فى 27 مارس الماضى، وقف الدكتور شريف إسماعيل، رئيس الوزراء داخل أروقة أول برلمان بعد ثورة 30 يونيه ليعرض برنامجه، ورؤية حكومته للمرحلة القادمة من أجل الحصول على ثقة مجلس النواب تطبيقاً للنص الدستور الذى يلزمه بذلك حتى تبدأ الحكومة عملها. وكلَّف الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الوزراء بعمل برنامج يعرض على نواب الشعب، حيث وعد رئيس الوزراء بتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، وضبط الأسعار، ثم تحدث عن مشروعات قومية عملاقة، وتوفير السلع الغذائية، والتموينية للمواطنين، وتبنى سياسة جديدة تقوم على إصلاح المنظومة الإدارية الحالية، وتبنى رؤى اقتصادية تدفع الاقتصاد المصرى للأمام. لكن ما يعيشه المصريون منذ تلك الوعود وحتى انتهاء دور الانعقاد الأول للبرلمان، أى بعد انتهاء 20% من مدة البرلمان، يثبت بلا شك أن وعود رئيس الوزراء تبخرت بمجرد خروجه من القاعة، أو بمعنى أدق بمجرد موافقة البرلمان بأغلبية 433 صوتاً من 595 نائباً وقتها على بيان وبرنامج الحكومة فى 20 إبريل. الاقتصاد.. والدولار جاءت الحالة الاقتصادية فى المقام الأول لتكشف كذب الحكومة أمام نواب الشعب، بعد أن شهدت الأسواق المصرية ارتفاعاً كبيرًا فى أسعار السلع الغذائية بشكل مخيف، نتيجة التلاعب فى السوق السوداء للدولار الذى وصل لأعلى سعر متجاوزاً 13 جنيهاً فى بعض الأيام، الأمر الذى استغل من قبل كثيرين فى رفع الأسعار، لتشهد مصر موجة غلاء طاحنة فى كل الأسواق، وفى القرى قبل المدن والعاصمة. ولم يقتصر الأمر عن ارتفاع الأسعار بشكل جنونى فقط، بل وصل إلى اختفاء بعض السلع، وارتفاع أسعارها مثل الأرز الذى تجاوز 9 جنيهات، ليعود إلى الانخفاض مرة أخرى، إلا أن السكر احتل مرتبته فى الأيام الأخيرة بعد وصول سعر الكيلو إلى 7و8 جنيهات، وسلع كثيرة تسببت فى حالة احتقان شديدة لدى الرأى العام. والدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية المتحدث باسم تحالف «25-30» قال إن بيان الحكومة الذى ألقاه رئيس الوزراء فى البرلمان جاء كاشفاً بشكل كاف لانعدام الرؤى السياسية والاقتصادية لدى المسئولين، مشيراً فى حديثه ل«الوفد» إلى أن البرلمان وافق على بيان الحكومة واصفاً إياه ب«المعيب» على أمل إدارة الوزراء للأمور بشكل يتوافق مع الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد وهو ما لم يتحقق. وأرجع «دراج» الفشل الحكومى على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، إلى العديد من مشروعات القوانين التى قدمتها الحكومة للمجلس التشريعى خلال الشهور الماضية مثل قانونى القيمة المضافة والخدمة المدنية وصفها بأنها «قوانين سيئة السمعة». وأضاف المتحدث باسم التحالف أن حكومة شريف إسماعيل تجاهلت البحث عن حلول حقيقية للقضايا الخطيرة التى يواجهها المواطن المصرى، وأردف: يكفى أن هذه الحكومة قدمت استشكالا على الحكم بمصرية جزيسرتى تيران وصنافير»، فى الوقت الذى لم ينكر فيه بأن الأوضاع الأمنية بالبلاد خلال الأشهر الأخيرة مختتماً حديثه «لكن المستوى الأمنى المطلوب لم نصل له بعد». الفواتير... نار وجاء الارتفاع الجنونى فى فواتير المياه والكهرباء، وفرض رسوماً جديدة لجمع القمامة للشقق السكنية منفردة بدلاً من العقار كاملاً ليشعل غضب المواطنين الذى أصبحوا بين نار الفواتير، وغلاء الأسعار حتى صارت النكات والإفيهات هى أهم ما يميز مواقع التواصل الاجتماعى من خلال النشطاء الذين لا يرون فى الحكومة الحالية سوى الفشل فى تنفيذ وعودها ومتطلبات المواطن البسيط. واعتبر الدكتور صلاح فهمى، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، ما تفعله وزارات المجموعة الاقتصادية بمثابة وصفة طبية ناجزة تعتمد على الضربات الاستباقية لحل الأزمات التى تواجهها. وفى الوقت نفسه أكد فهمى فى حديثه ل«لوفد» أن اختيار الوقت الحالى لتطبيق حزمة الاجراءات الاقتصادية الإصلاحية غير جيد، لافتًا إلى ارتفاع أسعار الوقود والأدوية وفواتير الكهرباء والمياه والغاز دفعة واحدة وهو ما لن يستوعبه المواطن المصرى تزامناً مع مناسبتى عيد الأضحى المبارك، وبدء العام الدراسى الجديد، مشدداً على أن الاستقرار