بعد الإطاحة بنظام صدام حسين ودخول الحلفاء إلى العراق ومباشرة ما سمي بمشروع “دمقرطة الشرق الأوسط” تم إطلاق قناة الحرة بتمويل من وزارة الخارجية الأميركية لتحل محل القناة العراقية الرسمية أو ما كان يعرف بالتلفزيون العراقي، وبعد الحرة امتلأ الفضاء العراقي بقنوات كلها تقريبا صبت في اتجاه واحد، وكما راجت ظاهرة القنوات المذهبية والطائفية والعرقية، راجت ايضا ظاهرة التشاتم والتكفير التلفزيوني، ثلاثة رجال أو أربعة لا يملون من تكفير بعضهم بعضا انطلاقاً من فكرة “الفرقة الناجية” فكل فريق يرى انه مالك الحقيقة الوحيد وهو الفرقة الناجية ومن عداه في النار !! لم يرد أحد إيقاف هذه الخطيئة الإعلامية، خطيئة الجشع الذي لا يتوقف عن تدمير الآخر والرغبة الملحة في سحقة لأنه مختلف، وخطيئة الغرور الذي صور للكثيرين أنهم يملكون مفاتيح العلم والمغفرة نيابة عن الله، لقد ظن موسى بأنه أعلم من على الأرض فأوحى الله له أن اذهب الى الرجل الصالح “الخضر” وتعلم منه، إن شهوة الانتقام لدى البعض كانت أساسا لهذا التبجح الذي يلفنا كظلام، كل هذه الخطايا لم يستطع أحد أن يوقفها، فانتشر وباء الشتائم والتكفير والتخوين وبعلانية مؤسساً لفكر إقصائي له رموزه وعقله الاداتي الابرز : الإعلام ! صار البعض ينظر لهذه القنوات كدليل على دخول العرب عصر الحرية وانهم بدأوا بالفعل طريق الديمقراطية بهذه العقليات وعبر امتلاك وتأسيس هذه القنوات التي تروج للكراهية بين أبناء الوطن ليل نهار، حتى صار التشدد والتطرف خطاً سياسياً متسيداً للأسف، فتكهربت الاوضاع والعلاقات، وصار السؤال : وماذا بعد ؟ وجاء هذا “البعد” عبر ثورات الياسمين التي نقلت تيارات الإسلام السياسي من وراء القضبان الى عضوية البرلمانات، ولو ان المسألة ظلت في اطار التنافس بالحجة والعقل لكان صعود الإسلام السياسي مقبولاً وفي اطار المشاركة المطلوبة، ولظل خلاف الليبراليين معه متوقعاً، ولدخل المجتمع العربي في بلاد الثورات مرحلة أخرى من مراحل البناء الممنهج للتجربة الديمقراطية السليمة التي إما ان تكون تربية اجتماعية وفق مؤسسات مقننة كما في الغرب ، واما ان تكون كما حصل في عالمنا العربي الذي نام على ديكتاتوريات شرسة، ليصحو على ثورات فلبت الدنيا على رؤوس العسكر، لكن التجربة للأسف انتهت الى خلاف وقتال وشتائم واتهامات بل وأكثر. الأكثر هو ما يحدث اليوم من صراخ وشتائم وتسفيه على الفضائيات، يقول أحدهم هؤلاء الذين يخرجون على الفضائيات ليسوا سوى الأسوأ، لكن الواقع يضج بنماذج أخرى عقلانية ومنفتحة على الاخر، إذن كيف يتم السماح لمثل هؤلاء بالظهور والحديث باسم فصيل سياسي يحتل اليوم واجهة الاحداث ومقدمة النتائج وسيحكم البرلمان بعد زمن قصير، ما هي الرسالة التي يريد الاعلام أو من يوجه الاعلام ان يوصلها للناس بالضبط؟ أن يخافوا ؟ أو يقلقوا على حرياتهم في ظل حكم الإسلاميين ؟ أن يهجروا البلد ؟ ان يكرهوا بعضهم ويتشاتموا ولا يثقوا في المستقبل؟ ام أن هناك هدفاً أكبر من ذلك ؟ كأن نقول ليت أيام الطغاة تعود لنخبرهم بما فعلت الثورات ؟ كما قال العراقيون ولا زالوا ليت أيام صدام تعود ؟ هناك جهد حثيث لتمرير فكرة التنفير من التغيير، وكراهية الثورات لأنها لا تجلب سوى الكوارث!! نقلا عن صحيفة الإتحاد الإماراتية