مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    الداخلية تكشف لغز جثث أطفال الهرم.. وتضبط المتهم    ماس كهربائى وراء حريق مصنع ملابس بشبين القناطر.. والحماية المدنية تسيطر    الطب الشرعي يحسم الجدل: «قاتل المنشار» بكامل قواه العقلية    عاجل - تحديثات الذهب مع بداية الأسبوع.. أسعار المعدن النفيس في مصر اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    أسعار طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    سعر الدولار اليوم الاثنين 27102025 بمحافظة الشرقية    اسعار الحديد فى الشرقية اليوم الأثنين 27102025    روسيا: تدمير 6 طائرات مسيرة أوكرانية كانت متجهة إلى موسكو    بعد سيطرة الدعم السريع.. الأمم المتحدة تطالب بتوفير ممر آمن للمدنيين في الفاشر    إسرائيل تؤكد أنها من يقرر مسار الأمور في غزة رغم الهدنة    فنزويلا تدين "الاستفزاز العسكري" لترينيداد وتوباغو وتتهمها بالتنسيق مع CIA    اتفاق اللحظة الحرجة.. واشنطن وبكين تقتربان من تهدئة حرب التجارة عبر المعادن النادرة و"تيك توك"    لافروف: مبادرة عقد قمة روسية أمريكية ما زالت قائمة لكنها تحتاج إلى تحضير جيد    فرنسا وبريطانيا تزودان أوكرانيا بدفعة جديدة من الأسلحة    رئيس غزل المحلة: الأهلي تواصل معنا لضم ثلاثي الفريق الأول    مصدر مقرب من علي ماهر ل في الجول: المدرب تلقى عرضا من الاتحاد الليبي    مواعيد مباريات اليوم فى الدورى المصرى    بهدف قاتل ومباغت.. التأمين الإثيوبي يفرض التعادل على بيراميدز بالدور التمهيدي من دوري الأبطال    الزمالك مهدد بالاستبعاد من بطولات إفريقيا لكرة اليد.. الغندور يكشف التفاصيل    "البلتاجي "على كرسي متحرك بمعتقل بدر 3 ..سر عداء السفاح السيسى لأيقونة يناير وفارس " رابعة"؟    «عائلات تحت القبة».. مقاعد برلمانية ب«الوراثة»    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    الداخلية تضبط شخصين روجا شائعات وأكاذيب تحريضية بواقعة المنيا    حالة الطقس في أسيوط الإثنين 27102025    العشق القاتل.. اعترافات المتهم بإنهاء حياة عشيقته وأطفالها الثلاثة في الهرم    عمرو أديب: موقع مصر كان وبالا عليها على مدى التاريخ.. اليونان عندها عمودين وبتجذب 35 مليون سائح    ريهام عبد الغفور تطرح بوستر مسلسلها الجديد «سنجل ماذر فاذر»    أكاديمية الفنون تُكرّم اسم الفنان السيد بدير بإعادة عرض «عائلة سعيدة جدًا»    بكلمات مؤثرة.. فريدة سيف النصر تنعي شقيقها    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    احذري، كثرة تناول طفلك للمقرمشات تدمر صحته    نمط حياة صحي يقلل خطر سرطان الغدة الدرقية    الزبادي اليوناني.. سر العافية في وجبة يومية    علاج سريع وراحة مضمونة.. أفضل طريقة للتخلص من الإسهال    صحة القليوبية: خروج جميع مصابى حادث انقلاب سيارة بطالبات في كفر شكر    في الجول يكشف كيف يفكر الأهلي لدعم الهجوم.. الأولوية للأجنبي وخطة بديلة    أمير عبد الحميد: تدريب حراس الأهلى حلم تحقق.. والمنافسة فى النادى صعبة    وصلت إلى 350 ألف جنيه.. الشعبة: تراجع كبير في أسعار السيارات (فيديو)    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط بدون إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس    3 أبراج «هيرتاحوا بعد تعب».. ظروفهم ستتحسن ويعيشون مرحلة جديدة أكثر استقرارًا    فرصة ثمينة لكن انتبه لأحلامك.. حظ برج الدلو اليوم 27 أكتوبر    مساعد وزير التموين: حملات مكبرة لضبط الغش التجاري وعقوبة المخالفات تصل للسجن    حماية المستهلك: ضبطنا مؤخرا أكثر من 3200 قضية متنوعة بمجال الغش التجاري    الجمع بين المرتب والمعاش.. التعليم تكشف ضوابط استمرار المعلمين بعد التقاعد    