تحويل أرصدة المدارس الرسمية الدولية لإحدى شركات التطوير التعليمي لإدارتها    نقيب المهندسين ومحافظ الأقصر يشهدان توقيع بروتوكول مشترك    القمزي العقارية تستحوذ على 95 فداناً في مستقبل سيتي التابعة لشركة "ميدار" بإستثمارات 50 مليار جنيه    أسعار اللحوم والدواجن الطازجة والمجمدة فى منافذ وزارة التموين    أسعار الذهب تعاود الارتفاع وعيار 21 يسجل 5800 جنيه بالتعاملات المسائية    «مصرية» على طريق ممدانى!!    ضياء رشوان: محاولات تسييس صفقة الغاز تأتي من الجانب الإسرائيلي    بيلاروسيا تعلن نشر صاروخ أوريشنيك الروسى الفرط صوتى على أراضيها    تفاصيل جلسة أحمد عبد الرؤوف مع لاعبي الزمالك على هامش مران اليوم    الخطيب: التتويج ببطولة إفريقيا لسيدات السلة دافع قوي للاستمرار على القمة    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب تروسيكل فى مدينة 6 أكتوبر    الداخلية تضبط شخص لتوزيعه أموالا بمحيط لجان القنطرة غرب    أين قانون حماية اللغة العربية؟    ندوة نقدية تناقش ثلاث تجارب سينمائية شابة ضمن مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    نقيب الممثلين يكشف حقيقة إصابة محيي إسماعيل بجلطة فى المخ    فن صناعة الشعر.. ورشة فى الكتابة الإبداعية بجازان    نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب في السودان    نازك أبو زيد: الفاشر وكادوقلي والدلنج على شفا المجاعة بسبب الحصار    الجيزة: غلق جزئي بمحور أحمد عرابي أعلى محور الفريق كمال عامر غدا الجمعة    جدول امتحانات الفصل الدراسى الأول لطلاب النقل والشهادة الإعدادية بالجيزة .. اعرف التفاصيل    أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»    وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج    الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة    رسميا.. الدوحة تستضيف نهائي «فيناليسيما» بين إسبانيا والأرجنتين    إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية    نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟ أمين الفتوى يجيب    أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر    الداخلية تضبط مطبعة غير مرخصة بالقاهرة    قطر تستضيف مباراة إسبانيا والأرجنتين فى بطولة فيناليسيما 2026    صوتي أمانة.. "غازي" عنده 60 سنة ونازل ينتخب بكفر الشيخ: شاركت أنا وعيلتي كلها| صور    الأرصاد: تغيرات مفاجئة فى حالة الطقس غدا والصغرى تصل 10 درجات ببعض المناطق    جولة الإعادة بالسويس.. منافسة بين مستقلين وأحزاب وسط تنوع سلوك الناخبين وانتظام اللجان    الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    "هى" تتصدر المشهد الانتخابى فى اليوم الثانى لانتخابات النواب بحدائق القبة    الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق    هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام    ضبط شخصين يوزعان كروت دعائية وأموال على ناخبين بأجا في الدقهلية    الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية    الرعاية الصحية: مستشفى الكبد والجهاز الهضمي قدّم 27 ألف خدمة منذ بدء تشغيل التأمين الصحي الشامل    عمرو طلعت يفتتح مقر مركز مراقبة الطيف الترددي التابع لتنظيم الاتصالات    جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب    تكربم 120 طالبا من حفظة القرآن بمدرسة الحاج حداد الثانوية المشتركة بسوهاج    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات    الداخلية تضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متنوعة خلال 24 ساعة    صحة المنيا: تقديم أكثر من 136 ألف خدمة صحية وإجراء 996 عملية جراحية خلال نوفمبر الماضي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025    ڤاليو تنجح في إتمام الإصدار العشرين لسندات توريق ب1.1 مليار جنيه    تشكيل نابولي المتوقع أمام ميلان في كأس السوبر الإيطالي    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليس بالانتحار تحيا الشعوب
نشر في الوفد يوم 24 - 01 - 2011

" القروي الفصيح ".. فلاح بسيط دبر له موظف فاسد لدى الوزيرالأول للفرعون حيلة لاغتصاب قافلته. الفلاح لم يلجأ للانتحار بل لجأ لتنظيم بردياته التسع التي حملت تظلمه للوزير،
حتى حينما ضُرب لم يشعر بالخوف بل قال للوزير: "لا تكن ظالما طالما أنت القوي، حتى لا تصيبك الدوائر يوما ما".. " لا تسلب فقيرا ولا ضعيفا ما يمتلكه، فما يمتلكه الفقير فيه حياته ومن يأخذه منه فهو يخنقه.."
