دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    ما حكم ذبح الأضحية في البلاد الفقيرة بدلا من وطن المضحي؟    بورصة الدواجن اليوم بعد آخر انخفاض.. أسعار الفراخ والبيض الأربعاء 22مايو 2024 بالأسواق    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 22 مايو 2024    بالصور.. معايشة «البوابة نيوز» في حصاد اللؤلؤ الذهبي.. 500 فدان بقرية العمار الكبرى بالقليوبية يتلألأون بثمار المشمش    الأزهر ينشئ صفحة خاصة على «فيسبوك» لمواجهة الإلحاد    استشهاد 10 فلسطينيين جراء قصف إسرائيلي على غزة    نتنياهو: لا نخطط لبناء مستوطنات إسرائيلية في غزة    «ما فعلته مع دونجا واجب يمليه الضمير والإنسانية».. أول رد من ياسين البحيري على رسالة الزمالك    النشرة الصباحية من «المصري اليوم».. أيرلندا تعتزم الاعتراف بفلسطين.. وإطلاله زوجة محمد صلاح    فضل يوم النحر وسبب تسميته بيوم الحج الأكبر    إبراهيم عيسى: التفكير العربي في حل القضية الفلسطينية منهج "فاشل"    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    أرقام تاريخية.. كبير محللي أسواق المال يكشف توقعاته للذهب هذا العام    سيارة انفينيتي Infiniti QX55.. الفخامة الأوروبية والتقنية اليابانية    «هساعد ولو بحاجه بسيطة».. آخر حوار للطفلة جنى مع والدها قبل غرقها في النيل    رابط نتائج السادس الابتدائى 2024 دور أول العراق    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    عاجل.. حلمي طولان يصب غضبه على مسؤولي الزمالك بسبب نهائي الكونفدرالية    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    تصل إلى 50%، تخفيضات على سعر تكييف صحراوي وقائمة كاملة بأحدث أسعار التكييفات    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    قبل قدوم عيد الأضحى.. أبرز 11 فتوى عن الأضحية    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طارق حسن عابدين: الشيخ الشعراوي رفض اعتزاله.. وقال له: «أنا هتفرج على مين؟ »
نشر في الوفد يوم 27 - 08 - 2016


- شفيق يا راجل
- أيوه.. يا ابنى شفيق مين؟
- شفيق.. القصير.. التخين.. الطويل؟
- يا ابنى مش عارفه.. فكرنى بيه كده؟
- شفيق ياااا راجل!
نحن الآن عام 1979 أمام العرض المسرحى «عش المجانين»، الجمهور يستعد للوقوف استعدادًا لتحية أبطال العرض، يدخل الفنان حسن عابدين، التصفيق مدوٍ، الرجل من فرط تواضعه يكاد يبكى، وهو بطبعه دمعته «قريبة»، ينحنى احترامًا وإجلالًا وتقديرًا للجمهور، بعد ساعات سيغادر القاهرة، متجهًا إلى السعودية لأداء العمرة، وقد حدث!
بدأ المناسك، يلف بجوار قبر الرسول، اقترب منها، توقف أمامها، جلس بجواره رفع يديه بالدعاء، ودعاء وراء دعاء، دموعه بدأت تتساقط، ومع صوت نحيبه بدأت تنهمر، بعد دقائق اقترب منه حراس الأمن.
من هذا أخى الكريم؟ يرد زميله، بعدما اقترب منه قليلاً: هذا ممثل مصرى، رد: ممثل.. إيش؟
ممثل! ابعده لا تجعله يقترب منه وبالفعل نفذ فرد الأمن الأوامر.
حسن عابدين الآن يُطرد من المسجد النبوي.. لماذا؟ لأنه.. ممثل!
على أول طائرة للقاهرة عاد الرجل مصدوماً، ومهموماً، وحزيناً، والصدمة والهم والحزن جعله يأخذ قراره.
