رحلة رغيف الخبز إلى «النحافة» رحلة شاقة مليئة بالفساد وانعدام الضمير والوازع الأخلاقى لدى بعض أصحاب المخابز ولا يحكمها سوى قانون قديم يفرض غرامة على المتلاعبين ولصوص الخبز و«حرامية الميزان» تقدر ب 100 جنيه فقط!! هذه الكارثة المدوية فتحت الباب على مصراعيه أمام اللصوص دون رقيب أو خوفًا لتتضخم «كروشهم السمينة» على حساب البطون الخاوية تحت سمع وبصر مسئولى وزارة التموين. ولم يكتف أصحاب المخابز بخفض وزن رغيف الخبز من قبل وزارة التموين من 130 إلى 110 جرامات، بل تمادوا فى تقليصه، لينخفض الوزن إلى ما بين 70 إلى 85 جراماً، ومع صدور قرار يتيح لأصحاب المخابز التى تنتج الخبز المدعم أن تنتج خبزاً حراً بالمواصفات التى يراها، أصبح بإمكان صاحب المخبز تخفيض وزن الرغيف، دون الخوف من تحرير محضر. «الوفد» تجولت بين العديد من المخابز، واكتشفنا أن وزن الرغيف 85 جراماً، علمًا بأنه من المفترض أن يكون 110 جرامات، كما اكتشفنا حيلاً أخرى أكثر ذكاءً وهو إنتاج خبز يزيد وزنه 40 جراماً على الوزن المطلوب، ليصل إلى 150 جرامًا بدلًا من 220 جرامًا ويقومون ببيعه بضعف الثمن، بعد سرقة 70 جراماً من كل رغيف. أحد العاملين بالمخابز فى محافظة الجيزة، رفض ذكر اسمه، أكد أن أى مخبز يلتزم بمطابقة الوزن فى الساعتين الأولى والثانية من ورديات عمل المخابز، التى تشهد مرور مفتشى التموين، فى بعض الأوقات، وبعدها يتم تخفيف وزن الرغيف، فبدلًا من أن ينتج الجوال الواحد، 1250 رغيف خبز، ينتج نحو 1500، كما أنه يتم استخراج الخبز ناقص تسوية بنسبة 10% أو أكثر يجعل وزنه ثقيلاً، ومن طرق التلاعب أيضًا التى تجعل الرغيف ثقيلاً هو زيادة نسبة المياه أثناء عجين الخبز، بالإضافة إلى أن اضافة الردة للدقيق أثناء العجن تجعل الخبز ثقيلاً على الميزان، ولذا تجد الرغيف أكثر استمرارًا من الداخل. شكوى قلة وزن الرغيف لم تقتصر على محافظة الجيزة، بل امتدت إلى معظم أنحاء الجمهورية، حيث تعالت صرخات المواطنين دون أن تجد من يسمعهم، فيقول على أحمد، موظف، إن منظومة الخبز لم تتغير كثيراً، حيث تحول اللصوص من سرقة الدقيق إلى سرقة وزن رغيف الخبز، مؤكداً أن وزن الرغيف قل كثيراً، والجودة انخفضت، معللاً ذلك بأن المخابز فى المنظومة الجديدة تعمل على حساب عدد الأرغفة، وأصحاب المخابز يستفيدون من نقص وزن الرغيف. استغاثات المصريين استنجد المصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعى بوزارة التموين، مطالبين بسرعة اتخاذ القرارات العاجلة للحفاظ على رغيف الخبز الذى يسرق أمام أعينهم. ووجه أيمن توفيق، من محافظة القاهرة، رسالة إلى وزارة التموين موضحًا أن وزن رغيف الخبز فى المنظومة الجديدة يباع فى المخابز الموجود بمنطقة المشروع الأمريكى بمجاورة 6 حلوان محافظة القاهرة أقل من الوزن المفروض، فهو لا يزيد على 80 جرامًا والمعروف أنه يجب ألا يقل عن 110 جرامات، أرجو متابعة الشكوى لأنه رغيف الغلبان. ومن جسر السويس، كتب على أحمد، عبر فيس بوك، قائلاً: «إن عدم وجود رقابة على وزن الرغيف المدعم جعلت أصحاب المخابز يسرقون رغيف العيش من المواطن، حيث إن وزن الرغيف الذى يباع فى الفرن لا يتعدى 60 جراماً، وأضاف: إن قلة المخابز التى تستخدم ماكينة الكارت الذكى جعلت صاحب الفرن يسرق فى الميزان، فطالب بزيادة عدد المخابز التى توزع الرغيف المدعم حتى تحدث منافسة بين الأفران على جودة رغيف الخبز، وتتاح الفرصة أمامه ليختار المخبز الجيد يشترى منه، ولكن نظراً لعدم وجود سوى فرن واحد فى بعض المناطق لتوزيع العيش