مسكين المواطن المصرى على مر العصور، فهو مطالب دائماً على مر العصور بتطبيق نظرية «شد الحزام» حتى تحقق الحكومات المتوالية خططها الخمسية التى لا تنتهى أبداً. ومنذ سنوات طويلة والأجيال تترقب تغيير الشعار لتخفيف الضغط على «البطون الخاوية» لكن خاب أمل الفقراء والمعدومين، وضاعت أحلام الطبقة الوسطى قبل أن تختفى وتذوب مع محدودى الدخل فى أن تشهد شعار «فك الحزام»، وبدلاً من أن تبحث حكومة الدكتور شريف إسماعيل عن حلول عاجلة لرفع الأعباء عن كاهل المطحونين الذين وصلت صرخاتهم إلى عنان السماء زجت بهم فى «مفرمة» الكهرباء!! وبعد فشل وزارة الكهرباء فى تحصيل مديونياتها لدى الوزارات البالغة 17 مليار جنيه قررت مؤخراً لتعويض خسائرها رفع أسعار فاتورة الكهرباء للمواطنين بنسب تتراوح بين 35٪ إلى 40٪ فى تحد لتأكيدات الرئيس عبدالفتاح السيسى أن ارتفاع الأسعار لن يطال الفقراء!! وسارت حكومة شريف إسماعيل على نفس خطوات حكومات الحزب الوطنى السابقة والتى انطبق عليها المثل الشائع «أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب»، حيث طبقت هذه الحكومات هذا المثل بالحرف الواحد على المواطنين الغلابة، ففى بداية رئاسته الحكومة أكد شريف إسماعيل أكثر من مرة اهتمام حكومته بمحدودى الدخل، وأنها لن تفرض أى أعباء جديدة عليهم، إلا أن خطة الحكومة تسير بخطى ثابتة نحو خنق المواطن المطحون، فمنذ أيام أعلنت الشركة القابضة لمياه الشرب عن رفع الدعم عن المياه تدريجياً، وتغيير أسعار الشرائح بزيادة وصلت إلى 25%، بالإضافة إلى زيادة فاتورة الصرف الصحى بنسبة 51% وأخيراً الأسعار الجديدة لشرائح الكهرباء والتى عكست حقيقة نيتها فى طحن المواطنين فى مفرمة الأسعار. بررت الحكومة القرار بعجز الموازنة والأزمة الاقتصادية، غاضة الطرف عن الأسباب الحقيقية وراء الأزمة المتمثلة فى تنفيذ شروط صندوق النقد الدولى، ففى مارس الماضى أعلنت الحكومة فى بيان الموازنة العامة بتعهدها بتنفيذ برامج توفر حماية للفئات الأقل دخلاً، إلا أن الواقع شهد ارتفاع نسب الفقر إلى 27.8% وارتفاع أسعار السلع وفواتير المياه والكهرباء والمياه. وزارة الكهرباء رفعت أسعار الكهرباء ولكنها فى المقابل حملت المواطن فاتورة هدر وتبديد موارد الوزارة من سرقة للتيار الكهربائى وأعمدة الإنارة المضاءة نهاراً وسرقة الكابلات النحاسية، وتهرب الكثير من الوزارات والأندية العامة أو التابعة للوزارات السيادية من سداد فواتير الكهرباء. أموال مهدرة بدأت مصر فى رفع الدعم عن أسعار الكهرباء فى عام 2014، ضمن إطار خطة تحرير سعر الطاقة خلال خمس سنوات بهدف إصلاحات اقتصادية، ثم عادت وطبقت المرحلة الثانية من الخطة فى يونيو 2015، وبالزيادة الحالية تكون الوزارة طبقت المرحلة الثالثة من الزيادة الجديدة، ولكن وزير الكهرباء أعلن أن سبب الزيادة هو تغيير سعر صرف الدولار، وعمليات صيانة المحطات التى تكلف 8 مليارات جنيه متناسياً تصريحه السابق أن الدولة سترفع الدعم عن الكهرباء خلال 5 سنوات، وحسب تصريحه فإن فاتورة الكهرباء التى كان متوسط استهلاكها 50 كيلو وات/ساعة شهرياً سترتفع من 470 قرشاً إلى 650 قرشاً بزيادة قدرها 180 قرشاً وهى شريحة تدعمها الحكومة بنسبة 430% من قيمة الفاتورة، ورغم تلك الزيادة فإن الوزارة ما زالت تصر على أنها تضع فى اعتبارها محدودى الدخل رغم أنها رفعت أسعار الشرائح الثلاث الأولى. وحسب تصريحات وزير الكهرباء فإن الدولة تتحمل ملياراً ونصف المليار للشريحة الأقل من 50 وات أما الشريحة من 50 إلى 100 فالدعم المقدم لها 2.1 مليار جنيه متناسياً بنداً مهماً من ميزانية الوزارة وهى المستحقات لدى الوزارات والهيئات البالغة 17 مليار جنيه وهو ما يقارب حجم الدعم المقدم من الدولة للكهرباء، حيث تبلغ مديونياتها لدى الشركة القابضة لمياه الشرب 6 مليارات جنيه، أما وزارة الأوقاف ومتمثلة فى المساجد تبلغ مليار جنيه، وصل مجمل المديونيات لدى الجهاز الإدارى إلى 3 مليارات جنيه، بالإضافة إلى 770 مليون جنيه للوحدات المحلية، وبلغ قطاع السياحة 73 مليون جنيه، و3 مليارات جنيه لقطاع الأعمال، فى حين بلغت مديونيات المحلات التجارية والمنازل 3.5 مليار جنيه. كل تلك المليارات عجزت وزارة الكهرباء عن تحصيلها لتسدد مديونياتها واتجهت إلى حل سريع برفع الأسعار. والسؤال إذا كانت تلك المبالغ تحصل بصورة دورية هل كانت ستتجه وزارة الكهرباء إلى رفع الدعم عن الكهرباء لمحدودى الدخل؟ لم تحاول وزارة الكهرباء بجدية تحصيل ديونها لدى الجهات الحكومية المختلفة، حيث اكتفت بخطابات ودية تذكر تلك الجهات بمستحقات الوزارة الواجبة السداد وعندما تجاهلت تلك الجهات مطالبة الكهرباء بمستحقاتها عرضت الوزارة جدولة المديونية بالتعاون مع وزارة المالية، بدلاً من فصل التيار عن جهات حكومية عديدة مثل شركة مياه الشرب ومترو الإنفاق والوزارات المختلفة، الطريف أن هذه الجهات رفضت عرض الجدولة المقدم من الكهرباء وتحدت وزيرها بأن يقطع التيار الكهربى عنها، وبدلاً من أن يقبل الوزير التحدى لجأ إلى الطرف الأضعف فى هذه البلد وهم المواطنون الغلابة ورفع أسعار جميع شرائح الكهرباء وذلك لتعويض مستحقات الوزارة التى ترفض هيئات وجهات الحكومة المختلفة دفعها، رغم أن تحصيل هذه المستحقات يسهم فى تحسين الوضع المالى للوزارة، التى تعانى من أزمة الديون المتراكمة عليها، والتى تصل إلى 160 مليار جنيه، حيث تصل الديون المستحقة على وزارة الكهرباء لصالح الهيئة العامة للبترول وحدها إلى 46.9 مليار جنيه، ومعروف أن المديونية المتراكمة على الوزارة والشركات التابعة لها تمنع طرح هذه الشركات فى البورصة. جزر منعزلة تحدث دكتور رضا عيسى الخبير الاقتصادى عن أزمة أسعار الكهرباء قائلاً: لو تحدثنا عن الزيادة سيقال إننا نعيق الاستثمار، على الرغم من أن الدولة وقفت كثيراً بجانب المستثمرين فى الوقت الذى لم يقف أحد بجانب الدولة، الأمر الآخر حديث الحكومة عن ربط الدعم بسعر الدولار فهذا يعنى أننا سنكون فى سباق لا نهائى، فانخفاض قيمة الجنيه المصرى المستمر يؤدى إلى انخفاض الدعم ورفع الأسعار، فكل وزارة تعمل فى جزيرة منعزلة عن الأخرى، حيث قامت الوزارة بتخفيض قيمة الكهرباء للمصانع ولغت الدعم للمواطنين. ويضيف «عيسى»: المواطن هو الحيطة المائلة للحكومة، أى فشل إدارى يتحمله المواطن عوضاً عن بحثها عن سبب ذلك الفشل، رغم أن متوسط استهلاك المواطن المصرى من الكهرباء أقل من المعدلات العالمية، حيث يستهلك المواطن المصرى أقل من 2000 كيلو وات بالسنة فى الوقت الذى يستهلك المواطن فى الدول النامية الأخرى 7000 كيلو وات بالسنة. ويكشف بحث للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن الحكومة في الوقت الذى خفضت فيه أسعار الطاقة الصناعية التجارية بنحو الثلث رفعت أسعار الكهرباء على الاستخدام المنزلى غير المربح، وتوصلت إلى أن الشرائح الأولى التى تدعمها الدولة هى الشريحتان الأولى والثانية من صفر إلى 100 كيلوات/الساعة فى الشهر هى وحدات مغلقة وبير سلم، أما الشريحة الثالثة فهى شريحة الاستهلاك المنخفض، أما الشريحة الرابعة فهى شريحة الاستهلاك المتوسط وهى الأكثر استخداماً على مستوى الجمهورية، ورفضت المبادرة حديث وزارة الكهرباء عن أن استهلاك محدودى الدخل يقع فى الشريحتين الأولى والثانية ولكن الواقع يختلف عن هذا، حيث إن متوسط استهلاك الأسر الأكثر فقراً على مستوى الجمهورية 195 كيلو وات فى الشهر. وأكد محمود العسقلانى مؤسس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» أن ما تم الإعلان عنه من وزارة الكهرباء أدى إلى ركود فى أسواق الثلاجات، خاصة بعد تصريح الوزير «اللى معندوش ثلاجة لن يدخل فى الشريحة»، فالمقبلون على الزواج يفكرون حالياً فى الاستغناء عن الثلاجات والعودة إلى زمن القلل الفخار، ورغم زعم الوزير وجود خسائر كبيرة فى القطاع، قام بخفض 19% من أسعار الكهرباء لمصانع الحديد، فحكومة شريف إسماعيل ليس لها علاقة بالفقراء. ويكمل العسقلانى حديثه قائلاً: ال17 مليار المهدرة من ميزانية الوزارة فى صورة مديونيات للوزارة أغلبها كهرباء مهدرة دون استخدام، فمعظم الوزارات والهيئات إن مررت بجانبها ليلاً ستجد مكاتبها مضاءة بالكامل خلاف الشوارع المضاءة نهاراً.