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس    مولودية الجزائر يتأهل لدور المجموعات في دوري أبطال أفريقيا    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    مأساة في ميدان الشيخ حسن.. مصرع طالبة تحت عجلات سيارة سرفيس مسرعة بالفيوم    التنمية المحلية: إجراءات عاجلة لمعالجة شكاوى المواطنين من انبعاثات محطة خرسانة بالمنوفية    وكيل صحة شمال سيناء يترأس الاجتماع الشهري لتعزيز وتحسين كفاءة الأداء    الحسابات الفلكية تكشف موعد بداية شهر رمضان 2026    برلمانية: سأعمل على دعم تطوير التعليم والبحث العلمي بما يواكب رؤية الدولة المصرية    قيادات حزبية: كلمة الرئيس السيسي جسدت قوة الدولة ونهجها القائم على الوعي والسلام    وزير المالية: إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة والتعليم خلال السنوات المقبلة    هل رمي الزبالة من السيارة حرام ويعتبر ذنب؟.. أمين الفتوى يجيب    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طارق عبدالباسط عبدالصمد: رفض استكمال علاجه فى لندن
نشر في الوفد يوم 10 - 09 - 2016

الله.. الله يا مولانا، فتح الله عليك، مدد مدد، مدد يا كريمة، بهذه الكلمات علت أصوات المصلين فى ساحة مسجد السيدة زينب، بوسط القاهرة، بعدما انتهى الشيخ «الشعشاعى» من تلاوته لما تيسر من القرآن الكريم وكان ذلك فى عام 1951، بعض المصلين قاموا للسلام والتحية على السيدة الشريفة، العفيفة، الكريمة، «ستنا زينب»، والبعض الآخر، قام لأداء ركعتين سُنة، فى انتظار مواصلة الشيخ «الشعشاعى» قراءته لآيات من الذكر الحكيم فى تلك الليلة الإيمانية، والسهرة القرآنية، التى تعم جنبات المسجد «الزينبى». فى ركن قصى من المسجد كان يجلس شابًا عمره لا يتجاوز ال25 عاماً، يستمع إلى كبار القراء، وهو يتمنى أن يكون صوته بجانب صوتهم، الشاب هو فى ذلك الوقت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد.
الأجواء داخل المسجد ترتفع وتيرتها الإيمانية، وخارجه صخب الاحتفال بذكرى مولد السيدة يعلو ضجيجه. وما بينهم قام الشيخ صغير السن بأداء ركعتي تحية المسجد، ثم جلس فى انتظار مواصلة كبار المشايخ إحياء الليلة التى تنقلها الإذاعة المصرية. بعد دقائق اقترب منه رجل يرتدى «الجلباب» و"العمة" وملامحه تدل على أنه «صعيدي» من الجنوب، وخطوة بعد خطوة جلس بجوار الشاب الذى يعرفه جيدًا. الشيخ عبدالباسط رد: وهل تعرفنى؟ قال: نعم أنا بلدياتك يا مولانا من محافظة قنا، ففرح الشيخ وقال له: أهلا بك.. فرصة سعيدة. سكت الرجل قليلاً، ثم قال له: لماذا لا تتقدم لتقرأ. فأنت صوتك جميل. وأنا أستمع له فى الصعيد هناك. وهذه فرصة ليستمع لك أعداد كبيرة. رد الشيخ: ولكن كيف لى أن أجلس وأقرأ وسط كبار المشايخ. دع هذا لى.. ثم تركه الرجل قليلاً، وتقدم حتى وصل إلى الشيخ «الشعشاعى» وطلب منه أن يقرأ هذا الشاب صاحب الحنجرة القرآنية الذهبية. نعم.. على الرحب والسعة.. يتفضل نستمع له. وبخطوات ثابتة، تقدم للأمام وأمسك بالميكروفون. وأخذ جلسته، واستدعى أحباله الصوتية القوية. وأعدل عمامته، وبدأ فى تلاوة آيات الذكر الحكيم. وحرفا وراء حرف، وآية بعد آية، انتبه كل من بالمسجد. وهدأ الضجيج بالخارج قليلاً. الآن يقرأ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد القرآن الكريم، وكان محددًا له عشر دقائق زادت إلى المائة دقيقة، وكلما ختم قراءته، تنهال عليه الأصوات من جميع جنبات المسجد. الله.. الله زدنا يا مولانا.. ربنا يفتح عليك. مدد.. مدد.. ويستجيب الشيخ لهم، ويواصل القراءة.. لينطلق بعدها إلى آفاق رحبة من الشهرة جعلته أحد أهم الأصوات، وأصدقها، وأعذبها، تتلون آيات الذكر الحكيم فى عالمنا الإسلامى. إنها حسب قوله فيما بعد بركة أهل البيت.