والقرار هو «اعتزال الفن»! فى منزله بمصر الجديدة، رن جرس التليفون، ألوه.. أنا محمد نجم، حمد الله على سلامتك يا أستاذ، جمهورك فى انتظارك. «هه.. هنشتغل إمته»؟ يرد: يا نجم.. لن أعود للتمثيل مرة أخرى.. سأعتزل!
طيب والمسرحية، والنجومية، والستارة، والجمهور، والشهرة، يرد: قلت لن أعود للتمثيل، ابحث عن فنان آخر يؤدى الدور، محمد نجم يحاول تلطيف الأجواء، و«يقلبها» هزار ويداعبه قائلًا «طيب.. وشفيق.. شفيق.. ياااااا راجل»! يرد بلهجة صارمة.. لو سمحت يا نجم.. كل شىء انتهى! ثم وضع السماعة.
مر على هذا القرار 30 يوماً، الرجل لا يفعل فيها إلا تأدية الصلاة فى المسجد والعودة للبيت، وما بين مشوار المسجد والعودة للبيت، لا يوجد فى ذهنه سوى جملة حارس أمن الكعبة، وهو يقول لزميله «ايش ممثل.. شوى جاى يسوى هنا.. ابعدوه من هنا! »
فى هذه الفترة كان يتردد عليه صديقه الحميم الفنان الراحل «ابراهيم الشامى»، وذات يومًا قال له «ما تيجى يا حسن نزور الشيخ الشعراوى، ونصلى معه الجمعة.. طبعاً.. ياريت!
وفى حضرة مولانا الشيخ حكى «ابراهيم الشامى» حكاية حسن عابدين، وقراره باعتزال الفن، تبسم وجه مولانا وقال له «وإذا اعتزلت.. أنا أتفرج على مين؟ » تبسم وجه الفنان حسن عابدين وقال له «يا مولانا.. هو حضرتك بتتفرج علىَّ؟ » طبعاً.. أنت طالما تقدم فنًا يفيد الناس، كلنا بالطبع نشاهده. وأنت إذا تركت مكانك، سيأتى غيرك ويقدم فنا مبتذلاً، لا معنى له.. يا مولانا - الشيخ يقول للفنان - يا مولانا عد لفنك طالما تقدم فيه ما ينفع الناس، أكمل مشوارك، واحكم بنفسك على ما تقدمه، فتهلل وجه «حسن عابدين» فرحاً، فهو يحب التمثيل.. ويحب طاعة الله أيضاً، فى هذا الجو الصادق الودود، يبتسم الفنان ابراهيم الشامى ويقول «خلاص.. يا أبوعلى اطمنت.. فكها بقى يا أخى» ثم قال وهو يضحك «شفيق.. ياااا راجل»! فيضحك الثلاثة معاً، ومن هنا بدأت صداقة الفنان حسن عابدين بالشيخ الشعراوى، والتى امتدت ولم تنقطع إلا بالرحيل.
فى سلسلة حوارات «أبى.. الذى لا يعرفه أحد» فكرت فى الفنان الراحل حسن عابدين، ذلك الفنان الصادق، الذى حارب الفساد، وصنع فنًا واجهه به، فهو الذى سأل من سنوات «مين اللى سرق مصر؟ » سأل ولم يرد عليه أحد، وهو الذى حارب انحطاط الأخلاق فى المجتمع عندما قدم عمله الإذاعى «فى حاجة غلط».. حارب حتى سقط سلاحه ولم يسقط انحطاط الأخلاق، وهو الذى كان يقدم كل ليلة منشورًا سياسيًا عام «1978» من خلال مسرحية «ع الرصيف» يقول: أنا معترف يا سيادة الريس - يقص رئيس المحكمة - معترف بكل التهم..
- أنا اللى زور الدولارات وباعها فى السوق السودة.
- أنا اللى هربت السموم البيضا وحرقت الأوبرا
- أنا المسئول عن الانتخابات وعن الترشيح بالقايمة والنايمة والواقفة والقاعدة.
