يبدو أن انتقام طهران من الحرب السرية التي تشنها أمريكا وإسرائيل وبريطانيا ضد منشآتها النووية لم يتأخر كثيرا , حيث أكد الجيش الإيراني في 4 ديسمبر أنه أسقط طائرة تجسس أمريكية بدون طيار بالقرب من الحدود الأفغانية والباكستانية. ونقلت وكالة فارس للأنباء عن مصدر قريب من الحرس الثوري الإيراني المسئول عن أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ الباليستية في البلاد القول: إن الطائرة بدون طيار خرقت المجال الجوي الإيراني من جهة الشرق. وأضاف "دفاعاتنا الجوية ووحدات الحرب الإلكترونية لدينا تمكنت من رصد وإسقاط طائرة بدون طيار متقدمة للتجسس من طراز آر كيو 170، بعد انتهاكها منطقة الحدود الشرقية". وتابع المصدر أن الطائرة بدون طيار تعرضت لأضرار طفيفة، وأصبحت تحت سيطرة القوات الإيرانية ، ووصف الحادث بأنه "انتهاك سافر لسيادة بلاده" , مهددا بأن الرد العسكري الإيراني لن يقتصر على حدودها . وفيما نقلت "رويترز" عن مسئول أمريكي رفض الكشف عن هويته قوله: إنه لا وجود حتى الآن على الإطلاق لأي مؤشر يدل على أن الإيرانيين أسقطوا هذه الطائرة , إلا أن قوة المعاونة الأمنية الدولية في أفغانستان بقيادة الناتو "إيساف" أكدت ضمنيا صحة ما ذكرته طهران ، مشيرة إلى أن الطائرة من دون طيار التي ذكرت وسائل إعلام إيرانية أنها أسقطت في شرق إيران قد تكون طائرة أمريكية فقدت خلال قيامها بمهمة في غرب أفغانستان.
وأضافت إيساف في بيان لها في 5 ديسمبر أن الطائرة قد تكون طائرة استطلاع أمريكية من دون طيار كانت تحلق في مهمة فوق غرب أفغانستان في مطلع الأسبوع , وفقد مشغلو الطائرة السيطرة عليها وكانوا يعملون على تحديد وضعها. وبالإضافة إلى ما سبق , فإن إعلان طهران عن طراز الطائرة يدعم أيضا صحة ما ذكرته , حيث ذكرت قناة "الجزيرة" أن الطائرات من طراز آر كيو 170 سنتينل هي طائرات استطلاع من دون طيار وتحلق على ارتفاعات شاهقة، وقد كشفت الدوريات العسكرية المتخصصة وجودها سنة 2009، إلا أن سلاح الجو الأمريكي لم يشر إليها إلا عام 2010. سقوط شبكة تجسس "سي اي ايه" واللافت للانتباه أن الانتقام السابق لم يكن الأول من نوعه ، ففي 24 نوفمبر الماضي , كشف النائب الإيراني برفيز سروري أن بلاده أوقفت 12 عنصرا من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي اي ايه " . وأضاف النائب -وفق ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية- أن شبكة التجسس خططت لضرب المصالح الإيرانية بمساعدة إسرائيل، إضافة إلى الإضرار بمصالح إيران في المجالات الأمنية والعسكرية والنووية. وتابع " الولاياتالمتحدة وأجهزة تجسس الكيان الصهيوني تحاول الإضرار بإيران من الداخل والخارج بضربة شديدة، وذلك باستخدام أجهزة الاستخبارات الإقليمية". ورغم أن برفيز سروري -الذي يتولى لجنة الشئون الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني - لم يكشف عن مكان وزمان اعتقال عملاء وكالة المخابرات الأمريكية ولا عن جنسياتهم , إلا أن تصريحاته جاءت بعد أيام من تأكيد صحف أمريكية أن أكثر من 12 جاسوسا لوكالة "سي اي ايه " اعتقلوا في إيران ولبنان. وكانت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" ذكرت أن المخابرات الأمريكية اضطرت لتعليق عمليات التجسس في لبنان بعد اعتقال العديد من مخبريها إثر تمكن حزب الله وإيران من كشفهم. وكشفت الصحيفة أن مسئولين في الوكالة أبلغوا أعضاء في الكونغرس بالموضوع، وزار النائب مايك روجرز الذي يترأس لجنة المخابرات في مجلس النواب الأمريكي بيروت مؤخرا حيث قابل عناصر من "سي اي ايه " , وذلك في إطار مهمة اللجنة لتحديد مسئولية هذا الخرق الخطير ومقدار الضرر الواقع على عمليات الوكالة. وصرح بوب باير -وهو ضابط عمليات سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية- بأن قدرات حزب الله في مكافحة التجسس قوية ويجب ألا يستهان بها. وفي تداعيات الموضوع، استدعت الحكومة اللبنانية سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية في بيروت لاستيضاحها عن شبكة التجسس الأمريكية ، كما اتهم حزب الله في 23 نوفمبر الماضي الولاياتالمتحدة بالاعتداء على السيادة اللبنانية والأمن القومي وخرق القانون الدولي، وطالب باعتبار