مازالت مشكلة ارتفاع أسعار اللحوم تؤرق المجتمع لفشل الجميع فى إيجاد حلول للأزمة، حيث اقتصر دور الحكومة على سد الفجوة ما بين الإنتاج والاستهلاك بالاستيراد من الخارج. ولكن فى السنوات الأخيرة ازدادت الفجوة بتآكل الإنتاجية وبلغت أكثر من 65٪ ووصلت الأسعار إلى أرقام فلكية وانضمت لقائمة الفئات المحرومة من شرائها الطبقة المتوسطة، وتتنوع أسباب الارتفاعات فى الأسعار بين ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة بالكامل من الخارج أو ارتفاع الدولار، والذى تقوم الشركات المستوردة بتدبيره بهدف زيادة الكميات المستوردة فى هذه الفترة من العام أو جهود الحكومة الحثيثة لخفض الأسعار وطرحها فى المجمعات، تبقى حقيقة أن هناك أزمة والثروة الحيوانية مهددة بالاندثار وفى التحقيق التالى نناقش بموضوعية الأسباب وسبل التغلب عليها. بداية يؤكد أحمد صقر رئيس إحدى الشركات المستوردة للحوم أن مصر تفتقد لثقافة زيادة وتطوير الثروة الحيوانية رغم أهميتها. فمثلا لا يوجد بمصر جمعية مصرية لمربى اللحوم من ملاك مزارع الإنتاج الحيوانى، تكون على صلة بالأجهزة المعنية بالعملية الإنتاجية. ففى الفترة الماضية كان يتواجد بمصر مزارع تتيح إنتاج أكثر من 7 آلاف رأس سنويا للمزرعة الواحدة. وكانت الفجوة حينها تصل إلى 25٪ فقط إلى أن تآكلت بصورة كبيرة، وبلغت خلال الفترة الأخيرة لأكثر من 65٪ بعد خروج أعداد كبيرة من المربين من السوق لأسباب عدة أبرزها الأمراض الوافدة من الخارج، والتى قامت الحكومة باستيرادها من أسواق أفريقية تهدف لتدعيم وزيادة الثروة الحيوانية إلا إنها تسببت لفترة فى نقل الأمراض للماشية المصرية والتى شهدت عمليات نفوق كبيرة وازدادت مع افتقاد السوق المصرى للأمصال والمضادات الدوائية المكافحة للمرض مما أدى لنفوقها بأعداد كبيرة. وأضاف «صقر» أنه بإمكان مصر حل مشكلة الثروة الحيوانية المتفاقمة بدرجة كبيرة من خلال تفعيل الرقابة البيطرية على المزارع، بالإضافة لعمل مسح لأعداد الأبقار المتواجدة بمصر من خلال تسجيلها، فالتسجيل ضرورى لتوضيح كمياتها وتاريخ الأمراض التى تحملها. وأضاف «صقر» أن مصر من حيث أجوائها تعتبر بيئة صالحة للتربية، ولكن ارتفاع سعر الأراضى يدفع المربى إلى المقارنة بين عائد الأرض فى حالة بيعها وبين استغلالها فى إنشاء حظائر للماشية. ويرى ضرورة وضع خطة قومية للنهوض بها وتقديم دعم زراعى منذ بداية التربية وتهيئة المناخ للاستثمار الحيوانى. وأضاف سيد نواوى عضو الغرفة التجارية بالقاهرة قائلا: أن أزمة تربية الماشية بمصر سوف تستمر للأسباب الآتية أن تربية الأبقار تحتاج لأماكن للتربية ورعاية بيطرية وأعلاف لإطعامها وكل ذلك مفتقد بمصر، فلا توجد أماكن للتربية ولا أمصال أو أدوية للعلاج فى حالة ظهور الأمراض، بالإضافة لتوقف إنتاج الأعلاف مما اضطرنا لاستيرادها بالكامل من الخارج. وأرجع تراجع إنتاجية الأعلاف إلى تآكل مساحات القطن والذى كان يستخرج الأعلاف من بقايا كسبان القطن، بعد استخراج بذرة القطن بالإضافة إلى فشل الحصول على الردة المستخدمة فى مدخلات الطعام بسبب تراجع عمليات نخل الدقيق بالمطاحن. وأشار المهندس معتز الضباع رئيس إحدى الشركات المتخصصة في التمويل الحيوانى إلى أن مشكلة التربية بمصر تفاقمت بعد اتساع عمليات ذبح الإناث بمصر فى ظل غياب الرقابة بالإضافة لافتقاد الفلاح لثقافة الاهتمام بتنمية الثروة الحيوانية، لأبعادها الاقتصادية على المدى البعيد بدلا من سلوك الفلاحين مسلك الربح السريع. وقال «الضباع» إن مشكلة المياه زادت من الأزمة، فأصبحت مسألة إنتاج البرسيم الضرورى لأكل الأبقار غير ذات جدوى فى ظل وجود حاصلات زراعية أخرى تدر عائدا قويا من خلال بيعها سواء بالسوق المصرى أو الخارجى. وأكد أن الحكومة أمام هذه المشاكل تولدت لديها قناعة بأن الاستيراد هو الأوفر والسبيل الوحيد لحل مشكلة الفجوة الإنتاجية. وقال الدكتور أسامة خير الدين رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية الأسبق إن العلف أهم الأسباب التى أدت إلى تفاقم أزمة اللحوم. فهناك تراجع حاد لإنتاجها بالإضافة لوجود سياسات خاطئة من الحكومة والمزارعين فى اتباعهم أسلوب تجريف الأراضى الزراعية، مشيراً لكارثة تجريف الأراضى الزراعية المخصص معظمها لزراعة الذرة بحوالى 20 ألف فدان بإنتاجية تصل إلى 30 طنا سنويا و600 ألف سيلاج، ولذلك كان الحل اللجوء للاستيراد للأعلاف من الخارج ولكن ارتفاع الأسعار بالخارج بالإضافة للدولار أدى لعزوف الكثيرين عن تربية الأبقار.