بات هجوم إيران على المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع موسم الحج، والمطالبة بتدويله، بمثابة سيناريو متكرر في كل عام، وتمثلت آخر حلقاته في انتقاد المرشد الأعلى للجمهورية في إيران، علي خامنئي، لطريقة إدارة الرياض للحج. وقال خامنئي في بيان له أمس الإثنين، إن على العالم الإسلامي التفكير جديًا وبطريقة جوهرية في حل لإدارة الحرمين الشريفين وقضية الحج، معتبرًا أن تجاهل ذلك سيعرض المسلمين مستقبلا لمشكلات أكبر. وبرر المرشد الإيراني مطالبه بإيجاد طريقة لإدارة الحج بزعم "السلوك القمعي لحكام السعودية تجاه ضيوف الرحمن"، مشيرًا إلى مشاركة السعودية في صراعات المنطقة منها العراق واليمن وسوريا. وفي السياق ذاته، اتهم أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، اللواء محسن رضائي، المملكة العربية السعودية بأنها تسعى وراء إقحام المنطقة في حرب جديدة، منتقدًا السياسات التي تتبعها. وقال رضائي، إن العلاقة بين البلدين تزداد سوءاً يوماً بعد يوم بسبب ما اعتبرها السياسة العدائية التي تتبناها السعودية ضد إيران، وذلك في تصريحات له السبت الماضي. وكانت إيران قد اتخذت قرارًا في يونيو الماضي، بمنع مواطنيها من أداء فريضة الحج على أراضي المملكة، وذلك بعد أن فشلت محادثات التنسيق بين البلدين ورفض طهران التسهيلات التي قدمتها المملكة لاستقبال الحجاج الإيرانيين. «اللوم على المملكة» وفي العام الماضي وقعت أسوأ أزمة خلال موسم الحج، حيث شهد أعلى معدل وفيات بسبب التدافع في مشعر منى، والذي نتج عنها مقتل نحو 2300 حاج بينهم أكثر من 400 إيراني، ووقتها ألقت طهران باللوم على المملكة على سوء التنظيم وبدأت تطالب بتدويل الحج. «تسيس الحج» وعلى الجانب الآخر، تنفي السعودية اتهامات إيران لها، وتعتبر أن انتقادات طهران لها محاولة لتسييس الحج واستخدامه في الخلافات بينهما، والعمل على إثارة مزيد من التوتر خاصة وأن إيران هي الخصم الإقليمى الأول للمملكة. «تاريخ الصدام» والجدير بالذكر أن الخلافات بين السعودية وإيران حول مسألة الحج ليست وليدة اللحظة، ولكنها تمتد إلى عقود سابقة، نتاج تراكم العديد من الأحداث السابقة لها التي بدأت منذ عام 1986 ، وقتها أحبط موظفو الأمن والجمارك السعوديون محاولة تهريب 51 كيلوجرامًا من مادة C4 شديدة الانفجار، التي خبأها الحجاج الإيرانيون في حقائبهم لاستخدامها في تفجير الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. وفي 1987 وقعت اشتباكات عنيفة بين مجموعة من الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودية في مدينة مكةالمكرمة، نتيجة لرفعهم الشعارات السياسية المعادية لأمريكا وإسرائيل، حيث تعد هذه الأحداث هي الأكثر خطورة في تأزم الموقف بين البلدين. وقامت قوات الشرطة والحرس الوطني السعودي آنذاك بتطويق جزء من المسار المخطط للمسيرة ومنع المتظاهرين من العبور، وهو ما أدى إلى تدافع الحجاج بقوة بعد تشابكهم مع قوات الأمن، وهو ما نتج عنه مقتل 402 شخص، منهم 275 حاجًّا إيرانيًّا. وعلى إثرها قطعت الرياض علاقتها الدبلوماسية مع إيران، وتم تقليل العدد المسموح من الحجاج الإيرانيين من 150 ألف حاج إلى 45 ألفًا فقط، وعلى الجانب الآخر قامت طهران بمقاطعة الحج في المواسم الثلاثة التالية، وهو ما حدث خلال هذا العام بعد مقاطعتها لموسم الحج الحالي. متخصص في الشأن الإيراني: هجوم «خامنئي» غير مسبوق وتعليقًا على تجدد الهجوم الإيراني على لسان مرشدها، وصف محمد محسن أبو النور، الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، رسالة على خامئني ب"الغير مسبوقة"، معتبرًا أنها تتضمن تصعيد على أعلى مستوى. وأوضح في تصريح خاص ل "بوابة الوفد"، أن هذا التصعيد يأتي في إطار حرب العلاقات العامة الدائرة بين طهرانوالرياض على خلفية الأزمات المتراكمة منذ مطلع العام الحالي، بدءًا من إعدام نمر باقر النمر ثم الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، إضافة إلى واقعة وفاة الحجاج العام الماضي، التي شنت إيران على إثرهم واحدة من أعنف الحملات الدعائية ضد النظام السعودي. وراى أبو النور، أن اللافت هذه المرة في هجوم طهران على السعودية، هو أن يخرج البيان من المرشد العام للجمهورية الإيرانية، ذلك الرجل الذي لا يتحدث كثيرًا ويترك تسيير العلاقات الخارجية إلى من هم دونه في النظام في طهران. وأكد على أن هذا الأمر سابقة يمكن أن تغير من شكل المعادلة كليًا، أولًا لأنها تجهض أي محاولة للتهدئة من خلال الوسطاء الإقليميين وعلى رأسهم النظام العُماني، فضلا عن أنها تزيد من حدة الاستقطاب المذهبي بين السنة والشيعة العرب على وجه الخصوص. وتابع أبو النور، أن حدة الاستقطاب هذه تتضح إذا تتبعنا التعاطف الشيعي العربي مع خط الدولة الإيرانية في محاولتها رسم صورة لمظلومية الإيرانيين فيما يتعلق بفشل التسوية حول شروط الحج، بعد أن قطعت المملكة كليًا العلاقات مع إيران على خلفية، قيام إيرانيين بحرق أزمة المقرين الدبلوماسيين السعوديين في طهران وخراسان.