- وأنا المسئول عن الإسكان والمواصلات والتليفونات.
- والمسئول عن الإكراميات والمحسوبيات والاستثناءات والانتدابات والشرابات والفانلات
- أنا اللى سرقت الونش.. ومتقلش إيه اديتنا مصر؟
تصفيق حاد من الجمهور.. رغم أن ملامحه وجهه تقول لنا إنه «بيدن فى مالطة»!
اتصلت بابنه الدكتور طارق حسن عابدين، وكان يجلس معه شقيقه الآخر خالد، اتفقنا على الحوار، فى الموعد بيننا التقينا، ملامح الابن الأكبر تشبه أبيه تماماً، الأسرة ما زالت تعيش على وصية الأب، الصدق عنوانها، الأمانة منهجها.. البساطة والاعتداد بالنفس، ملامح اكتسبوها والرضا بالمقسوم مطبوعة فى كل أرجاء المكان الذى نجلس فيه فى منزلهم بمصر الجديدة.
قلت للابن طارق: من هو حسن عابدين الأب؟ قال: كان القوة والتواضع، والشدة واللين، والقسوة والطيبة، والنزفزة والهدوء، كان كل هذه الأشياء التى عكس بعضها، كان يبكى مثل الأطفال، ونقف نحن أولاده فى حالة دهشة من مشهد بكائه، قلت وما الذى كان يبكيه أو يدفعه للبكاء بشدة، قال: لو شاهد طفلًا يبكى، لو شاهد رجلًا مسنًا يمد يده، لو شاهد أمًا تحمل أطفالها وتقف تبيع ورق مناديل فى اشارة مرور، لو زار مريضا لو شاهد مشهدا دراميا مؤثرا.. ثم قال: وعندما كان يقرأ القرآن كان يبكى.. وبشدة.
ولد فى محافظة بنى سويف يوم 21 أكتوبر عام 1931 وتوفى فى 5 نوفمبر 1989، بدأ نشاطه الفنى عام 1972 وحقق فى السنوات القليلة التى ظهر فيها ما لم يحققه غيره من نجومية وشهرة، وحب جارف لدى قطاعات كبيرة، أجاد أدوار الأب المصرى الحنون والموظف المطحون والإنسان الذى يبحث عن القيم، والأخلاق، هرب من حكم إعدام صدر ضده، وهو فى سن ال 17 عاماً، بعد انضم إلى المقاومة الفلسطينية عام 1938، وقتل اثنين من الصهاينة، ولم يخرج من المحكمة، الا بعدما هدد فدائى آخر بنسف مبنى المحكمة، إذ لم يفرج عن زميله حسن عابدين، بعدما دخل الفدائى إلى قاعة المحكمة بحزام ناسف، ووقتها أصدر القاضى أمره، بخروج كل من بالقفص، لينجو من حكم الإعدام، فى السينما قدم ما يقرب من 15 فيلمًا وللاذاعة عشرات الحلقات الاذاعية، وللمسرح مئات الأعمال المسرحية.
عدت للابن طارق وقلت له: يسأل الناس.. لماذا ظهر على الساحة متأخراً؟ قال: هو كان يقول: أنا ظهرت فى الموعد والزمن المقدر لى الظهور فيه، فهو كان يؤمن بالقدر خيره وشره، أما من الناحية الحياتية والمهنية، دعنا نعد إلى الوراء قليلًا لنعرف أن «جدى» - أبيه - رفض مبكرًا فكرة التحاقه بالجامعة فى القاهرة، خوفًا من أن يلتحق بالتمثيل، سواء بالدراسة أو بالممارسة، فبعدما أنهى المرحلة الثانوية، فرض عليه «جدى» حصارًا شديداً، حتى لا يغادر للقاهرة، فقال له: وماذا سأعمل هنا؟ رد عليه: ستكون أنت المسئول الأول عن زراعة أرضنا، وبالفعل لم يرفض، رغم أنه قاوم فى البداية، وبدأ يمارس المهام التى طلبها منه أبوه، فهو لم يكن يقبل أن يرفض لأبيه طلباً، قلت له: وحبه للتمثيل ورغبته فى أن يكون ممثلاً؟ رد: تأجل ذلك سنوات، حتى جاءت الفرصة له من خلال فرقة المسرح العسكرى التى كانت تجوب المحافظات، وفى زيارة لها لمحافظة بنى سويف، جلس فى انتظارها، فهو كان عاشقًا للمسرح، وقدم أعمالا كثيرة على مسارح وزارة التعليم منذ طفولته، لدرجة أنه لعب دور الأب وعمره «10» سنوات.
