نحن نظن أننا نعرف معني الديمقراطية والانتخاب الديمقراطي نحن جميعا متساوون أمام صندوق الانتخابات ولكل إنسان فوق الثامنة عشر صوت واحد. دون شك سوف يصدم عامة الناس عندما يعلمون أن الفيلسوف الإنجليزي الكبير والمنظر الاجتماعي والاقتصادي العظيم جون ستيورات مل «1806-73» كان يري غير ذلك، لقد اقترح مل وبكل جدية أن يكون للشخص العادي صوت واحد بينما المتعلم والمثقف ومن يعرف بين الناس بالحكيم والعلامة يمكن أن يكون له صوتان أو ثلاثة أو حتي أربعة أصوات في الانتخابات. كان «مل» يخاف أن تستعبد الأكثرية الجاهلة الأقلية الواعية وهو ما سماه ديكتاتورية الرقم الرهيب ألا وهو واحد وخمسون في المائة من الأصوات، طبعا لم يكن «مل» سوي أحد الشخصيات المهمة في العصر الحديث نسبيا ولكن هناك شخصيات عديدة أخري أيدت نفس المخاوف وأذكر منهم أفلاطون وأرسطو. كذلك هناك كثير من المفكرين والسياسيين الأمريكيين الذين ناقشوا هذا الموضوع عند وضع الدستور الأمريكي. دعوني أذكر باختصار شديد لضيق المكان عدداً من عظماء المفكرين الذين لا يرون ميزة مطلقة فيما نسميه دون تمييز ديمقراطية. من هؤلاء الأمريكي جامس مادسون «1787» والفرنسي ألكسس توكونل «1805-59» والإنجليزي ستيوارت مل والفيلسوف والعالم الاجتماعي الإسباني الكبير أورتاجيا إجازت «1883-1955»، المثال التالي يوضح دور العلم وهو من مصر. قرأت منذ عشرات السنين في الأخبار عموداً للصحفي الفذ مصطفي أمين يوضح بالورق والقلم والحساب استحالة حل مشكلة التليفونات لأننا نحتاج لها إلي ميزانية أكبر من ميزانية مصر بأكملها. كلام جميل ولكن المعضلة حلت عن طريق الأقمار الصناعية التي قادت إلي ثورة الاتصالات واختراع الموبايل وأصبح كل شاب أو فلاح في مصر يملك «تليفون» موبايل. العلم لا السياسة أو الاقتصاد أو الفلسفة هو ما حل المعضلة، للدقة لابد أن تقول بالنسبة لمصر فالحل هو العلم ورجال الأعمال بصرف النظر عن حبي أو عدم حبي لأي مذهب اقتصادي أو سياسي. لابد أن قراء مصر الغد قد شعروا أني أنظر لكل مشكلة تشغلنا عن العلم والتعليم علي أنها مشكلة جانبية وأنا أرغب في التركيز علي المشكلة الأساسية أو أم المشكلات وهي التعليم والعلم وأني أري أن ما عدا ذلك هو وهم وسراب. كما قلت لقد تطرقت في مقالات سابقة إلي فرانسيس فوكوياما وسوف أتناول كتابه «نهاية التاريخ في المستقبل» بسبب تأثيره علي المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة، كذلك أريد أن أنوه ب«دانيال بل» أستاذ الاجتماع في جامعة هارفرد وكتابه «نهاية الايديولوجيات». نحن نتفق معهم في شيء واحد هو الرغبة في إنهاء الكلام وتحويله إلي علوم الإنجاز في الهندسة والطب وكل ما يحتاج إلي الإنسان في كل مكان ليحيا حياة كريمة وأن لا تكون هذه الحياة الكريمة حقا لمن يسكن دولا بعينها فقط. كما هو الحال الآن إذا حدث ذلك نكون قد وصلنا ليس فقط إلي العلم أي العقل وإنما أيضا إلي الإنسانية لأن العقل يسكن الإنسان.