الاقتصادى قد يخطو نحو الأفضل، حال تطبيق الخطط الحكومية بشكل تدريجى. القرض المفاجأة والمادة 127 لم يتحدث رئيس وزراء مصر عن امكانية اللجوء للاقتراض فى بيانه أمام مجلس النواب، بل لم يتم عرض المقترح من الأساس على نواب الشعب وفقاً لنص المادة 127 من الدستور التى تنص على الآتى «لايجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب». من هنا كانت مفاجأة الحكومة للشعب ونوابه باللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات، حيث كان من المفترض أن يتم عرض الأمر على مجلس النواب قبل البدء فى إجراءات الحصول على القرض. وبشأن تقييم الأداء الحكومى فيما يخص اللجوء للقروض الدولية سواء من صندوق النقد الدولى أو غيره من المنظمات والدول، أكد الخبير الاقتصادى أن الأمر يتوقف على مدى قدرة مصر على سداد المديونيات وأوجه إنفاق الأموال التى ستتدفق خلال الفترة القادمة. وأضاف «فهمي» أن المشكلة بشكل رئيسى تكمن فى فشل الحكومة الحالية فى توفير الموارد الدولارية لعلاج المشلكة الاقتصادية بسبب تدهور قطاع السياحة وتراجع الاستثمار الأجنبى وضعف عائدات قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، مؤكدًا ضرورة البحث وسائل لزيادة الصادرات المصرية وتقليل الواردات. ورغم ما يراه فهمى من عيوب حكومية، لكنه يصنف الأداء البرلمانى تجاه الخطط الوزارية للإصلاح الاقتصادى بالجيد، موضحا أنه يقوم بالدور المنوط به سواء على مستوى الرقابة والتشريع، قائلا: «قانون القيمة المضافة الذى وافق عليه النواب بشكل مبدئى يعد تطويراً لقانون المبيعات ليس أكثر». سد النهضة وريجيني من جهته قال السفير معصوم مرزوق الدبلوماسى السابق عضو التيار الشعبي، إن مستوى التعاطى الحكومى مع الملفات الخارجية جاء ضعيفاً منذ إلقاء بيان الحكومة أمام البرلمان فى مارس الماضي. وأضاف- فى حديثه للوفد- أن السياسة الخارجية لأى بلد تحددها قوة الاقتصاد وصلابة القوى الناعمة كالمجتمع المدنى والتيارات الثقافية بها، مشيرا إلى أن مصر تعانى من أزمات داخلية عديدة أثرت سلباً على توجهها دولياً. وتابع: «مصر فى الخمسينيات كان لها تأثيرها الخارجى القوى إلى حد تمكنها من عضوية تحالف دول عدم الانحياز بسبب قواها الناعمة التى تجذرت داخليا»، مضيفا: «لا يمكن لوم وزارة الخارجية على التراجع الاقليمى والدولى لمصر فهى تعمل على أرضية مهتزة من القلاقل الداخلية». وأمام تراجع الدور الخارجى المصرى ظهر لاعبون إقليميون لإدارة المنطقة المحتدمة بالصراعات كتركيا وإيران والسعودية، «بل إن منظمات صغيرة وضعيفة كحزب الله الشيعى صار لها دور يفوق الدور المصري» وفق قول الدبلوماسى السابق. أما دور البرلمان فى مراقبة الأداء الخارجى للحكومة فلم يكن على المستوى المطلوب، من وجهة نظره، وتابع: البرلمان لا يقوم بدوره التشريعى والرقابى سواء على المستوى الداخلى أو الخارجي، مشيرا إلى أن الخطيئة الكبرى تكمن فى إجراء انتخابات المجلس التشريعى على أساس قانون معيب أدى إلى فوز نواب أداؤهم ضعيف-بحسب قوله. وبدوره أكد السفير يحيى نجم، سفير مصر السابق فى فنزويلا، غياب الرؤية الحكومية للسياسية الخارجية الحكيمة، واصفا طريقة التعامل الوزارى مع الملفات الساخنة بتسيير الأعمال، مشيراً فى تصريحاته ل«الوفد» إن الخارجية المصرية فشلت فى أهم أدوارها وهو حرفة التفاوض بشأن بناء سد النهضة الإثيوبى، لافتا إلى إخفاق وزارة الرى فى تقييم النواحى الفنية لإنشاء السد. وإلى جانب كارثة سد النهضة التى ستتسبب فى تجفيف أرض مصر، وفق توقع «نجم»، فإن القاهرة باتت تعانى من علاقات مهتزة مع دول مهمة كتركيا وغير واضحة مع دول الجوار كالسودان وليبيا فضلا عن جمود العلاقة مع روسيا وبرودها مع الصين وأمريكا، إلى جانب أزمة الشاب الإيطالى جوليو ريجينى الذى قتل فى يناير الماضي. ويرى الدبلوماسى السابق أن البرلمان لا يتعدى دوره فرض الضرائب على المصريين والانخراط فى تفاصيل غير جوهرية بالمرة، مشيراً إلى أن النواب لم يكلفوا أنفسهم المطالبة باستدعاء وزير الخارجية لبحث قضيتى سد النهضة وريجينى، واختتم حديثه قائلا: الملف الخارجى يدار وفق هوى شخص أو اثنين فى مصر مما أدى لإدارة مخزية لقضايا مهمة.