فى مثل هذا الوقت من كل عام يتجه ملايين المصريين إلى الجزارين والسلخانات لإحياء «سنة الذبح»، هكذا كان هي الحال خلال السنوات الماضية، حيث كانت تنتعش مدابغ مصر بجلود 5 ملايين ذبيحة، إلا أن هذا العام اختلف الأمر تماماً وطارت من الدباغين «عيدية» هذا العام بسبب انخفاض عدد الذبائح على مستوى مصر بسبب الارتفاع الجنونى للأسعار. كما قالوا ل«الوفد» عيد اسود فكل المؤشرات تؤكد أن الداخل لمدابغ مصر هذا العام يقل عن نصف كمية العام الماضى والسبب إحجام ملايين المصريين عن الذبح، بعد أن التهمت الأسعار أى فائض فى ميزانية الأسرة، وأقل سعر للأضحية بلغ 3000 جنيه.. وكان من الطبيعى وفى ظل هذه الحالة التى يعيشها المصريون أن ينعكس هذا الإحجام على حال مدابغ مصر، فالورشة التى كانت تستقبل أكثر من 3000 آلاف قطعة جلد فى تلك الأيام لم تعد تستقبل أكثر من 100 جلدة، وبلغ سعر الفرو الضانى 10 جنيهات، فى حين كان يباع بمبلغ 80 جنيهاً العام الماضى.. ولم يعد «الدباغ» و«السلات» وغيرهم من العاملين بالمدابغ يجدون قوت يومهم وليس أمامهم سبيل إلا انتظار قطعة من الجلد لدباغتها، ففى عيد الأضحى الماضى لا يعرفون طعم الراحة أما الآن فقد فقدوا الأمل وفرحة العيد، وكما أكدوا ل«الوفد».. لا جلود ولا عيدية. فى سور مجرى العيون نزلت دموع الدباغين بعد أن تغيرت أحوال المدابغ، واختفت الجلود دفعة واحدة فعيد الأضحى لم يمر بجوار أسوارها، فأصابها الركود وتحولت فرحة العيد إلى حزن كبير، فبعد أن ارتفعت أسعار اللحوم واختفت عادة الذبح عن المواطنين، تأثرت أعداد الجلود بورش الدباغة بنسبة 60%. هنا فى سور مجرى العيون وزقاق السلطان والحارة الكبيرة وغيرها من أماكن اشتهرت بالدباغة يعمل أكثر من خمسة آلاف عامل موزعين على 550 ورشة ومصنعاً صغيراً، يزيد عمرها على مائة عام، أغلب العاملين بها توارثوها عن آبائهم.. فى مثل ذلك التوقيت وتحديداً فى عيد الأضحى كانت تنتعش تجارة الجلود، حيث يعتبرها العاملون سكان منطقة مصر القديمة موسماً لجنى الأموال من شراء جلود الأضاحى وفراء الأغنام وبيعها.. الآن تلك الصناعة تسير على طريق الانقراض بسبب كثرة مشاكلها، فهذا العام ارتفعت أسعار الأضاحى بصورة كبيرة، بالإضافة إلى أسعار المواد الكيماوية التى زادت على العام الماضى بنسبة 100% لارتفاع سعر الدولار والأزمة لا تقف عند ذلك الحد، فالدولة هى الأخرى خنجر فى ظهر أصحاب المهنة بعد أن ساهمت فى ترك العديد المهنة بسبب قرار نقل المدابغ إلى منطقة «الروبيكى» بين مدينتى بدر والعاشر من رمضان. رغم أن صناعة الجلود تعد أحد المصادر المهمة لزيادة الدخل الأجنبى من الخارج كصناعة السيراميك والرخام والكريستال.. فهى اليوم وكما أكد الصناع تحولت إلى «محنة». شوارع المدابغ شوارع ضيقة تملأها مياه الصرف الصحى، ورش ومبانٍ سكنية متلاصقة إلى جوار بعضها، تتجمع أمامها مخلفات الجلود والمواد الكيميائية وتفوح من شوارعها رائحة الأمونيا وروث الحيوانات، عمالها يتجولون بين الورش بملابس رثة يتصببون عرقاً تفوح من ملابسهم رائحة المواد الكيميائية، أما وسيلة النقل داخل المدابغ فهى العربات الكارو، اليوم مع الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الأضاحى انخفضت نسبة الجلود إلى أكثر من 60% عن العام الماضى. ياسر سيد صاحب أحد مصانع الدباغةأكد أن نسبة الذبح هذا العام انخفضت عن العام