لا أحد يعلم ما تخبئه له الأقدار ولكن فى مصر كل تلميذ يذهب لتلقى العلم فى إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم أصبح معلومًا.. وهو ما جعل أولياء الأمور يضعون أيديهم على قلوبهم مع كل يوم يخرج فيه فلذات أكبادهم لمصائرهم فى المدرسة داعين الله عودتهم سالمين. ولما لا وحوادث موت التلاميذ فى المدارس متكررة ومتعددة ما بين سقوط تلميذ فى بالوعة صرف، أو ذبح آخر بسقوط زجاج نافذة مكسورة على رقبته أو وقوعه تحت البوابة الحديدية للمدرسة، أو تدهسه عجلات سيارة التغذية المدرسية، أو أتوبيس المدرسة. وهناك أيضًا من يصعقهم سلك كهرباء مكشوف أو احترق جراء سقوط برميل مازوت عليه تركه مقاول الإنشاءات أو الموت بسبب سقوط شجرة أو نخلة عليه ومؤخرًا بالضرب المبرح من المدرس الذى أفضى لموت طفل تلميذ لا حول له ولا قوة.. وهكذا تحولت مدارس التربية والتعليم إلى مصائد ومقابر جماعية لتلاميذ يذهبون لتلقى دروسهم دون أن يعلموا أنه ذهاب بلا عودة.. ويوم دراسى سيكون آخر لحظات عمرهم الغض. ومع قرب بداية العام الدراسى الجديد تتجدد الآلام ومخاوف أولياء الأمور من العرض المستمر لموت أبنائهم التلاميذ فى مقابر وزارة التربية والتعليم المسماة بالمدارس الحكومية على وجه الخصوص.. والذى يبدو أن عدواها انتقلت مؤخرًا لبعض المدارس الخاصة، والذى قد يعتبره البعض قدرًا لا يمكن منع حدوثه.. ولكنه دائمًا ما يكون فى مدارسنا بسبب إهمال الصيانة وانعدام الرقابة وضعف المحاسبة.. أولياء الأمور والتلاميذ الخائفون من الذهاب إلى المدرسة حتى لا يلقوا مصائر من سبقوهم.. يتمنون على الله أن يكون مسئولو «التعليم» وعوا الدرس وأدوا واجباتهم ومسئوليتهم تجاه حماية التلاميذ والطلاب.. الأيام المقبلة فقط هى من ستجيب عن هذا التساؤل! منذ سنوات وحوادث التلاميذ ووقوعهم صرعى داخل المدارس لأسباب عديدة ومتكررة.. ورغم حجم تلك الفاجعة وتأثيرها على أولياء الأمور والتلاميذ الذين كتب لهم الله النجاة ولم يلقوا نفس مصائر زملائهم.. وتصريحات وزراء التربية والتعليم تكاد تكون متكررة باتخاذ الإجراءات القانونية لاستعادة حق التلميذ المتوفى أو الذى أصيب بعاهة.. وأنه سيتم عقاب المتسببين فى الإهمال الجسيم الذى أودى بحياة هؤلاء الضحايا. تصريحات وتعهدات لم تمنع استمرار تلك الكوارث وسقوط ضحايا جدد بما يؤكد عدم صيانة جميع الأبنية التعليمية، خصوصا أن هناك مدارس مثبتاً بها حجم المخاطر المحيطة بتلاميذها بسبب مبانيها وأسوارها.. تلك التى سبق وأكدت هيئة الأبنية بشأنها فيما سبق وجود 694 سور مدرسة يحتاج إلى صيانة وتجديد ولم تنجز سوى 3 أسوار، وبما يعنى وجود 691 سورًا من المنتظر سقوطها واحدًا تلو الآخر.. وهو ما أكدته تصريحات لعبدالناصر إسماعيل، رئيس اتحاد المعلمين المصريين، كوارث تتكرر ودفاع غير مباشر عن هيئة الأبنية التعليمية يتجلى فى تصريحات لمحمود أبوالنصر وزير التعليم السابق بأن موازنة الهيئة تكفى بالكاد لبناء 300 مدرسة فقط.. وهو ذاته الذى أكد وجود لجنة مراجعة صلاحية المدارس مكونة من عدة جهات على رأسها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وتضم اتحاد المقاولين وكليات الهندسة وآخرين، ومع ذلك لا يزال مسلسل جرائم وزارة التربية والتعليم تجاه من يسقط من التلاميذ داخل المدارس الحكومية «عرضًا مستمرًا» للآن.. وجميعها جرائم تقع مسئوليتها بدءًا من عامل المرافق والحارس وحتى وزير التربية والتعليم ونهاية برئيس الحكومة لاختياره وزراء وقيادات لا يراعون الله فى رعاياهم، بل دائمًا يحاولون البحث عن كبش فداء لأخطائهم.. تساعدهم فى ذلك عقوبة ضعيفة وهزيلة وغير رادعة يبدو أنها السبب الرئيسى فى تكرار موت التلاميذ فى المدارس، وهى وقائع زادت حدتها وعددها بشكل غير مسبوق خلال العامين الماضيين.. فمن محمود أبوالنصر إلى الهلالى الشربينى وزير التربية والتعليم الحالى.. الوضع كما هو، بل أسوأ مما كان، فالإهمال والفوضى والبلطجة.. أصبح شعار مدارس الحكومة بعد ثورتين كنا نظن معهما