في حوالي ثلاثمائة وخمسين صفحة، قدم الكاتب والصحفي إبراهيم عبد العزيز لسيرة الروائي الكبير نجيب محفوظ، وعنوانها "أنا نجيب محفوظ" وصدرت عن دار نفرو للنشر والتوزيع، ومؤخرا أعلنت لجنة مكتبة الأسرة أنها ستعيد طبع هذا الكتاب ضمن مطبوعات هذا العام. صاغ عبد العزيز سيرة نجيب محفوظ، من خلال حوارات محفوظ الصحافية والإذاعية والتليفزيونية، وبدا وكأن محفوظ هو الذي يتحدث، ولم يتدخل المؤلف سوى في ربط الفقرات أو الجمل بعضها ببعض؛ ومن ثم اكتسب هذا الكتاب أهميته، لافتقاد المكتبة العربية لسيرة ذاتية لمحفوظ، حيث رفض أديب نوبل كتابة مذكراته الشخصية. تناول الكتاب حياة محفوظ منذ الطفولة، والمراهقة، والشباب، كتاباته الأولى، مواقفه السياسية، رؤيته في كثير من القضايا، علاقته بالسينما، علاقته بشخصيات عامة، الجائزة ومشاكلها، وصولا إلى علاقته الأسرية بابنتيه وزوجته. وتنشر "بوابة الوفد الإلكترونية " بعض المقولات المقتبسة من الكتاب، والتي جاءت على لسان نجيب محفوظ دون تدخل، عدا الإشارة إلى الموضوع الذي يتحدث عنه أديبنا الكبير.... (الطفولة) :"عندما أكون بمفردي في البيت لا أفكر إلا في أمور قديمة جدا في الطفولة والصبا والشباب"، "وقال الشيخ عبد ربه التائه: كان بيتنا عامرا بالأحباب، وذات يوم نزل بنا ضيف لم أره من قبل، وحرصا على راحته، أرسلني أبي لألعب بعيدا، ولما رجعت وجدت البيت خاليا، فلا أثر للضيف ولا للأحباب". (الشباب) :"وحامت أحلام صبانا وشبابنا حول الاستقلال والديمقراطية والنهضة بصفة عامة، أما الحرب فلم تخطر لنا على بال، أو تجري لنا في خاطر، كأنها قدر لا يجوز علينا، من عجب بعد ذلك، أنني شهدت وطني يخوض حروبا متلاحقة، لم يتهأ لفرد في جيل واحد أن يشهد نظيرها في كثرتها". (ناصر) :"ولقد تصديت لنقد الزعيم الراحل، من موقع الانتماء إلى ثورته، مقرا في الوقت ذاته بتراثه الثوري العظيم، وما تصورت فيه من نقص، فهو النقص الذي يلحق لسوء الحظ بكبار الرجال لا النقص الذي يقع فيه ضعاف النفوس ممن تغريهم الحياة الدنيا". (السادات) :"في نهاية 1967 وأوائل 1968 أدركت أن الحل للخروج من أزمة مصر بعد الهزيمة، هو العودة إلى الديموقراطية، والحوار، وإطلاق حرية تعدد الأحزاب، وأن نرضى بالحزب الذي يصل إلى السلطة عن طريق انتخابات حرة نزيهة حتى لو تفاوض مع إسرائيل، وأعلنت رأيي ذلك في مؤتمر دعيت إليه وزارة الثقافة، وقد كررت هذا الرأي في عهد السادات، وإني لأتخيله الساعة إلى جوار ربه، وكأنما يخاطب خصومه، مرددا قول الشاعر: فما أحمل الحقد القديم عليهم/ وليس رئيس القوم ممن يحمل الحقدا/ إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم/ وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا". (الكتابة) :"لم أكن لأصل إلى ما وصلت إليه لولا أن وطدت نفسي من البداية على أن الكتابة رسالة وعزاء، رسالة أوديها مهما تكن التضحيات كبيرة والمقابل صغير، وعزاء لأن كل ما يحزنني في هذا العالم تعزيني عنه الكتابة". (العمل) :"وتصور عمري ما زوغت ولا أخذت إجازة عارضة بدون وجه حق، ولا استأذنت قبل موعد الخروج الرسمي". (الأصدقاء) :"لا شيء يُعادل ساعات النقاش الملتهبة وسط الأصدقاء في شرفة مقهى على ضفاف النيل، أو على شاطئ البحر"، "ويذكر أحدهما الآخر بقول العزيز الراحل، ويتنهدان، ويتخيلان، أين وكيف ما حلا لهما التخيل، هل حقا عاش أولئك جميعا وتبادلوا المودة والأمل؟". (الحب) :"أنا لا أؤمن إلا بالحب الناضج، أي هذه الرغبة الملتهبة في الشخص الآخر، وهذا الحب يقوم على أساسين مهمين هما: الجاذبية الجنسية، والتوافق الروحي"، "وقال الشيخ عبد ربه التائه: قد تغيب الحبيبة عن الوجود، أما الحب فلا يغيب". (نوبل) :"إنني سعيد لأنني كسرت القاعدة التي تقضي بأن الحصول على أي شيء الآن، دع عنك هذه الجائزة، إنما يقتضي مسلكا خاصا يقوم على قاعدة انتهازية وعلاقات عامة، واتصالات دائمة بهنا وهناك، أنا لا أقول إنني وضعت قاعدة جديدة، أقول فقط إنني كسرت القاعدة السائدة، وقدمت درسا لكل الجادين والمجتهدين: إن الانصراف على العمل والعكوف عليه يمكن أن يؤدي حتى إلى جائزة نوبل". "وفي أعقاب إعلان الجائزة، تلقيت مكالمة خارجية من أخ عربي يسألني فيها عن شعوري بعد أن كرمني العالم ولم تكرمني أمتي!! وقد عجبت لذلك أشد العجب، فمهما تكن البداية، وهي لا يمكن أن تخلو من صعوبات وعوائق، فقد تلقيت بعد ذلك من التكريم ما يرضي القلب، وينعش الهمة، ويعين على مواجهة الشدائد". (الرحلة) :"أعتقد أن أي كاتب قد يؤلف ثلاثين أو أربعين عملا إبداعيا، ولكنه يتلخص في عمل أو اثنين أو ثلاثة، على أكثر تقدير، وبقية أعماله، إما أن تكون تمهيدا لأعماله الكبيرة أو تنويعات على لحن سابق". "ولو كنت أعلم علم اليقين بأنني سأمارس الكتابة في العالم الآخر، وأنجز ما لم أستطع إنجازه من أعمال، على الأقل سأرتاح نفسيا". يُذكر أن عبد العزيز كاتب متخصص في البحث عن الوثائق؛ حيث أصدر من قبل عدة مؤلفات تدور أغلبها حول وثائق وأسرار الشخصيات الأدبية الكبيرة، ومن إصداراته: الملف الشخصي لتوفيق الحكيم، رسائل يحيى حقي، أوراق مجهولة للدكتور طه حسين.