يوثق كتاب «ابن البلد» للأديب سمير كرم فريد قصة حياة الفنان محمد طه ورحلته مع الغناء الشعبى، فى مزج رائع بين دراسة أجراها عن مواويله وحوار مباشر أجراه مع محمد طه عن رحلته التى بدأت بالعمل فى صناعة الغزل والنسيج قبل أن يصبح ملك الليل والموال فى مصر، ويصل بصيته وشهرته إلى كل العالم. البداية بدأت علاقة محمد طه بالغناء فى أربعينيات القرن الماضى أثناء عمله بالغزل والنسيج، حيث كان يردد الأغانى الحماسية للعمال، أما شهرته فجاءت بعد قيام ثورة يوليو 1952، حيث تم اختياره مع الفنانة نجاة والفنان محمد عبدالمطلب والمونولوجست عمر الجيزاوى لإحياء 10 سهرات فنية، يحضرها قادة الثورة الرئيس محمد نجيب آنذاك وجمال عبدالناصر وأنور السادات. وكان أول موال قدمه محمد طه بعنوان «هيا بنا يا شباب الجيش طالبنا»، وقد نال هذا الموال إعجاب الجمهور وقادة الثورة. فى عام 1955 أراد محمد طه أن ينضم إلى عضوية نقابة الموسيقيين، وكانت لا تمنح فى هذا الوقت إلا لحملة المؤهلات العليا، وكان طه أميا لا يحمل حسب تعبيره إلا (شهادة ربانية) فخصصت له جلسة بدار القضاء العالى ضمت فى عضويتها الفنان أنور منسى وقاضيا يدعى «عادل» وبعض المستشارين.. فسألته هيئة المحكمة: ما الذى يثبت أنك فنان؟ فأجاب بموال ارتجله فى الحال (أنا فى محكمة العدل أصل العدل للعادل.. واسمع يا منسى أنا مش منسى.. ده أنا فى الكلام عادل.. وإذا حكمتم يكون الحكم بالعادل.. أنا اسمى عدل الكرام محمد أبو طه.. أبو نفس عالية ما يوم وطاها)، فلم تتردد المحكمة فى قبوله عضوا عاملا بنقابة الموسيقيين. فى عام 1956 طلب الأستاذ زكريا الحجاوى مكتشف الفنانين الشعبيين من محمد طه أن يشارك فى حفل] بالسويس أثناء العدوان الثلاثى على مصر، وكانت الحرب فى حينها مشتعلة بمدينة بورسعيد. فى هذا الحفل التقى طه الإذاعى الكبير جلال معوض الذى قدم الحفل من خلال برنامجه الشهير «أضواء المدينة»، وكانت هذه أول حفلة جماهيرية يغنى فيها طه. فن الارتجال برع محمد طه فى معرفة فن الموال وكتابته إلى حد الارتجال فى التأليف، وتعلم طه فن كتابة وارتجال الموال من جيل الرواد الذين سبقوه أمثال الحاج مصطفى مرسى الذى حفظ له موال «حسن ونعيمة»، كما تعلم من الشيخ عبدالفتاح شلبى شيخ الزجالين، والشيخ إبراهيم سليمان، والفنان الششتاوى خاطر الذى حفظ على يديه موال «مسعد ووجيدة» الذى تحول فيلما سينمائيا فيما بعد من بطولة الفنانين فريد شوقى ومحمد عوض ومحمد رشدى بالإضافة إلى طه. موهبة محمد طه تجاوزت حلاوة صوته وجمعت بين فن التأليف والتلحين والغناء، لم يكن طه دارسا للموسيقى على أسس علمية ومنهجية فى معاهد الموسيقى، إلا أن عشقه للموسيقى وموهبته الفطرية وإحساسه وحبه الصادق لتعلم هذا الفن جعله من خيرة الفنانين، الذين لحنوا لأنفسهم مئات الأغانى والمواويل بل تفوق على بعض خبراء التلحين وأساتذة الموسيقى فى سرعة وضع الألحان الفورية على المسرح مباشرة. ويتميز موال محمد طه بالحكمة وحسن اللفظ، فكان بحكمته وأمثاله الذكية يستطيع أن يمس القلوب ويقترب من أحاسيس عشاقه