وكيف التحق بفرقة المسرح العسكرى؟ وقتها شاهد المسرحية، ثم بعد العرض طلب منهم الالتحاق بالفرقة، وبالفعل تمت الموافقة، ووقتها شعر بأن حلمه سيتحقق من خلال تلك الفرصة، التى بدأ مشواره معها، ومنها انتقل إلى كبرى مسارح مصر.. لدرجة أننى يومًا كنت معه وأنا طفل ووجدت نفسى أمام يوسف بيه وهبى.. وأذكر وقتها أنه قال لى» والدك ممثل عظيم.. شد حيلك علشان تطلع زيه»! ولماذا لم تعمل - وتشيد حيلك - لتطلع مثل أبيك كما طلب منك يوسف بيه، رد وهو يضحك: لا.. أبى رفض وبشدة.. قلت له إذن فعل معك ما فعله أبوه معك.. قال: بالضبط كده!
- فى المشمش.. يا سى مشمش
- أنا وأنت وبابا فى المشمش
- ارسم لى مرايا.. فى المشمش
- طب قولى أنا جاى فى المشمش
- هات لى البوتاجاز.. فى المشمش
- وسرير هزاز.. فى المشمش
- طب لمبة جاز.. فى المشمش.
كانت هذه الكلمات التى تغنت بها الفنانة فردوس عبد الحميد، التى كتبها الراحل أحمد فؤاد نجم ولحنها «فاروق الشرنوبى» وعرفناها من خلال تترات مسلسل أسامة أنور عكاشة «أنا وإنت وبابا فى المشمش»، هذا العمل الذى لعب بطولته الراحل حسن عابدين.. والذى كان يحارب من خلاله الفساد فى مشروع قرية طعمة السياحية.. ومثلما حارب الفساد، حاول «عابدين» أن يواجه أزمة الإسكان منذ الثمانينات عندما قدم مسلسل «أهلاً بالسكان».. وفى هذا العمل قدم شخصية «عصفور أفندى» المواطن المطحون الذى لم يعد له مكان يعيش فيه من شدة أزمة الإسكان.
عدت للابن طارق، وقلت له: لماذا رفض أن تكمل مشوارك الفنى؟ قال: من قسوة وصعوبة المهنة، ثم تدخل الابن الأصغر خالد وقال: أبى وكل جيله واجه صعوبة شديدة حتى يصل إلى ما وصل إليه، الموضوع لم يكن بالسهولة التى تراها اليوم.. لذلك هو كان رافضاً أن نعمل بالفن حرصاً وخوفاً علينا.