ويذهب الوزير إلى الفرعون.. ويعرض عليه لفائف البردى، فيصدر حكما يقضي بمعاقبة الموظف الجشع ونقل ملكية ضيعته إلى الفلاح فضلا عن إعادة حاصلاته وحميره إليه.
لم يكن القروي الفصيح ،الذي يعد رمزا للعدالة إلى يومنا هذا، هو النموذج الوحيد في تاريخ مصر القديم الدال على أن الانسحاب ليس هو الحل، فبتتبع مراحل التاريخ المصري لن نجد مطلقا أن الانتحار كان سبيلا لنيل حق مسلوب في أي عصر من العصور وأن الانسحاب عن الحياة هو الوسيلة للتخلص مما عانته الشعوب من قهر وظلم واستبداد .
فرعون أرحم
"التاريخ يعيد نفسه" .. بهذه العبارة تشير د. نور جلال ،مدرس الآثار المصرية القديمة، إلى أن أول ثورة اجتماعية في تاريخ مصر حدثت في عصر الانتقال الأول في التاريخ الفرعوني، وكانت نتيجة لسوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وتردي أحوال الناس في عهد الملك "بيبي الثاني"، لافتة إلى أن مجتمع قدماء المصريين لم يكن ديمقراطيا، بل كان من الصعب أن يعبر الناس عن آرائهم وعن أنفسهم، ورغم ذلك كان المصري القديم يقف وقفات احتجاج واعتصام مناديا بحقه ومنددا بأي ظلم يلحق به. صحيح نجده في بعض البرديات يحسد الموتى ويتمنى الموت، إلا أنه كان يعرف جيدا قيمة الحياة ويقدسها.
وتشير نور إلى عصر الدولة الفرعونية الحديثة وما حدثت به من مجاعات بسبب عدم تقاضي عمال نحت المقابر الملكية لمستحقاتهم العينية ومع ذلك لم يفكروا أبدا في الانتحار وإنما ذهبوا وتظاهروا أمام المعبد منادين "لايوجد لدينا سمن وقمح".
وتذكر أيضا حالة الفقر الشديد التي عانى منها المجتمع في عصر رمسيس التاسع والتي أدت لكثرة السرقات وضعفت الرواتب إلى أن انقطعت، مما أدى إلى اعتصام المصريين أمام معبد مدينة هابو، حتى صُرفت لهم جزء من مستحقاتهم بعد أن وصل الأمر إلى فرعون.
مسلسل القهر مستمر
وفي إشارة لمسلسل القهر الذي يتعرض له المواطن المصري عبر العصور يقول د. حجاج إبراهيم ،رئيس أقسام الآثار والسياحة بجامعة طنطا: للقهر الاجتماعي مسلسل مستمر عبر العصور.. كانت الإضرابات هي القاسم المشترك بينها ولم نسمع عن انتحار أو ازهاق روح لرفع ظلم، فهذا الضعف الذي ظهر مؤخرا لا يعبر بأي حال من الأحوال عن ديانة أو حضارة تستمد قوتها وبقاءها من قوة الإيمان بالله عز وجل.
ومؤكدا على أن شعب مصر مسالم من الدرجة الأولى ولم يعرف الدم على مر التاريخ، يوضح أن أدوات مطالبته بحقوقه كانت لا تتعدى الوقفات والاعتصامات والعبارات الرنانة، وأنها كانت تحقق النتائج المرجوة، مذكرا بأيام الناصر "محمد بن قلاوون " الذي أمر بعزل القاضي الذي ارتشى ابنه قائلا: لو أحسنت تربيته ماقبل الرشوة، وذلك بعد أن قام الشعب باضرابات نتيجة قلة الرواتب وكثرة الالتزامات، فأمر الناصر قلاوون الأمير "سنقر الثاني" بطرد المسئولين عن أسباب الفتنة وسجنهم ولم يسجن الشعب، وفي عهد "محمد علي باشا" سنة 1805 حينما أراد التخلص من "البرديسي" وأتباعه، دفعه لزيادة الضرائب فتظاهر الشعب قائلا: إيش تاخذ من تفليسي يا برديسي ".