فى هذه الحلقة من سلسلة حوارات «أبى.. الذى لا يعرفه أحد». اتجهت إلى لحن من ألحان السماء، كما كان يطلق عليهم عمنا الراحل محمود السعدنى، إلى أصحاب الأصوات القرآنية الرائعة.. إلى زمن الشيخ عبدالباسط عبدالصمد وصوته العذب الجميل. اتصلت بابنه اللواء سابقًا القارئ حاليًا الشيخ طارق عبدالباسط عبدالصمد، حتى أعود معه إلى عالم مولانا الشيخ الجليل رحمة الله عليه وإلى حنجرته وأسلوبه الفريد فى التلاوة. اتفقنا.. والتقينا بمنزل الأسرة فى المهندسين، حيث كان الشيخ يعيش حتى وافته المنية عام 1988. صوت الشيخ فى المكان، وبركة القرآن الكريم تحيط بنا، ودقائق.. دخل عليه بعدها الابن طارق.. رديت السلام ثم جلسنا، استأذنت منه أن نجعل صوت الشيخ حاضرًا معنا عبر جهاز التسجيل الموجود بالقرب منا. حاضر.. ثم وضع شريط الكاسيت ومنه جاء صوت الشيخ وهو يرتل القرآن ترتيلاً، ثم أخفضنا الصوت قليلاً، وبدأنا الكلام.
قلت: أن يكون أبوك شيخًا قارئا للقرآن، هل هذا يفرض عليك سلوكًا محددًا فى الحياة؟ قال: السلوك هنا هو انعكاس للتربية، فأنت يأتى فعلك وسلوكك فى الحياة، من نظام التربية التى تعلمت وتعودت عليها، فنحن مثلاً كأبناء للشيخ عبدالباسط عبدالصمد، نشأنا على آيات القرآن، وسماع آياته، فالبيت يتلى فيه آيات الذكر الحكيم آناء الليل وأطراف النهار.. وهذا يأخذ من تلقاء المشهد ذاته إلى سلوك معك ومع الآخرين حولك، يختلف عن غيره. قلت كأطفال.. كيف تكون الطفولة فى منزل شيخ بمكانة وشهرة أبيك؟ عادية جدًا. أطفال نلعب ونلهو ونذاكر ونتخانق، ونضحك، ونبكى، وإذا أخطأنا نُضرب ونعاقب. لكن الأهم من ذلك وهنا يأتى الاختلاف أن كل هذا نفعله بأدب. وليس بسوء الأدب. ويرجع ذلك إلى حرص والدى رحمة الله عليه أنه جعل القرآن الكريم عنوانا لحياتنا، مثلما كان عنوانًا لصوته، فسعى إلى أن نحفظ كتاب الله ونحن أطفال. قلت وهل كان لديه الوقت لذلك؟ قال: للأسف كثرة سفرياته لبلدان العالم الإسلامى، لقراءة كتاب الله، جعلت ذلك صعبًا عليه، لكنه عهد بذلك إلى أحد المحفظين، الذين ساعدونا على حفظ كتاب الله جميعًا. وهو فعل معنا ما فعله معه أبوه وجده الشيخ محمد عبدالصمد، حيث حفظ أبى القرآن قبل بلوغه سن العاشرة ندما التحق ب«الكتاب» عام 1943 فى محافظة قنا.