قلت: هل كان راضياً عما وصل إليه من نجومية رغم أنها جاءت له متأخرة؟ رد طارق قائلاً: كان راضياً تماماً.. وموضوع الشهرة والنجومية والنجاح لم يكن يشغله كثيراً، وأنا أذكر ذات يوم خرجت معه للصلاة وكان يرتدى «جلابية وطاقية وشبشب بلدى» «بلغة»، فكنت أقول له: يا بابا مينفعش كده. أنت نجم، فكان ينظر لى ويقول: «يا ابنى يعنى عايزنى أبقى نجم على ربنا»، قلت له لكن نجوميته جعلته البطل الأول والمحبوب فى عالم الإعلانات، رد قائلاً: هذا صحيح.. لكن حتى تعرف علاقته مع الحياة، ومع الفلوس، دعنا نتوقف قليلاً عند مرحلة الإعلان فى مسيرته الفنية، قلت: نتوقف ماذا تريد أن تقول فيها؟ رد: أقول إنه بعد عدة حملات إعلانية ناجحة قام بها، وغير من خلالها شكل ومضمون الإعلان، وجعل الجمهور ينتظره فى الإعلان مثلما ينتظره فى المسلسلات، وقتها انهالت عليه عروض الحملات الإعلانية، وبمبالغ خيالية، وغير مسبوقة، لكنه رفضها.
- هل رفضها بسبب هجوم بعض النقاد؟ قال: هو من الشخصيات التى تحب أن تعمل فى هدوء.. ولا يحب الصراعات ولا المشاكل، ولا الدخول فى مهاترات لا طائل من ورائها، لذلك أعلن توقفه عنها وترك أرقاماً خيالية كانت من الممكن أن تعود عليه منها.
- قلت كيف كان يقضى يومه فى البيت؟ إما عمل أو قراءة عامة أو صلاة.. ونحن كنا - بتعليمات من والدتى رحمة الله عليها - نهدأ ولا نحدث حركة فى البيت، حتى نوفر له الجو المناسب، فهو أب محافظ تماماً، له عادات وتقاليد تعلمها من أبيه.
- تركت الابن وأخاه.. وعدت إلى حديث للفنان حسن عابدين أجرى معه فى مجلة الكواكب منتصف الثمانينيات سأله الزميل الصحفى، لماذا تأخر علينا فى الظهور طيلة هذه السنوات؟ قال: أنا راضى بالتوقيت الذى وصلت فيه، والذى ظهرت فيه، ثم إن «الفقاقيع» التى على الساحة هى التى تصدر المشهد، من الممكن أن تسألنى ولماذا تصعد «الفقاقيع» على السطح؟ فأقول لك المسألة حظ ونصيب، وأنا نصيبى أخذته.. والحمد لله، ثم قال: والمجتمع فى كل المهن والتخصصات يصعد فيه على السطح من لا يستحقون الصعود، ويختفى فيه من يستحقون الظهور»، أترك رأيه فى الكواكب وأعود من هناك إلى هنا.. فى بيته بمصر الجديدة وأسأل ابنه طارق: كيف كانت أيام مرضه وأنت كنت ملازم له فى رحلة العلاج بالداخل والخارج؟ سكت قليلاً ونظر الى أخيه خالد الذى يجلس معنا بعدما جاء لنا لفناجين القهوة، ثم قال طارق: «بعدما شعرنا بقسوة المرض وصعوبة العلاج هنا قررنا السفر إلى لندن، وساعدنا فى ذلك طارق نور وقتها، وأذكر أننى كنت أتلقى باستمرار مكالمات تليفونية من كافة أرجاء الوطن العربى، الجميع يطمئن عليه، لكن كانت مكالمة الشيخ محمد متولى الشعراوى هى الأكثر سعادة لأبى، فالشيخ كان يوماً بعد يوم يتصل ويسأل ويقول لى: «مولانا عامل إيه؟» فأقول لأبى مولانا يقول كذا.. فيبتسم، ويقول: «بارك الله لنا فى الشيخ.. بقى أنا برضه اللى مولانا».. ثم يسكت طارق بعض الوقت بعدما يجول ببصره فى المكان الذى نحن فيه، متفحصاً صوره المعلقة على الحائط، يوم الوفاة.. جاء الطبيب وبدأ يراجع التحاليل والتعليمات ومسار الأدوية، وكنت أنا أترجم لأبى.. ولحظة بعد لحظة.. ودقيقة بعد دقيقة.. بدأ أبى لا يسمع للطبيب ولا يسمع لى..
