكثير من كتابته تحدثت عن المرأة، لاسيما الإسلامية، منهم: "السيدة حمامة زوجة رباح، أم (بلال بن رباح)، والسيدة أم أنمار الخزاعية، وشهر زاد في كتابه (أحلام شهرزاد)، وأم تمام وابنتها في (المعذبون فى الأرض)، آمنة وهنادي وأمهما زهرة في (دعاء الكروان)". "سوزان بريسو" كانت أول من آثارت في حياته، هي زوجته "سوزان بريسو"، التي تزوجها في 9 أغسطس عام 1917، وساعدته للحصول على أعلى الشهادت، مثل درجة الليسانس عام 1917 والدكتوراه عام 1918 ودبلوم الدراسة العليا في التاريخ القديم. ولم تكن مهمة سهلة على الإطلاق أن تصحب "بريسو" رجلًا كفيفًا غريبًا ببلادها لتوصله إلى أرقى مراتب العلم في بلاد النور والثقافة باريس، ولكن زوجته أتمت المهمة واصطحبته خلال 56 عامًا وحتى وفاته عام 1973. وحين عاد للقاهرة رافقته زوجته لتكون بجانبه خلال عام 1919، ورافقتها ابنتهما الأولى أمينة ابنة ال16 شهرًا، ثم أنجبت منه طفلاً آخرًا أسمياه "مؤنس"، وبقيت سوزان في مصر حتى بعد رحيل زوجها، ولم تغادر البلاد مطلقًا حتى توفيت عام 1989 عن عمر يناهز 94 عامًا. سبق وقال عنها: "كانت صديقتي، وأستاذًا لي عليها تعلمت الفرنسية، وفقهت ما أستطيع أن أفقهه من أدبها، وعليها تعلمت اللاتينية، واستطعت أن أتجاوز فيها امتحان الليسانس، ومعها درست اليونانية، واستطعنا أن نقرأ معًا بعض آثار أفلاطون". "أمينة" أما ابنته "أمينة" فقد ظلت هي الأخرى بجواره طوال مسيرة حياته، وتظهر في العديد من الصور التي تحدثنا على دراستها في فرنسا في الفترة من 1935 إلى 1940، إضافة إلى عدد هائل من الصور لها مع أبيها، في مختلف المواقف والأوقات، سواء أكانت تكتب أو تقرأ له، أو في جلسات تجمع شمل العائلة. "سيهر القلماوي" وكشفت وثائق سرية أفرجت عنها عن دار الشروق في القاهرة مؤخرًا، تخص العميد الراحل، عن علاقة وطيدة جمعته بالدكتورة سهير القلماوي، التي كانت تلميذته وقتها وانبهرت بنجاح الكاتب الكبير واقتحمت معه عوالم اللغة العربية. وقال عنها العميد في تلك الوثائق أنها تتمتع بحضور أنثوي جذاب، وبصوت فيه حرارة وبنبرات مسيطرة، وحين ودعها ليسافر كتب عنها قائلًا: "الله يشهد مرة أخرى ما أريد ولا أطيق أن أقسو عليكِ، وإنما هي اللهجة التي تستطيع أن تصدر عن نفسي في هذه الأيام والتي أتحدث بها الى أقرب الناس إلي، وآثرهم عندي". "تلميذة مجهولة" ومن بين ما كشفت عنه الوئاثق، عشق عميد الأدب العربي لإحدى الفتيات المجهولة، حين كان يدرس في كلية اللغة العربية، إذا كان يستلطفها بصورة خاصة، فكتب عنها يقول: "والله يشهد أني لأذكرك كل يوم غير مرة، وما أظن أنك تذكرينني كما أذكرك، وهذا طبيعي فإن لكِ من حياتك الجادة الخصبة ما يشغلك حتى عني". "مي زيادة" ولا يمكننا الحديث عن نساء العميد، دون التطرق إلى الكاتبة والروائية مي زيادة، التي خفق قلب العميد له خلال إحدى حفلات تكريم الشاعر الكبير خليل مطران، إلا أن قلبها لم يملكه سوى الشاعر جبران خليل جبران. فقال العميد عنها في مذكراته "الأيام"، في فصل بعنوان: "عندما خفق القلب لأول مرة" يقول: "احتفلت ذات مساء فى حجرة من حجرات الجامعة القديمة بتكريم خليل مطران، رحمه الله، وكان الشعراء ينشدون في الاحتفال الشعر، وكان الخطباء سيلقون فيه الخطب". وأضاف: "وفيه سمعت كثيرًا من الشعر، وكثيرًا من الخطب فلم أحفل بشىء مما أسمع، ولم يعجبني شيء حتى قصيدة مطران فلم أفهم منها شيئًا، ولم أرض عن شىء مما سمعته إلا صوتًا واحدًا، اضطربت له اضطرابَا شديدًا أرق ليلتي". وتابع: "كان الصوت نحيلًا، وكان عذبًا رائقًا، وكان لا يبلغ السمع حتى ينفذ منه فى خفة إلى القلب، فيفعل فيه الأفاعيل، وكان صوت الآنسة مى التى كانت تتحدث إلى الجمهور للمرة الأولى.. إلا إنني صدمت بامتلاك جبران لقلبها".