تركت الشيخ طارق قليلاً وعدت لمحافظة قنا. نحن الآن 1 يناير 1927. فى هذا اليوم ولد الشيخ عبدالباسط عبدالصمد. ترتيبه الثالث بين إخوته. أخوه الأكبر محمودعبدالصمد. مفتش ثانوى سابق ويعتبر أول من تعلم بالأزهر بالمحافظة. يليه عبدالحميد عبدالصمد ناظر ثانوى أزهرى بالمعاش. ثم الشيخ عبدالباسط ثم أخوهم الأصغر عبدالله عبدالصمد. التحق الشيخ عبدالباسط ثم أخوهم الأصغر عبدالله عبدالصمد. التحق الشيخ عبدالباسط بالكتاب مع إخوته وعمره 7 سنوات. وفى ثلاث سنوات حفظ كتاب الله. تفرغ الأب لابنه فأولاه اهتمامًا خاصًا بعدما ألحقه بالمعهد الدينى بمدينة «أرمنت» فتعلم القراءات وعلوم القرآن، ووقتها نال اهتمام شيخه العالم الأزهرى محمد سليم حمادة الذى قام باصطحابه معه، ليقرأ فى السهرات والحفلات الإيمانية القرآنية فى قرى ومدن ونجوع الصعيد، ليصبح الصبى عبدالباسط مشهورًا وعمره لم يتجاوز ال15 عامًا.
عدت من قرية «أرمن» بمحافظة قنا إلى القاهرة ومازال صوته يأيتنا من جهاز الكاسيت خلفنا فى منزله بالمهندسين، ومازال يجلس معى ابنه اللواء طارق.. قلت له.. أنت الآن بالمعاش أليس كذلك؟ نعم كنت التحقت بكلية الشرطة ووصلت إلى رتبة لواء ثم خرجت للمعاش وأركز اليوم فى قراءة القرآن الكريم، فى نفس الطريق الذى مشى عليه أبى. قلت ومتى استقر الشيخ فى القاهرة؟ قال: بعدما استمع له المصلون فى مسجد السيدة زنيب وأحب صوته الناس، قرر وقتها أن يعيش فى القاهرة عام 1951 واختار أن يكون بجوار مسجد السيدة زينب. وبالفعل استأجر شقة فى السيدة زينب وعاش بها سنوات طويلة ثم انتقل بعدها إلى جاردن سيتى ومنها إلى منيل الروضة ثم العجوزة وفى النهاية استقر به الحال هنا فى المهندسين. قلت: كيف كان أسلوبه فى تربية أولاده؟ رد: بالحسنى والقول اللين وتعليم قواعد التربية الاسلامية الصحيحة، لم يكن يغضب وأن غضب؛ يكون غضبه بسيط، دون تعصب أو عنف. وكان يعلمنا أن الأخلاق هى أساس نهضة الإنسان، فلو الإنسان لديه القدر الكافى من الأخلاق؛ فالمؤكد أن هذا القدر، سيجعله بعيش فى أمان وسلام، وينجح فى حياته العملية، وينجح أيضًا وهذا هو الأهم فى علاقته مع ربه. قلت هل فرض نوعًا معينًا من الدراسة عليكم؟ قال: لا.. ترك لنا حرية الاختيار، فنحن خمسة أولاد كنا نعيش ونحن أطفال فى شقة بالدور الأول فى شارع على الجارم بالروضة مكونة من 5 غرف وكان إيجارها على ما أذكر 18 جنيها فى الشهر عام 1959.