السابق، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الجلود هذا العام لقلة المعروض، حيث بلغ سعر الجلد البقرى 40 قدماً 450 جنيهاً فى حيث كان يباع قبل عامين ب150 جنيهاً، وارتفع سعر الجلد الضانى إلى 30 جنيهاً فى حين كان يباع ب 10 جنيهات والسبب الآخر هو ابتعاد الكثيرين من أصحاب الورش والعمال عن التصنيع بسبب الخسائر التى يتكبدونها. وأشار ياسر إلى أن قرار الحكومة بنقل المدابغ إلى منطقة الروبيكى جعل أصحاب الورش والمعتمدين على القروض يتركون المهنة، حيث امتنع رجال الأعمال والمساهمون فى تقديم القروض عن منح أصحاب الورش لتخوفهم من مصير تلك الورش بعد نقلهم إلى الروبيكى. ويكمل ياسر أن السبب وراء امتناع العمال عن الانتقال إلى منطقة الروبيكى هو أن أغلب العاملين فى مهنة الجلود، سكان مناطق قريبة كالسيدة زينب ودار السلام، أكثر من 5 آلاف عامل تم نقل مهنتهم إلى هناك سيتركون المهنة لأن تكاليف المواصلات باهظة، هذا بالإضافة إلى عدم وجود شقق للعمال ليسكنوا بها، حيث صرحت الحكومة السابقة بأن الورشة بمساحة 50 متراً ستحصل على 3 شقق فى حين أن الورشة الخاصة بى مساحتها 150 متراً أى سأحصل على 9 شقق ولدى 16 عاملاً، وحتى إن تمت الموافقة فأين المدارس والمستشفيات، خاصة وأن عمال المدابغ معرضون للإصابة بسبب الحروق من المواد الكيميائية. الحى والغرفة التجارية مجدى إبراهيم تحدث بكلمات مؤلمة: «نحن على أعتاب الخراب» وحالنا يسير من سيئ إلى أسوأ فكل عام نعتقد أن الأمور ستتحسن ولكنها تسوء بشدة، فارتفاع أسعار الذبائح سبب رئيسى فى انخفاض أعداد الجلود، فأحد تجار تربية المواشى كان يمتلك 650 رأساً من الأغنام باع منها 50 فقط، والدولة بدلاً من أن تساهم فى تحسين المدابغ وتطويرها لجأت إلى نقلها وادعت أن السبب فى ذلك اقترابها من مستشفى سرطان الأطفال فنحن ندفع ثمن قرار خاطئ بإنشاء المستشفى فى وسط المدابح وبجوار المدابغ. ويكمل مجدى أن نقل المدابغ إلى الروبيكى أمر مستحيل لعدة أسباب أولاً العنابر هناك لا تصلح لأعمال الدباغة حيث إن الأسقف هناك عبارة عن حديد يتسبب فى ارتفاع الحرارة وهو ما يؤثر على الجلود، الجانب الآخر هو افتقاد عنصر الأمان، حيث إن العرب المتواجدين هناك يطلبون إتاوة من أصحاب الورش، الأمر الأخير عدم وجود مستشفى أو نقطة مطافئ، فنحن هنا فى المدابغ حينما يصاب عامل ونذهب به إلى مستشفى المقطم القريب والذى يخضع العمال إلى تأمين صحى تابع له يرفض استلامه». والسبب الأكثر أهمية فى خسائر المدابغ هو عملية الاحتكار حيث يحتكر «م.ى» المواد الكيميائية وكل ساعة المواد بسعر والسبب الدولار، حيث أكد أن ذلك الشخص مسئول عن ارتفاع أسعار الجلود بصورة كبيرة جداً، حيث كانت مادة الكروم تباع العام الماضى بسعر 215 جنيهاً والآن وصل سعرها إلى 365 جنيهاً». خضر محمد أمام أسوار مجرى العيون جالساً على كرسيه أمامه فرو حديث الذبح.. وما أن سألناه عن حال الدباغين قال ساخراً: سواد فى سواد.. الحال واقف والدبح قل كتير، قبل عيد الأضحى وأثناء أيام العيد كنت أجمع ما يقارب من 3000 قطعة جلد الآن لم أستطع الحصول على 300 قطعة، وذلك لأن أغلب الناس التى كانت تضحى لجأت لشراء اللحوم من الجزارين لارتفاع أسعار اللحوم الضانى، والتى وصلت إلى 45 جنيهاً للقائم. إقرأ ايضاً .. بالفيديو والصور.. مدابغ مجرى العيون.. خلية عمل خلف أسوار العاصمة عمال المدابغ.. لا «فلوس» ولا تأمين صحي