بهذه الكلمات حاول الفنان الراحل - أستاذ وعبقرى الموال - «محمد طه»، أن يذكرنا وهو يضيء لنا شمعة أمل، ونحن فى طريقنا للبحث عن «مصر»! أنه رغم كل شىء جميل. فيما يبدو أن الفنان محمد طه بحسه الفطرى، وبموهبته التى خرجت من أرض هذا البلد.. قد أدرك وشعر، وأحس، وقرأ ما بداخل البعض منا تجاه مصر، فأراد أن يعرف هؤلاء وغيرهم إنها «مصر» خليك فاكر! نعم.. قد تحزنك مصر، قد تهجرك، قد تخنقك، قد تسجنك، قد تقتلك، قد تبيعك، قد تهينك، قد تخونك، قد تشلك، قد تذلك، وقد تجعلك عارياً، بلا مأوى، عائشاً بلا مهنة، باكياً بلا غنوة، حزيناً بلا فرحة، مهاناً بلا كرامة، عاملاً بلا لقمة عيش، تحرس صوت الجوع بداخلك.. نعم.. هذا قد يحدث من مصر! بل إنها أحياناً قد تأخذ منك، وأنت الفقير، وتعطى للغنى، تأخذ منك وأنت الضعيف، وتعطى للقوى، تأخذ منك ما تستحقه، وتعطيه لمن لا يستحقه، نعم.. هذا قد يحدث من مصر! بل إنك أحياناً - من فرط حبك لها بالفطرة - تحاول أن تدخل اليها من الباب، لكنك تجدها تهرب منك من الشباك أحياناً.. تعرف.. وتعمل.. وتجتهد.. ويدوب حذاؤك عملاً وتعباً، وينهار جسدك سهراً وكمداً، ورغم ذلك، تعطيك «الملاليم»، فى الوقت الذى تعطى فيه بسخاء، «للفهلوى» و«المشهلاتى» و«النصاب» الملايين، نعم قد يحدث هذا من مصر! يحدث هذا -وأنت تراها- صامتة.. عاجزة.. ساكتة لا تتحرك.. فتسألك من فرط شعورك باليأس وبعدين معاك يا مصر؟ وتنتظر الرد، فلا يأتيك منها رد! نعم قد يحدث هذا، لكن قبل هذا، وبعد هذا.. وقبل كل شىء.. وأى شىء -خليك فاكر لما ينبهك إليه نجم الموال محمد طه- أنه لن يبقى لنا، إلا شىء واحد.. ألا وهو مصر. هى الأصيلة، والعظيمة، والعريقة، والقديمة، والجليلة، والصبية، والبهية وكلنا عارفين، وكلنا شاهدين أن مصر جميلة.. خليك فاكر! - أنا فى محكمة العدل - أصل العدل للعادل - واسمع يا منسى.. أنا مش منسي - وفى الكلام عادل - أنا اسمى عدل الكرام محمد أبوطه - أبونفس عالية ما عمره فى يوم وطاها - أنا محمد طه أنت مين يا أستاذ؟ يرد الفنان محمد طه قائلاً: الحمد لله أهو حضرتك يا أستاذ أنور يا منسى قلت يا أستاذ، إذن أنا أستاذ، فيضحك الفنان منسى ومن معه من لجنة التحكيم فى نقابة الموسيقيين، ويرد عليه قائلا: حلو الموال ده يا طه؟ مين اللى كتبه؟ أنا الذى ارتجلته أمامك الآن ولحنته وغنيته، حتى أثبت لكم أننى لى الحق فى أن أكون عضواً فى هذه النقابة، كان الفنان محمد طه فى أوائل الخمسينات قد تقدم لعضوية النقابة فسألوه.. ما مؤهلاتك؟ قال لهم: ليس معى مؤهلات غير صوتى، وأقرأ وأكتب حيث تعلمت ذلك من «كُتاب» القرية، إذن ليس لك مكان هنا.. ابحث لك عن مهنة أخرى، هذا كان رد اللجنة الأولى، لم ييأس «محمد طه» حاول، وخاض التجربة مرة أخرى، لأنه يؤمن بفنه، وموهبته، وقدرته، وقدرة صوته، وفى اللجنة الثانية.. دخل وعندما جاءه السؤال الأول.. ما مؤهلاتك.. غنى لهم فى اللحظة والتو موال «ارتجالى» من كلماته وألحانه، جعل عازف الناى الشهير أنور منسى - رئيس اللجنة - يقول: الله.. الله يا طه.. أعد علينا كمان! فيغنى وينشد مواله قائلا: أنا فى محكمة العدل.. أصل العدل للعادل. واسمع يا منسى - يقصد رئيس اللجنة أنور منسى - أنا مش منسى.. وفى الكلام عادل، مبروك نجحت يا محمد. انطلق وانشر بصوتك غناءك.. وهذا ما حدث بالفعل. فى سلسلة حوارات «أبى.. الذى لا يعرفه أحد» ذهبت إلى عالم الموال.. ذلك الفن الذى ارتبط بالصبر والعرق والعمل وبالناس «الشقيانة» أو «الشقى» هو الذى ارتبط به، يبقى «الموال» فن مصرى أصيل، له أصواته، وأفكاره، وعشاقه ومحبوه، ويبقى الراحل محمد طه، «أسطى» فن الموال وعملاقه، الذى صنع منه رسالة، وبيان يواجه به - بالموال - قبح الأخلاق، وتشويه الجمال، وتشريد الفضيلة فى المجتمع، فهل كان محمد طه عندما يغنى للصبر، وللحبيب، وللوطن، وللعمل، وللصديق، وللعشرة، وللجار، وللزواج، وللقمة الحلال، هل كان بالفعل يغنى مثلما كان يغنى - وما زال - يغنى غيره؟ المؤكد.. لا! «محمد طه» بمواويله كان يفتش عن أجمل ما فينا، كان بمواويله يواجه أسوأ ما فينا.. كان.. وكان.. كان يبحث عن أفضل وأجمل ما فى الإنسان.. ب «الموال»! وأظنه نجح. اتصلت بابنه اللواء شرطة يحيى محمد طه أحد الأبناء، واتفقنا على اللقاء.. ذهبت ببيت العائلة فى شبرا، فى البيت الذى عاش فيه محمد طه حتى رحيله، وصلت فى الموعد المحدد بيننا، لاحظت أن سكان العمارة كلهم يعرفون ويسلمون ويضحكون ويعزمون على بعضهم بعضاً، يحيى بيه - كما يحب الأهل أن ينادوه - لاحظ ما لحظته.. فقال: هؤلاء السكان كلهم أقارب أبناء «عم» و«خال» و«عمة» فنحن -طبقاً لوصية أو رغبة أبى- أسرة واحدة، فى بيت واحد بناه هو قبل سنوات من رحيله - لذلك ستجدنا جميعاً.. نعرف بعض! وصلنا للدور الثانى.. حيث كان يعيش الراحل محمد طه.. كل شىء فيها كما هو وكأنه ما زال يعيش بيننا، حجرته، أو راقه، طربوشه الشهير، وجلبابه البلدى الذى كان داعماً ما يخرج به علينا، ثم أرفف عليها كتب وأشرطة كاست قديمة تحمل حفلاته الداخلية والخارجية، بعدما جلسنا، انضم لنا أحد الأحفاد «محمد» والذى كان ملازماً ومصاحباً ل «جده» وعلى كتفه وبين يديه وأمام عينيه مات جده أثناء اصطحابه له لمهمة خارج البيت قبل سنوات. سألت الابن يحيى: لماذا اختار منطقة شبرا ليبنى عمارة ويعيش فيها؟ رد بعدما قدم لنا فنجان قهوة قائلاً: أعتقد لأنه ربط هنا ما بين غناه الشعبى أو البلدى، وبين نوعية البشر الذين يحب أن يراهم ويعيش معهم.. فى هذه المنطقة تشعر بروح مصر الحقيقية، تجد فيها الأفدنة والفلاحين، والصنايعية، والعمال، تجد المسلم والمسيحى، تجد «الجدعنة» و«الشهامة» و«الرجولة» وهذه أشياء أو نماذج أو تركيبة بشرية كان أبى -رحمة الله عليه- يجد نفسه فيها، أيضاً.. هذه المنطقة زمان كانت -وما زالت- نقطة التقاء ما بين القادمين من الصعيد والدلتا، لكونها قريبة الى حد ما من