عام 1955 فى شهر سبتمبر ذهبت مجلة «أهل الفن» لإجراء حوار مختلف مع رجل من أهل «الدين والقرآن» الكريم هو الشيخ عبدالباسط عبدالصمد. ونشر هذا الحوار فى عددها رقم 78. جاء فيه أن الشيخ عبدالباسط تزوج وعمره 28 عامًا من ابنة عمه، والتى أنجب منها 3 بنات وولدين. أكبرهم سعاد وأصغرهم جمال. ثم سأله المحرر عن أحسن ممثلة؟ قال: فاتن حمامة وأحسن ممثل: قال: يوسف وهبى. وأحسن فيلم شاهده قال: الطريق المستقيم. وعن أفضل مطرب قال: عبدالحليم حافظ وعن سيارته الجديدة وهل لديه سائق؟ رد: أنا الذى أسوق سيارتى بنفسى. ثم رسم محرر المجلة صورة للشيخ جاء فيها «أنه يجب وضع أرقى العطور.. ويرتدى أجمل الثياب، حيث يرى أن قارئ القرآن يجب أن يهتم بمظهره أكثر من أى شخص آخر. هذه الصورة ترسم ملامح الشيخ من أنه شخصية وسطية يحب الله ورسوله. ويحمل كتابه فى قلبه، ويرسله فى رسائل عبر صوته العذب الشجن، لكن فى الوقت نفسه لاغلو فى الدين عنده، فهو طبقًا لحديث مجلة أهل الفن معه يشاهد الأفلام أو بعضها ويستمع إلى الغناء الجيد ويهتم بشكله ومظهره، فهو مرآة للمسلم الذى يحببك فى الدين والدنيا، وليس المسلم الداعشى مثلاً الذى يكرهك فى الدين والدنيا. هكذا كانوا.. وهكذا كنا!
عدت للابن: قلت له: كيف أخذ طريقه للإذاعة المصرية فى ذلك الوقت؟ قال: بعد أن قرأ فى مسجد السيدة زينب فى تلك الليلة الشهيرة عندما جاء إلى القاهرة، عرض عليه البعض الانضمام للإذاعة، فى البداية رفض وقال يكفى شهرتي في الصعيد. لكن الشيخ «الضباع» شيخ عموم المقارئ المصرية أقنعه، بعدما سمع له تسجيلاً صوتيا، فقام باستدعائه لمنزله وقال له لقد تم اعتمادك فى الإذاعة. وكان ذلك عام 1951.
وبعدها ذاع صيته فى مصر وخارجها. وكانت أول زيارة خارجية له إلى المملكة العربية السعودية ثم انطلق الشيخ من إذاعة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى فيأتينا صوته من المسجد الحرام مرة ومن المسجد النبوى مرة ومن المسجد الأقصى مرة ومن المسجد الأموي مرة. ومن الهند إلى أمريكا ووصولاً إلى أندونيسيا وجنوب إفريقيا، ظل الشيخ يتلو كتاب الله حتى آخر أيامه فى الحياة.
الكاتب الراحل عمنا محمود السعدنى يعكس فى كتابه «ألحان السماء» عن الشيخ قائلاً: هو صاحب صوت جميل، ونفسية طيبة أيضًا. وإذا كان صوتك من معدن الشيخ، فأنت تستطيع أن تدخل التاريخ كصاحب صوت وطريقة من أجمل ما عرفته دولة التلاوة فى تاريخها الطويل.. وهكذا كان الشيخ رحمه الله. ثم يحكى «السعدنى» عن سر من أسرار الشيخ قائلاً: كانت وسيلته فى الاتصال بالناس هى الخطابات، وكان يضع فى درج مكتبه ألف صورة له ويضعها فى خطابات بلون النبفسج، ويرسل بها إلى محبينه فى كل بقاع الأرض، فهو كان حسن المظهر، جميل الهندام وكانت هذه طبيعة الشخصية، حيث يأتي الاهتمام بالمظهر هنا كطبيعة وليس من أجل الشهرة كما يتصور البعض. وكان يحب الأدب ومعجب بالعملاق عباس محمود العقاد. ومحمد حسنين هيكل وكامل الشناوى. وكان معجبًا بكوميديا فؤاد المهندس.