- قلت هل دخل فى غيبوبة؟ قال: الحقيقة أعتقد أنها ليست غيبوبة بالصورة المعتادة، إنما تستطيع أن تقول إن الروح كانت فى طريقها لتسليم الأمانة إلى خالقها.. صحيح هو لا يسمعنا.. أقول: بابا.. فلا يرد، يا حاج فلا يسمع، يا مولانا.. لا يتحرك له ساكناً، فأدركت - أو تخيلت - أنه يموت والروح تخرج منه فى تلك اللحظة، فألهمنى ربنا أن استنطقه الشهادة.. فوجدته يردد معى.. ثم سكت.. ومات.
يسكت طارق ويتركنا خالد فى تلك اللحظة، وشعورى أنه تذكر لحظات قاسية على نفسه.. ثم عاد طارق وقال: جلست فى الحجرة لا أعرف ماذا أفعل؟ كنت ما زلت شاباً، وخبرتى بالحياة قليلة، والموقف بالنسبة لى كان صعباً، ووسائل الاتصالات لم تكن كما نراها الآن، ثم فجأة رن جرس الغرفة، رفعت السماعة.. ألوو.. السلام عليكم.. صحة مولانا عاملة إيه.. يا الله.. هذا صوت الشيخ محمد متولى الشعراوى.. قلت: البقاء لله يا فضيلة الشيخ.. كان هو أول من اتصل بى بعد الوفاة بدقائق.. وكأنه كان يشعر بنهاية حياة أبى، عدنا للقاهرة.. وكان فى انتظارنا.. ومن المطار إلى المسجد.. عشرات بل مئات المصلين.. يتقدمهم الشيخ الشعراوى ليصلى عليه، قلت.. رحم الله الشيخ والفنان!
- «إن خروج الجنس البشرى من هذه الدائرة المغلقة.. متوقف على خلاص حارة المناديللى.. يا حضرات.. وبالدرجة الأولى متوقف على خلاص العالم الثالث الذى هو متوقف على كل ما يعانيه كل واقع الجنس البشرى» تلك الكلمات كانت رسالة من رياض عبدربه مدرس الفلسفة الذى لعب دوره الراحل حسن عابدين عام 1983 فى مسلسل «نهاية العالم ليس غداً» فهل استمع له أحد.. وهل التفت له أحد.. وهل يتذكر كلماته أحد.. عاش ومات حسن عابدين يحاول تصحيح مصائرنا.. ويضبط درجة نظر بصائرنا.. ويحاول إحياء ضمائرنا.. لكن فيما يبدو رحل الرجل.. ونحن ما زلنا - كشأن سكان العالم الثالث - لا نعرف أننا بأيدينا نحفر مقابرنا.. قلت للابن طارق.. ماذا تقول له فى كلمات: أقول.. هذا ليس زمنك.. وهذه ليست أيامك.. وهذا الذى نراه ليس الفن الذى نعرفه.. فأنت عشت فى وقتك.. ورحلت فى الوقت المناسب.. فمثلك لا يعيشون بيننا اليوم.. قلت: معك حق فيما تقول، وربما كلماته التى قاله فى مسلسل «أهلا بالسكان» تؤكد هذا المعنى أليس هو القائل بإحساس صادق:
- لفيت وجيت وهسكن
- مش لاقى حل تاني
- إيه يعنى خلاص يا عالم
- خلاص مفيش مكان..
وبالفعل.. رحل حسن عابدين.. وهو يدرك أنه ليس له مكان بيننا اليوم.. فنحن نكذب.. وهو صادق، ننافق.. وهو واضح، نداهن.. وهو يكشف، نهادن.. وهو يصرخ، نقول الباطل.. وهو يقول الحق، لذلك رحل وتركنا مع الباطل.. ليسكن هو فى دار الحق ونظل نحن فى مشاوير حياتنا نتأرجح بين الباطل والحق.. مفروض علينا الاختيار.. أما هو فقد اختار..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.