غياب ثقافة المواجهة
ويرفض محمود أمين مستشار العلاقات الأسرية ماقامت به بعض الحالات من محاولة للانتحار ويصفه بعدم الإيجابية في التصدي للضغوط والحصول على الحقوق وأنه للأسف نتيجة حتمية للأنظمة الفاشلة التي أدت بشعوبها لهذه الحالة.
ويؤكد أن ظاهرة العنف التي ظهرت مؤخرا على المجتمع وعلى النفس ليست تقليدا متعمدا لما حدث في تونس وإنما هي حالة ناتجة عن غياب ثقافة المواجهة وتعبر عن قهر داخلي لأناس حالتهم النفسية كانت في أدنى حالاتها، واصفا الانتحار والتكسير والغضب غير الممنهج بالسلبية المفرطة في التعبيرعن الرأي.
وينبه إلى أننا نواجه عدة مشكلات اجتماعية أهمها ظاهرة توحش المجتمع، التي أفرزت فئات جديدة سيئة التعليم حصلت على أموال بطرق غير مشروعة بالاستعانة بسلطات غير مؤتمنة، مما أدي إلى مزيد من الفروق الاجتماعية التي قادت إلى هذه الحالة من التردي النفسي وأنه على الأنظمة أن تحافظ على ما تبقى لها من وقار بالنزول للمواطن والاستماع له، لا تستمد سيطرتها من قهر عسكري أو من عطايا كما حدث في إحدى الدول العربية حينما أمر أميرها بصرف 1000 دينار للشعب تحت أي مسمى بعد انتحار الشاب التونسي، مؤكدا أن مكمن الخطورة في تعامل الأنظمة بأسلوبها الخاطئ مع الشعوب، فتدفع الناس لحلول سلبية كالانتحار أو التعاون مع الأعداء لرفع الظلم عن بلادهم، أو تمني الرجوع لعصر الاحتلال لحل مشكلاتنا.
ويرجع أمين هذه السلبية لعاملين الأول: بعد المجتمع عن الوازع الديني سواء كان إسلاميا أومسيحيا، حتى أصبح الناس يتساهلون في القيام بأشياء كانت بعيدة كل البعد عن التطبيق في الماضي. والعامل الثاني أننا وصلنا لحالة من الضعف وقلة العلم والثقافة، مما أدى إلى ظهور حالات سلبية في مواجهة المشكلات فاتجه البعض للطلاق، أو الهجرة، وأخيرا الانتحار.
تربية مدنية
من جانبه صرح الدكتور نبيل عيد الزهار، أستاذ علم النفس ومدير مركز تطوير التعليم الجامعي بجامعة قناة السويس، أن إخراج جيل إيجابي قادر على المواجهة يتطلب إعداد برامج تعليمية في إطار ما يسمى بالتربية المدنية أو تربية المواطنة وذلك لتكوين وإعداد مواطن صالح متفهم لحقوقه الدستورية، قائم بواجباته نحو ذاته والوطن والآخر، محافظ على القانون ومشارك في كافة قضايا المجتمع مشاركة فعالة، وهذه البرامج موجودة في بعض دول أوروبا، ولبنان، وجنوب أفريقيا، كما قمت بانشائها في جامعة السويس إلا أن الأمر لم يتم لتركي للجامعة.
ويضيف الزهار: يتم إعداد هذه البرامج في إطار قواعد يقوم بها متخصصون، ويشارك الأستاذ الجامعي في تنفيذها، ثم تحول إلى آليات ومشروعات يقوم بها الطلاب، على أن تتضمن موادها التنشئة الديمقراطية للطالب بحيث يستطيع التواصل مع الآخر.
ويرى نهاد رجب ،أول مدرب عربي لتقنيات الإيحاء والتأثير النفسي بالتنويم الضمني، أن الفكرة الرئيسية وراء أحداث الانتحار الأخيرة أن أغلبنا يحاول تقليد فكرة عن قناعة بأن أي شيء قام به غيرنا نستطيع القيام به، وهذا هو الوتر الحساس الذي يجيد النصابون اللعب عليه حينما يقنعون فريستهم بالإيحاء أنها تستطيع تحقيق المكاسب المادية التي حققها آخرون إذا اتبعوا نصائحهم. وهذا بالضبط ماحدث مؤخرا، فبعد انتحار الشاب التونسي وثورة الياسمين وبعده أربعة شباب بالجزائر وحالتان في مصر. نجد وزير التربية والتعليم يتراجع عن قراره الأخير بشأن حركات النقل التعسفية، مما أكد للناس أن الانتحار يحل المشكلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.