التجسس لواشنطن كالتجسس لإسرائيل. ويبدو أن هناك مفاجآت إيرانية أخرى مازالت بانتظار واشنطن وتل أبيب , خاصة بعدما كشفت وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية تفاصيل الحرب السرية التي تجري على قدم وساق ضد الجمهورية الإسلامية . انفجار طهران وكانت صحيفة "التايمز" البريطانية نقلت في 2 ديسمبر عن مسئول بوزارة الدفاع الإسرائيلية قوله :"بدلا من العمل العلني لدينا عمل سري ضد إيران , فهذه هي جبهة المعركة الجديدة، وهذا نوع جديد من الحرب". وأضافت "التايمز" أن لإسرائيل دور في الانفجار الذي وقع في منشأة نووية بأصفهان في 28 نوفمبر الماضي والانفجار الذي وقع قبل ذلك بأسبوعين في قاعدة صواريخ غربي طهران. وفي 5 ديسمبر , رجح خبراء استخبارات أمريكيون في تصريحات نقلتها صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أن يكون التفجير الذي وقع في قاعدة عسكرية إيرانية غرب طهران جزء من حرب سرية تشنها إسرائيل والولاياتالمتحدة لعرقلة قدرة طهران على إنتاج صواريخ تحمل رؤوسا نووية. وكان انفجار ضخم وقع في 12 نوفمبر الماضي في قاعدة عسكرية تبعد 30 كلم عن طهران ، ما أدى إلى مقتل حوالي 17 من عناصر الحرس الثوري بينهم أبو البرنامج الإيراني للصواريخ العابرة للقارات الجنرال حسن طاهري مقدم. وقالت الصحيفة الأمريكية: إن هدف الحرب السرية تلك هو عرقلة القدرة الإيرانية على إنتاج أسلحة نووية، وتجنب ضربة جوية إسرائيلية أو أمريكية من شأنها تحييد التهديد الإيراني أو تخفيفه. ونقلت عن خبير في الشأن الإيراني بمركز دراسات الشرق الأدنى يدعى باتريك كلاوسن قوله إنها تشبه "صيغة حرب القرن الحادي والعشرين" , وأضاف أنها لا تشبه القيام بموجة من الاغتيالات أو حرب إلكترونية بقدر ما هي حملة تخريب معترف بها جزئيا. وأشارت "لوس أنجلوس تايمز" إلى أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها حاولوا لسنوات عرقلة برنامج إيران لإنتاج الأسلحة عبر تمرير قطع غيار غير صالحة أو برامج أو خطط بطريقة سرية ، موضحة أن برنامج إيران النووي واجه عقبات في المدة الأخيرة أبطأت تقدمه. ونقلت عن الضابط السابق في قسم إيران بوكالة المخابرات المركزية أرت كيلر قوله في هذا الصدد :"نحن بالتأكيد من نقوم بذلك ، من الجميل أن تقوم وحدة منع الانتشار النووي في (سي آي أيه ) بما يمكنها من إبطاء برنامج إيران لإنتاج أسلحة دمار شامل". كما أشارت الصحيفة إلى أن مهندسين أمريكيين وإسرائيليين هم من عطلوا سرا الحواسيب الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني عام 2010. مفاجأة "نيويورك تايمز" وفي السياق ذاته , نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مسئولين في المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وخبراء في تكنولوجيا الصواريخ القول في 5 ديسمبر إن الانفجار الذي استهدف منشأة لفحص الصواريخ قرب طهران في 12 نوفمبر الماضي يشكل نكسة لصناعة الصواريخ الإيرانية. وأضافت الصحيفة أن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن المنشأة الإيرانية كانت مركزا رئيسيا لاختبار صواريخ تعمل على الوقود الصلب ، موضحة أن مثل تلك الصواريخ يمكن أن تطلق بشكل فوري , ما يجعلها مفيدة جدا لإيران كوسيلة ردع محتملة ضد هجمات استباقية قد تقوم بها إسرائيل أو الولاياتالمتحدة , كما أن تلك الصواريخ أفضل من نظيراتها التي تعمل على الوقود السائل في حمل الرؤوس النووية لمسافات طويلة. وتابعت " هذا النوع من الصواريخ لا يحتاج إلى شاحنات لتعبئتها بالوقود السائل، ويمكن إطلاقها في وقت قصير، وهو ما يجعلها عصية على التدمير قبل إطلاقها من قبل الدول الأخرى , كما أن هذه الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب أسهل في إخفائها". وفجرت "نيويورك تايمز" مفاجأة مفادها أن من بين النظريات التي تحوم حول أسباب الانفجار الذي وقع في غرب طهران في 12 نوفمبر الماضي هو هجوم باستخدام طائرة من دون طيار , ولذا , فإنه في حال تأكد هذا الأمر , فإن إيران تكون انتقمت من حرب أوباما ونتنياهو السرية بشكل مزدوج , حيث أسقطت طائرة التجسس التي نفذت الهجوم من ناحية وحصلت على تكنولوجيا هذا النوع المتطور من طائرات الاستطلاع من جهة أخرى.