عدت للابن طارق. وقلت له: ماذا تعلمت منه؟ قال: حب الله ورسوله وكتاب الله وسنته. وقول الحق، والرضا بالمقسوم خيره وشره. لقد علمنا أن الترابط والاحترام والأخلاق وأكل الحلال، كلها عناوين لحياة الإنسان الصحيحة والسليمة. قلت له: هل تواصل مسيرته على دربه فى قراءة القرآن الكريم؟ قال: نعم أقرأ القرآن وأنا متفرغ له وأتمنى أن يحسن الله ختامنا على آياته، صحيح لن نصل إلى مرتبة صوت وحنجرة والدى رحمة الله عليه.. لكن فى النهاية نحاول.
استأذن الشيخ طارق قليلاً عاد بعدها بفنجان شاى لى وينسون له ثم أغلق الكاسيت بعدها انتهى الشريط من ترتيل مولانا الراحل ثم جلس لنكمل كلامنا. قلت.. كانت هذه رحلة الشيخ فى الحياة.. فكيف كانت رحلته مع المرض حتى لقى وجه رب كريم. سكت بعض الشىء، وكأنه يسترجع ذكريات، هى فى واقع الأمر عبارة عن صور محفورة فى ذهنه، لكنه فيما يبدو يستجمع قواه حتى يتحدث. ثم انتبه لى قائلاً: الشيخ كان قد أصيب بالسكر.. وكان يحافظ على نفسه جيدًا ويلتزم بالعلاج والطعام.. لكن زاد على ذلك إصابته بالتهاب كبدى.. واجتمع الاثنان معا (السكر والالتهاب الكبدى) وبدأت رحلته مع العلاج، كان قبلها قد تعرض لحادث مرور فى الصعيد. قلت: وهل كان لهذا الحادث تأثير ما على صحته؟ قال: اصيبت فيه عينه فقط، يومها كان فى الطريق ما بين الأقصر وقنا، لإحياء ليلة تلاوة. وكان بجوار السائق.. ثم وقع الحادث، فأصيب فى عينه، بعد هذا الحادث، بدأت أمراض السكر والالتهاب الكبدى تدب فى أطراف الجسد الذى عاش على الأرض، ودار على بحارها ومحيطاتها ويابسها من أجل نشر كلمات الله من خلال قراءة كتاب الله.
تعب الجسد.. اشتد المرض.. جاء الأطباء.. والأدوية والتحاليل.. وفى النهاية أشاروا إلى أن نذهب للعلاج فى بريطانيا. وبالفعل سافرت معه إلى لندن.. وما هى إلا أيام قليلة، ووجدته يقول لى.. عد بى إلى مصر.. هموت هناك. قلت: يا أبى.. مازالت هناك فرصة ووقت للعلاج.. قال: لا.. أريد أن أعود إلى بلدى وأهلى وناسى وإن كان فى العمر بقية، فلتكن هذه البقية على أرض مصر.. وفيها أعيش وفيها أدفن. قلت: وفعلت ما طلب منك؟ رد: نعم .. وعدنا للقاهرة.. ما هى إلا أيام، ونفذت إرادة الله.. وفى 30 نوفمبر عام 1988 مات الشيخ بعدما أوصى بأن يدفن فى الامام الشافعى، بالقرب من المسجد الذى كان يقرأ فيه كل يوم جمعة سورة الكهف لعدة سنوات وهو مسجد الامام الشافعى. ثم سكت الشيخ طارق بعض الوقت.. تركته ووقفت وأدرت شريط الكاسيت، فيأتى صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد من حفلة له مكتوب عليها أنها سجلت فى دمش وقرأ فيها قصار السور، وصوت المستمعين أمامه يكاد يفجر الشريط من شدة الإعجاب. قلت للشيخ طارق: ماذا تقول له فى كلمات قليلة: قال: رحمك الله يا شيخنا، بقدر حروف القرآن التى تلوتها، وجعل مثواك الجنة، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة.
.. وفى النهاية مات الشيخ.. لكن بقى صوته لحنًا مميزًا من ألحان السماء، يخفف به عن سامعيه، ومريديه، ومحبيه بآيات الذكر الحكيم هموم الدنيا.. وأوجاع الزمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.