مما يجعل المستمع يطرب إليه، كما برع فى استغلال الأمثال الشعبية الموروثة بمواويله ويقدمها فى ثوب جديد فيقول على سبيل المثال «لسانك حصانك إن صنته صانك». موال لكل مواطن محمد طه خاطب كثيرا من الفئات وتغنى لكثير من المناسبات فى مواويله فغنى للفلاح «إن أصلى فلاح ومزارع وخادم أرض»، وقال للمصريين الدارسين فى الخارج «يا طالب العلم يا اللى البلد بعتاك للخارج»، وفى مناسبة شم النسيم غنى طه موال «اطلع وشم النسيم ومعاك أحبابك»، وفى عيد الأم غنى «الأم بتقول القلب الحنون ابنى»، وموال آخر جمع بين الأم والأب قال فيه «الأم والأب بالمعروف راعيهم»، وغنى للكرامة فقال: «حفظ الكرامة شهامة والأصيل معروف»، كما غنى كثيرا من المواويل للعمال. على الأصل دور حرص طه فى الموسيقى أن يبحث عن الأصل فهو صاحب مقولة «على الأصل دور»، فقدم أغانيه على الآلات التى عرفت فى القدم مثل «المزمار والناى، والبوق»، وكون طه فرقة لهذه الآلات لتصاحبه وتؤدى الحانه التى تميز بها دون غيره من أبناء جيله، وذات مرة فى حفل بكازينو الأندلس قابل الجمهور محمد طه بالضحك بمجرد أن رأى آلة «الأرغول» لأنه لم يعتد على مشاهدتها من قبل، وكان من بين المطربين المشاركين فى هذا الحفل العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ومحمد رشدى ومحمد العزبى ونادية فهمى، ولكن بمجرد سماع موال محمد طه غير رأيه، وأعجب به لتقديمه الحكمة والأمثال فى قالب الموال. محمد طه ممثلا أحب محمد طه الأعمال الدرامية واشترك فى العديد من المسلسلات الإذاعية والتليفزيونية والأفلام والعروض المسرحية. فى السينما اشترك محمد طه فى أكثر من 30 فيلما منها: (ابن الحتة، بنات بحرى، أشجع رجل فى العالم، حسن ونعيمة، خلخال حبيبى، شقاوة رجال، دعاء الكروان، الزوج العازب، رحلة العجايب، نصف دستة مجانين). فى هذه الأفلام قدم محمد طه مواويل من تأليفه تناسب القصة التى يتناولها العمل الفنى، فمثلا فى فيلم «السفيرة عزيزة» اخراج حسن الصيفى كتب موالا بمناسبة خروج الجزار من السجن وعودته وسط زفة من الأهل والجيران بحى الجمالية تقول كلماته (يا معلم الكل ليلتك فل وزيادة). وفى فيلم «حسن ونعيمة» تغنى بموال (يا اللى زرعت الحب ليه تزرع فى قلبه مرار، وليه تخلى حلاوته للحبايب نار). وحسب أسرته كان الفيلم الوحيد الذى أنتجه محمد طه «6 بنات وعريس» من بطولة محمد رشدى ومحمد عوض، وأمين هنيدى، وأمال فريد وسهير زكى، وإخراج السيد زيادة. وفى مجال الدراما الإذاعية اشترك محمد طه فى عشرات المسلسلات التى حققت له شهرة واسعة، على رأسها مسلسل «مسعود ووجيدة». الدراما التليفزيونية أيضا لم تكن بعيدة عن محمد طه فقد شارك فى العديد من الأعمال، من بينها مسلسل «مذكرات المعلم شعبان»، الذى غنى فيه من ألحان الموسيقار سيد مكاوى. وعلى خشبة المسرح تميز أيضا محمد طه بقدرته الفائقة على التعبير طبقا لمتطلبات المواقف الدرامية فكان يتميز عن غيره من الفنانين الشعبيين بموهبة الارتجال الفورى. ومن بين المسرحيات التى شارك فيها (بين النهرين، جوز مراتى، الصفقة).