مقولة مضيئة علي لسان المفكر الوفدي الراحل الدكتور طه حسين، تثير العقول فيما ينبغي أن يكون عليه الشأن في أصول الحكم وأمور السياسة، إذ يقول: «إن الديمقراطية لا تتفق مع الجهل، ولا يمكن للأمة أن تكون مصدر السلطات في بلد كثرته جاهلة غافلة. وإذا كان الواقع الراهن ينطق بأن الكثرة في بلادنا بين جاهلة أو غافلة، فكيف يمكن اللجوء إلي عمل انتخابات أو استفتاءات لنصل به إلي حل في أمر أو استبيان في رأي، في الوقت الذي يزخر فيه المجتمع نفسه بالأذهان النابهة النيرة، بل العقول الألمعية العبقرية.. وإنها لمصر العظيمة التي لا تعدم أن ينبت فيها أمثال تلك الزهور البشرية الرائعة والتي لا تقل في مكانتها عن أعلي الهامات علي مستوي الكوكب الذي نعيشه.. أي ما الذي يلجئنا لأن نترك الرأس العبقرية المفكرة حتي نسترشد بالرأس الخاوية الضائعة..؟! والذي حدث في بلدنا أن وقع بنوها منذ منتصف القرن الماضي تحت ظل حكم استبدادي دام قرابة ستة عقود متوالية بما أوصل الناس إلي حالة من الضياع العقلي والنفسي وبما أدي بالتالي إلي حدوث فراغ فكري هائل دفع بالكثيرين لأن يصرحوا لبعضهم بعضا إبان الانتخابات بأنهم ضياع تائهون ولا يعرفون أن يتخذوا قرارا أو كيف يختارون مرشحيهم بالوجه الصحيح المناسب. وأنه مادام الأمر كذلك فليس أمامهم إلا أن يتجهوا إلي الله وبالتالي ليس بوسعهم غير أن ينتخبوا الإخوان أو السلفيين كوازع ديني يساعدهم في اللجوء إلي الله. وهذا إقرار صريح لأنهم، من جهة، فقدوا القدرة علي التوازن أو التفكير الصائب.. ومن جهة أخري، أقروا بذلك أنهم مسحوا بالممحاة كل الأحزاب المقابلة يمينية أو يسارية، متقدمة أو تقدمية، قديمة أو حديثة.. وهم بذلك قد أسلموا أمرهم لله وخلفائه علي الأرض من زعماء التيارات الإسلامية.. أيا كانت! وإزاء هذه الحالة النكوصية لا يمكن أن نكون أمام شعب.. وانتخابات وبرلمان، بقدر ما نكون أمام مجموعات من الهياكل الأدبية المغيبة.. هرعت إلي حفلة زار، بغية اخراجهم بما يصيبهم من دوار؟! إن الصوت الذي يعطي في صندوق الانتخاب ينبغي أن يعطيه صاحبه وهو بكامل وعيه، واستنادا لمبدأ مكون لديه عن معطيات فكرية مكونة بفعل عوامل التثقيف والتنوير والمؤسسة عليها خلايا مخه ونبضات روحه وجسده..!! فإذا أعطي هذا الصوت عن صاحبه الذي يعترف هو نفسه بغياب وعيه وضياع نفسه، أو لأنه الطريق المؤدي برضا الله إلي دخول الجنة، فإن هذا الصوت يكون باطلا بطلانا شرعيا وقانونيا، خلاف أنه يضعنا إزاء جريمة كبري يستلزم الأمر البحث في أسبابها، ومن هم جناتها..؟! وبغض النظر عما إذا كانت التيارات الدينية علي صواب من عدمه، فإن محور الاحتجاج يتمركز حول طريقة أداء العملية الصوتية أي الواجب الانتخابي، وهي طريقة تبعد كل البعد عن شبه الديمقراطية أو ظلها لأن الانتخابات - ما من - بزاوية ما من زوايا التعريف - هي عملية إرادية عقلية للوصول إلي برلمان من الأحرار الأبرار، وليست عملية استسلامية حسابية للدخول في جنات تجري من تحتها الأنهار..؟! وأنه وفقا لتلك المقاييس يعد برلمانا باطلا.. ولما أنه مؤسس علي انتخابات باطلة.. لما قد صدرت عن عقول تائهة ضائعة.. بلا وعي، وباقرارهم هم أنفسهم علي أنفسهم..؟! ومع أن هناك حلولاً عديدة قد طرحت مرارا وتكرارا منذ يناير 2011 ورغم أن التكرار، عفوا، يعلم «الحصان؟!» إلا أن الشيطان في بلدنا لا يتعلم إلا أن يدبر الخطط ويدير المؤامرات ضد شعب ثاثر سليم السطوية، وضد ثورة يناير 2011 ذات الدماء الذكية..؟! توفيق أبوعلم