محطة مصر وموقف أتوبيس شهير -تعلوه حالياً الى عبود- أحمد حلمى.. ومنزلنا كان عبارة عن «لوكاندة»: لأقاربه، فمن يأتى الينا من الدلتا ومن الصعيد أو حتى إذا كان هذا الوافد جاء للقاهرة، لقضاء أسر خاصة به.. كانت محطته الاولى هى بيت عمنا «محمد طه»! - أنا ابن المنوفية وصعيدى يا سيدى - وسيدى كان فلاح - وأصلى فلاح وحى على الفلاح - موصينى أبويا بكل فلاح - وقاللى: مصر جميلة.. خليك فاكر اسمه «محمد طه مصطفى أبودوح» ولد فى مدينة «طهطا» بمحافظة سوهاج فى 24 سبتمبر 1922 ونشأ وتربى فى قرية والدته «سندبيس» مركز قليوب محافظة القليوبية لم يحصل على مؤهل، لكنه كان يجيد القراءة والكتابة، غنى 10 آلاف موال، وله من الأبناء ثمانية: أربعة ذكور وأربع إناث، ورحل فى 12 نوفمبر 1996. عدت للابن وسألته عن أسباب انتقال الأسرة من الحياة فى الصعيد إلى الحياة على أطراف القاهرة؟ قال: والدتى ابنة عمه، وكانت والدته هو أيضاً قريبة له.. وزمان كانت ظروف الحياة صعبة، خاصة فى الصعيد، لذلك كانت بعض الأسر أو أفراد منها، كانت تنتقل من مكان إلى آخر، بحثاً عن «لقمة العيش»، لكنهم كانوا يذهبون إلى الأماكن التى فيها أقارب لهم، وأبى انتقلت والدتى به ومعها باقى إخوته إلى قريتها هى، وفيها تربى وبدأ مشواره فى الحياة.. لكنه صعوبة الحياة وقسوتها، جعلته يترك الدراسة الابتدائية ويبدأ يعمل ويكسب قوت يومه، ليساعد نفسه وأسرته على الحياة. - قلت: وإلى أين اتجه؟ قال: إلى محافظة الغربية، حيث بدأ العمل فيها كعامل فى مصانع النسيج بمدينة المحلة الكبرى، وكان أول أجر تقاضاه - كعامل فى سنة الصغير هذه - 13 مليماً فى اليوم «الجنيه المصرى وقتها كان يساوى (1000) مليم»، كان هذا فى عام 1936، لكن بعد أربع سنوات، ترك العمل فى المحلة الكبرى، واتجه الى مدينة «كفر الدوار» وفى هذا المصنع ومن كفر الدوار، بدأ يغنى ويلحن مواويله الخاصة، ويستمع له زملاؤه فى المصنع، ويجعلونه يترك ما فى يده ويغنى لهم، لكن كان جدى غير راض عن أن يغنى ابنه ورافضاً أن يكون «مغنواتى» كما كان يطلق عليهم زمان، قلت وهل استجاب لرغبة الأب؟ رد: لا.. أبى فى موضوع الغناء لم يكن يستمع إلا إلى صوته ونفسه فقط، كان بداخله شىء يريد أن يقوله، لكن الذى حقق رغبة جدى وقتها هو الجيش، قلت: كيف؟ قال: فى هذه الفترة تم استدعاء أبى للتجنيد الإجبارى فى القاهرة.. قلت: إذن هو جاء من الصعيد الى القليوبية ثم الى المحلة ثم الى كفر الدوار ثم العودة للقاهرة؟ رد الابن وهو يبتسم وكان القدر أراد له أن يلف مصر ويعيش مع أهلها من الصعيد للدلتا، قبل أن يغنى لهم فيما بعد، ثم عاد الابن لحديثه عن وصول أبيه للقاهرة للتجنيد قائلاً: وصوله للقاهرة حقق رغبته هو فى الغناء ولم يحقق رغبة والده.. فعندما جاء للقاهرة وجدها فرصة للتعرف على مسارح الفن الشعبى على مقاهى «حى الحسين» و«السيدة زينب» وبالفعل بدأ الغناء فى تلك الموالد.. وفى عام 1954 تصادف أن استمع إلى صوته الراحلان الكبيران «طاهر أبوزيد» و«إيهاب الأزهرى» وعلى الفور وجهوه إلى الاذاعة.. وقام بالفعل تسجيل عدد من مواويله.. لكن الإذاعى الشهير «محمد حسن الشجاعى» رفض صوته وقال عنه إن صوته لا يصلح للإذاعة؟ - يا رايح فلسطين حود على أهل غزة - تقعد مع أهل الكمال تكسب وتتغذى - وسلم على يوسف حاكم قطاع غزة - وقل له إحنا البواسل - سيوفنا فى قلب اليهود غازة. عدت للابن وقلت له.. وهل استسلم لرأى محمد حسن الشجاعى عندما رفضه فى الإذاعة؟ رد: لا.. بل ظل يغنى وسافر مع الراحل جلال معوض وغنى فى قطاع غزة فى حفلات أضواء المدينة التى كانت تقام هناك، ثم التقى به الشجاعى فى حفلة فى الاسكندرية، ورأى تجاوب الجمهور معه فلم يملك إلا أن قال له: «الآن اقتنعت بك» وأعطاه كلمات أغنية عن الفلاح غناها ثم حضر لجنة ثانية كان فيها عازف الناس الشهير «أنور المنسى» ونجح وانضم للإذاعة من ذلك اليوم.. وبالمناسبة أبى هو المطرب المصرى الوحيد المعتمد فى جمعية المؤلفين والملحنين المصرية والفرنسية. قلت للابن.. حياته العائلية.. كيف كانت؟ رد: أبى كان رجلاً بسيطاً.. «عامل» مع العمال.. و«فلاح» مع الفلاحين، منزلنا كان يشبه الدوار فى القرية.. كان يحب الناس ويقول: «أنا النعمة اللى أنا فيها دى.. ربنا رزقنا بيها علشان أهلى» لذلك حرص أن نعيش كأسرة واحدة فى منزل واحد، وأن نصاهر بعضنا بعضاً حتى نكون -كما كان يجب- أسرة واحدة فى مكان واحد، قلت: كيف تعرف على زوجته؟ - والدتى رحمة الله عليها كانت قريبة له، ابنه عمه، وتزوجها وعاش معها حتى آخر يوم فى حياته، والحقيقة كانت والدتى هى العون والمساعدة الحقيقية له، لأنها أدركت مبكراً، أنها زوجة لفنان، فتولت هى شئون تربية الأولاد، ومتابعة التعليم وكافة شئون الأسرة، والحمد لله نجحت فى أن نتعلم جميعاً ونحصل على مؤهلات عليا، كان أبى نفسه حريصاً على هذا، ووفر لنا الإمكانيات لذلك، قلت: هل يرجع حرصه هذا إلى حرمانه هو من استكمال تعليمه؟ قال: ربما! - لسانك حصانك إن صنته تعيش متصان - وإن هنته هانك ما تعرف الطريق منصان - صاحب أصيل.. لو فقير ولبس عسل ينصان - أما الخسيس لو غنى زى البصل ينصان كلمات عبارة عن منشور توعية للمجتمع، فيها معان، تهدف إلى حماية المجتمع من أمراض التطاول فى اللفظ والقول والفعل.. وعندما تنظر إلى ما كان يغنيه «محمد طه» ستجد أنها كلها تدعو إلى العفة والفضيلة والعدل، والشرف والشهامة والرجولة.. وهى أشياء غابت للأسف عن المجتمع، وذهبت إلى هوة سحيقة، ولم تعد بعد، عدت للابن وسألته: هل كان راضياً عما وصل إليه من شهرة وتواجد على الساحة؟ رد بسرعة قائلاً: تمام الرضا.. أبى كانت فلسفته فى الحياة بسيطة، هو فلاح ابن فلاح يرضيه القليل، ويفرحه القليل، وهو والحمد لله حقق الكثير والكثير، وكان دائماً يقول: «حلمى فى الحياة أعيش مستوراً، وأموت مستوراً» ولقد تحقق له ما أراد، أما عن النجومية والشهرة وتلك الأمور لم تكن تعنيه كثيراً وفى هذه النقطة وعندها يتدخل الحفيد «محمد» -الاسم امتداداً لاسم جده- ويقول كنت شاباً صغيراً، أجلس فى الصالة ورن جرس التليفون: ردت: أيوه.. أنا يا ابنى عمك شفيق جلال، الحاج محمد طه فين؟ رددت ثوانى: ذهبت بالتليفونى -الأرضى- إلى جدى.. وسمعته يرد عليه قائلاً: يا شفيق متشغلش بالك يا شفيق.. سيب اللى يقول.. يقول.. إحنا اللى علينا عملناه.. ثم تحدثا معاً فى أمور أخرى، بعد المكالمة قال جدى وهو يضحك.. شفيق جلال زعلان، لأن فيه زميل -كان يقصد الراحل محمد العزبى- يقول إنه هو أستاذ الموال.. وشفيق يسأل: أمال إنت تبقى إيه؟ يرد الابن على الحفيد قائلاً وهو ينظر لى: هذا كان رده فى مثل هذه الأمور، كان واثقاً من نفسه ومن فنه ولا تشغله كثيراً مثل هذه الأمور، وصلت إلى النهاية فى اللقاء.. كان قبلها سألت.. عن لحظة النهاية فى حياة هذا الفنان المبدع الذى استمع له ذا يوم عميد الأدب العربى طه حسين.. وبعدما فرغ من الغناء وإنشاد المواويل.. تبسم طه حسين، وسأله: أنت يا محمد مؤهلاتك إيه؟ رد: لا أحمد إلا شهادة الميلاد والخدمة العسكرية، هز العميد رأسه وهو يقول له: لكنك تحمل شهادة ربانية أكبر من الليسانس فى الموال. عدت للابن بعدما تركت بعض الوقت يتذكر لحظة الوداع، لحظة النهاية لهذا الفنان الجميل: قال وهو يتذكر لحظات، لا يحب كثيراً تذكرها.. الحقيقة كانت صحته جيدة، ولم يشتك من أى مرض.. لكن الساعة والعمر والمكتوب.. يومها كنت فى شغلى وجاءنى الخبر، وقال ونظرة عينيه تتجه إلى الحفيد «محمد» الذى يجلس معنا.. محمد بقى كان معه لحظة الوفاة، ثم سكت هو وتحدث الحفيد، قال: طلب منى أن أستعد للنزول معه لإنهاء بعض المهام القريبة من المنزل.. وكانت معنا جدتى والسائق. ونحن فى الطريق والساعة كانت التاسعة صباحاً يوم «...........» حصلنا حتى «المظلات» فى طريقنا إلى «قها» وعندما وصلنا بالقرب من مصنع مكرونة على الطريق.. طلب من السائق أن يقف، لماذا يا جدى؟ قال: مدير المصنع طلب منى خدمة لابنه، والحمد لله أنجزتها له.. هطلع أفرحه.. قلت كما تحب، نزل.. مشى.. صعد.. وبعد دقائق وجدت من جاء مهرولاً.. «انت مع عم طه»؟ أيوه.. خير.. تعالوا بسرعة.. فى لحظات كنا أمامه.. رأيته جالساً على كرسى.. وجهه يبتسم ويقول: ما تخفوش أنا كويس.. أنا كويس.. أنا ولم يكمل كلامه فى المرة الثالثة.. مات. - أبويا نصحنى وقاللى امشى على قدك - وفصل التوب يكون مسبوك على قدك - وإن شايلوك حمل.. شيل الحمل على قدك - أوصيك يا ولدى وصية والوصية حساب - امشى مشى التجارة وللتجارة حساب - واللى ما يعمل حسابه.. ما يتعملوه حساب .. ومات محمد طه بعدما عمل بنصيحة أبيه.. مشى مشواره بنجاح وصدق، وارتدى ثوبه هو وصنع منه حالة فى الغناء، ثم نقل هو الوصية إلى ابنه، طالباً منه أن يعيش فى الدنيا ب«حساب»!.. مات وهو واثق تماماً أن مصر -رغم ما فيها وكل ما فيها- جميلة.. خليك فاكر يا ريت تفتكر!