أن الحال يتبدل! عقوبة.. ولكن تنص المادة 238 من قانون العقوبات على أن من تسبب خطأ فى موت شخص آخر، إذا كان الخطأ ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم مراعاته القوانين والأنظمة واللوائح يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 شهور وغرامة لا تتجاوز 200 جنيه، أو الاثنين معًا وتكون العقوبة مدة لا تقل عن عام ولا تزيد على 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تتجاوز 500 جنيه أو بإحدى العقوبتين.. وفى حالات أخرى إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجانى إخلالا جسيمًا بما تفرضه أصول وظيفته أو مهنته تكون مدة الحبس لا تقل عن عام ولا تزيد على 7 سنوات إذا نتج عن العمل إصابة 7 أشخاص وقد تصل ل 10 أعوام فى ظروف أخرى وردت بالقانون. وقانون العقوبات المصرى الصادر فى 1937 بحسب المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق، قد عفا عليه الزمن، وجرائم وزارة التربية والتعليم تجاه تلاميذ المدارس والتى أصبحت متكررة وترقى إلى اعتبارها ظاهرة عامًا بعد الآخر، تستلزم تغليظ عقوبة الإهمال لتكون رادعة لجميع أشكال الإهمال والمستحدثة على وجه الخصوص. فالإهمال الجسيم الذى يودى بأرواح الناس يستدعى فورًا تغليظ العقوبة لأن خطورة الإهمال فى هذا الزمن تفوق نتائجه الإهمال فى الزمن الماضى بمراحل بما يتطلب أيضًا وبالتوازى إعادة النظر فى الهياكل الوظيفية وتثقيف العاملين منعًا للوقوع فى الخطأ أو الإهمال من خلال نظام إدارى محكم فى الخدمات والمرافق العامة والانضباط والمتابعة والإشراف المستمر على العاملين وهو ما يستدعى حقًا ودون تراخٍ أو تهاون تشديد العقاب على المخطئ وعدم الاكتفاء بما قد تدفعه الحكومة من تعويض تجاه زهقها لأرواح التلاميذ الذى أصبح متكررًا فى مدارس الحكومة وقد تلحق به فى القريب العاجل المدارس الخاصة بعد تكرار دهس التلاميذ بعجلات أتوبيس المدرسة! أمراض نفسية الحوادث المتكررة داخل المدارس وخارجها من الموت غرقًا أو دهسًا وحتى من خطف وتسمم، جميعها جرائم تأثيرها النفسى والمعنوى كبير وخطير، على نفوس باقى التلاميذ والصغار على وجه الخصوص - بحسب كلام الدكتور سعيد عبدالعظيم، أستاذ علم النفس - مرجعًا ذلك لكل ما يرونه من مظاهر الخطر لزملائهم القتلى أو الغرقى أو حتى المخطوفين بما يؤدى إلى ألم نفسى وانتشار للحزن ينعكس على تحصيلهم الدراسى ويؤدى لانتشار التوتر فى محيط الأسرة وإصابة التلاميذ الصغار بالعديد من الأمراض النفسية، خصوصًا مع انعدام ثقافة تدريب أبنائنا على مواجهة الأحداث والكوارث المتبع فى الدول المتقدمة، إلى جانب الصيانة الدورية للمدارس هناك ودون الحاجة لسقوط ضحايا حتى يفوق المسئولون من سباتهم وهم فى مصر فى سبات عميق ومستمر! وتبقى كلمة فى مصر يبدو أن القوانين حبر على ورق ولم تعد رادعًا لأحد.. فمثلاً لم يكن يمر يوم خلال العام الدراسى إلا وسمعنا أن مدرسًا ضرب تلميذًا ضربًا مبرحًا أدى إلى كسر ذراعه، أو إحداث نزيف أو حتى قتل أو فقء عين آخر لمجرد رغبة المدرس فى استعادة هيبته أو عدم انصياع التلاميذ لابتزازه وهو ما يحول جيلاً بأكمله إلى مجرمين وبلطجية. فالضرب كما يؤكد خبراء علم النفس والاجتماع يخلق كراهية لدى التلميذ ليس تجاه أساتذة بل تجاه المجتمع ولما لا وقد تولد العنف بداخله الذى يترجم إلى أمراض نفسية خطيرة.. كل ذلك رغم وجود قوانين لم تعد رادعة تمنع المعلمين من الاعتداء الصارخ على التلاميذ، كالقرار رقم 591 لسنة 98 الذى يحظر إيذاء الطالب بدنيًا بالضرب وكذلك القرار رقم 12 لسنة 96 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 الذى ينص على مراعاة واجبات وحقوق مسئولى رعاية الطفل وحقهم فى التأديب المباح شرعًا ويحظر تعرض الطفل لأى إيذاء بدنى ضار أو ممارسة ضارة أو غير مشروعة! إذًا المشكلة ليست فى القوانين أو حتى فى ضعف العقوبة وإنما فى القائمين على تنفيذ القانون الذين يحمون المخطئ والمهمل ويحولون القوانين لمجرد حبر على ورق!