مبادرة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز خلال القمة الخليجية الأخيرة، والتي تدعو إلى انتقال دول الخليج العربية من حالة التعاون الاستراتيجي بين دول المجلس الخليجي عبر مجلس التعاون الخليجي إلى حالة الاتحاد في إطار الكيان الواحد، لها أكثر من مبرر ولها أكثر من مدلول في مضمونها وتوقيتها وآليات تنفيذها وتداعياتها الاستراتيجية. فالسياق العام في طرح هذه المبادرة إنما ينطلق من نظرة ثاقبة للملك عبدالله لطبيعة الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط وتحديدا في مياه الخليج العربي وإيران والعراق وسوريا ومصر، وهذه المرة يبدو أن خارطة إدراك القيادة السعودية أدركت في تقييمها للمخاطر الإقليمية مخاطر لم تعد مدركة مسبقا، أو مخاطر جديدة في مضاعفاتها المستقبلية، وفي تفاعلاتها البنيوية. هذه المخاطر وفي ظل الظروف التي تمر بها بعض دول الخليج وخصوصا البحرين والكويت، يخشى أن تتفاعل مع الأحداث الإقليمية. ويضاف إليها تضاعف المخاطر في اندلاع حرب إقليمية بين الولاياتالمتحدة وإيران. خصوصا في ظل انسحاب أميركي كامل من العراق الذي يسير في المجهول بسبب تباطؤ العراق في استعادة عافيته بسبب الخلافات السياسية والتدخلات الإقليمية في رسم سياسات هذا البلد. لكن الدعوة إلى الاتحاد الخليجي تحتاج أولا إلى تهيئة أجواء خاصة مشجعة على الوحدة، يأتي في مقدمتها إضفاء عامل الثقة ليطغى على أية محادثات خليجية تسير بصدد الاتحاد، ذلك أن الثقة هي التي تزيل كل جذور الخلافات والمشاكل الخليجية، والذي يدفع أعضاء مجلس التعاون الخليجي إلى التنازل عن بعض الحقوق والاستحقاقات من اجل الهدف الأسمى ألا وهو وحدة الخليج. وهناك عامل آخر يضاف إلى عامل الثقة، ألا وهو الاستفادة من تجارب وحدوية ماضية، وتحليل المشاكل التي واجهتها، من اجل عدم تكرارها في التجربة الخليجية، فمثلا الاستفادة من تجربة تأسيس الولاياتالمتحدة وفق النظام الفدرالي، والمشاكل التي واجهتها من حرب أهلية بين الولايات الأميركية في الشمال والجنوب. ومن مشاكل تنظيمية ارتبطت بصلاحيات الولايات وعلاقتها بالمركز، إضافة إلى خلق التشريعات الرصينة التي تكفل ضمان الحقوق لجميع أعضاء الاتحاد بصورة متساوية وبشكل يضمن الاحترام المتبادل للجميع. ولنكن صريحين أكثر هذه المرة، ، فأن غياب العراق عن المعادلة الإقليمية أضر كثيرا بتوازن القوى في المنطقة، ومما زاد في اختلال توازن القوى الإقليمي، بروز قوى إقليمية جديدة في المنطقة، باتت تسابق الليل والنهار في بناء مقومات قوتها الاستراتيجية فضلا عن القوة التقليدية، وبشكل بات ينافس حتى القوى الكبرى. إذن مطلب القوة الاستراتيجية لدولة خليجية موحدة وفق نموذج حضاري، وخارطة طريق واضحة في إرساء الاستقرار والأمن في المنطقة، هو الحل الأمثل لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة. أما احتياجات وحدة الخليج فإنها تحتاج إلى تخطيط استراتيجي رصين، يركز في اتجاهين أساسيين، الاتجاه الأول، هو بناء المؤسسات الاتحادية للدولة الخليجية ودمج النظم الاقتصادية والعسكرية والأمنية في نظام واحد، والاتجاه الثاني هو دمج استحقاقات المشهد الخليجي في مرحلة ما قبل الاتحاد، مع استحقاقات مرحلة ما بعد الاتحاد لرسم قائمة أهداف واضحة للسياسة الخارجية الخليجية. إن عصر القوة بات عصرا يحيط بنا بكل تفاصيله وحيثياته، فالقوة الناعمة تتعامل معنا بشكل محسوس وغير محسوس يوميا، والقوة الصلبة تحيط بنا هي والتهديد باستخدامها، والقوة الذكية التي تمزج بين ما هو ناعم وبين ما هو صلب من مفردات القوة، باتت الشغل الشاغل للقوى العالمية والإقليمية، ونحن وان تأخرنا في بناء قوتنا الذكية، إلا أن مبادرة الملك عبدالله في الوحدة الخليجية وهمة قادتنا تملؤنا أملا في أن نشمر عن سواعدنا ونواصل الليل بالنهار من اجل أن نتعامل مع عصر القوة بالقوة التي تناسبه.