المدعم مما يفتح باب الاستغلال أمام أصحاب المخابز. ضعف الرقابة يقول العربى أبوطالب، رئيس اتحاد مفتشى التموين، إن منظومة الخبز الجديدة شملت العديد من الثغرات، كما أن الرقابة التموينية على مستوى مصر ضعيفة جداً، ليست فى الأداء ولكنها فى العدد، مشيرًا إلى أن عدد المفتشين على مستوى مصر 13 ألف مفتش، المستخرج لهم الضبطية القضائية وممارسة العمل قانونياً، وتحرير المحاضر اللازمة، فى حالة ضبط مخالفات، عددهم سبعة آلاف وخمسمائة مفتش، فيما يتحول هذا العدد عند تشكيله إلى لجان قانونية والتى تكون ثلاثية، إلى 2500 لجنة، مؤكداً أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يسيطروا على 7 إلى 8 ملايين سوق مرخص، والمخابز منهم البقالة. كما أن تسييس العقوبات أدى إلى استهانة المراقب بالرقيب، وأشار إلى أن مخالفة انخفاض وزن الرغيف العيش مائة جنيه، وهذه العقوبة ليست رادعة لصاحب المخبز، مضيفًا أننا ما زلنا نعمل حتى الآن بالقانون التموينى رقم 163 لسنه خمسين، وهذه القوانين كانت رادعة فى تلك الفترة، ولكن اليوم أصبحت تلك القوانين ليست لها قيمة، مشيرًا إلى أن قيمة المائة جنيه فى الخمسينيات كانت تقصم ظهر مُلاك أصحاب الأفران ولكن اليوم أصبحت العقوبة تمثل ثمن علبتين سجائر، على حد وصفه، فأصبحت هناك استهانة بالعقوبة، مما فتح باباً للمخالفات والتربح والكسب. وأضاف: إن صدور القرار بالسماح لأصحاب الأفران التابعة لوزارة التموين والتى تنتج العيش المدعم أن يجوز لها أن تشتغل تنتج خبزاً حراً بالمواصفات التى تراها فى السوق، فتح المجال للتلاعب، حيث يقوم صاحب الفرن بالمخالفة وخلط العمل التموينى بالعمل الحر، فأصبح مفتش التموين غير قادر على أخذ المخالفة والضبطية القانونية، لأن صاحب المخبز يستطيع وقت ضبطه بالمخالفة يقول أنا الآن أنتج خبزاً حراً وليس تموينياً. وأشار أبوطالب، إلى أن وزير التموين ترك لأصحاب المخابز فرصاً عديدة للتربح عن طريق المنظومة، وأن الباب سيكون مفتوحاً أمام أصحاب المخابز لتقليل وزن الرغيف إذا لم تكن هناك حملات قوية من قبل الوزارة لمنع ذلك. ولفت إلى أنه فى ظل غياب الرقابة على المخابز يقوم بعض أصحاب المخابز بالتلاعب فى ماكينات الصرف على خلاف الحقيقة، فضلاً عن أن الماكينات تتعطل كثيراً، وينتج عنها زحام شديد أمام الأفران ويتم سرقة الأكواد الخاصة بالبطاقات، لإصدار بطاقات مماثلة، واستغلالها فى شحن «ماكينات» أصحاب المخابز، لصرف قيمة العائد المادى المخصص لدعم رغيف الخبز. يذكر أن قبل تطبيق المنظومة الجديدة، كان أصحاب المخابز يحصلون على الدقيق المدعم مقابل 16 جنيهًا للجوال الذى يزن 100 كيلوجرام، وكان يباع رغيف الخبز مقابل 5 قروش، وعملية السرقة الوحيدة التى تتم عبر هذه الآلية، تتمثل فى قيام أصحاب المخابز ببيع جزء من حصة الدقيق. وفتحت منظومة الخبز الجديدة، الباب لعملية سرقة أكبر بكثير مما كانت عليه فى الماضى، حيث يتم صرف الجوال الواحد وزن ال 100 كيلوجرام حاليًا بسعر 260جنيهًا، ومن المفترض أن معدل إنتاج الجوال الواحد 1250 رغيفًا، ويتم بيع الرغيف مقابل 5 قروش أيضًا، ويتم صرف 24.5 قرش من هيئة السلع التموينية التابعة لوزارة التموين مقابل كل رغيف خبز تنتجه المخابز. وتتم آلية السرقة فى المنظومة الجديدة عبر عدة عمليات، تبدأ بشحن الرصيد فى ماكينات أصحاب المخابز، عن طريق الكروت المستبدلة أو الموجودة لدى البقال، التى تسهم فى النهاية فى رفع حصة الدقيق للمخابز، وكذلك قيمة الدعم عن الأرغفة الوهمية التى يفترض أنها ذهبت للمواطنين.