منذ عدة أيام شاهدت ندوة تضم ستة من مرشحي الحزب الجمهوري الأمريكي وكلهم سياسيون قدامي وحكام ولايات يختار الحزب منهم في الانتخابات الرئاسية القادمة أمام باراك أوباما وخلاصة إجاباتهم جعلتني أتساءل أمام الجهل والغباء فيما قالوا حتي إن أحدهم استهدف الأمريكيين المسلمين علي أنهم أعداء لأمريكا ويجب مراقبتهم والتنصت علي هواتفهم. كيف أصبحت الولاياتالمتحدة أقوي قوة عسكرية واقتصادية وسياسية في تاريخ البشرية وأصبح زعيم البيت الأبيض يحكم العالم وقراراته تسري علي الجميع والأسبوع الماضي شاهدت حلقة الكوميدي ديف لترمان وهو يستضيف في برنامجه الشهير كونداليزا رايس وسألها صراحة هل جورج بوش الابن بهذا الغباء الفج أم يبدو هكذا فقط؟ ووجدت إجابتي فيما كتبته عشرات المرات عبر الستين في مقالات نشرتها في جريدة الأخبار ثم آخرها في المصري اليوم في عام 2008 وتحديداً في 14 يناير ناشدت فيها رئيس البلاد وقتها وضع دستور جديد محترم يعطي الشعب كافة السلطات ويحرم كرسي السلطان سلطاته غير الطبيعية في مقدرات العباد ورجعت إلي بنجامين فرانكلين فيلسوف الثورة الأمريكية عندما سأل زعماء الثورة عن شكل الدولة الجديدة هل تريدونها استبدادية فرفضوا وأصروا علي ديمقراطية الدولة فأجاب هي دولة مؤسسات الفرد فيها أقوي من الحكومة وكان الدستور الأمريكي الذي جعل سلطات المجالس النيابية أقوي من سلطات الحاكم وهذه هي عظمة أمريكا. ثورة الشباب في 25 يناير كانت ثورة علي حاكم استبدت به نشوة الكرسي وأراد أن يعطيه لابنه فكانت الإطاحة به في حماية جيش مصر وكان لابد وقتها فوراً من كتابة دستور جديد محترم يبني دولة قائمة علي الشرعية. ليس الغرض من الثورة استدال استبداد بآخر وليس المقصود أن الصوت العالي والعنف هو الفائز ورأيه سيف علي الجميع لأن طوال ستين عام من حكم الدكتاتورية بدءا من الذي اخترعها جمال عبدالناصر الذي كانت سلطاته تفوق أية نظام استبدادي في كل تاريخ البشرية وكل قراراته التي مست أقدار شعبه أخذها منفرداً لأنه كان لا يؤمن بأية نمط من أنماط الديمقراطية وهو الذي اخترع تحالف قوي الشعب العامة وهو الذي ملأ المعتقلات بكل ألوان الطيف من التيارات السياسية وطبق عليهم بشراسة التعذيب بكل ألوان الطيف مما أدي إلي وفاة الكثيرون منهم واسألوا الإخوان واسألوا أهل اليسار ومعظمهم مازلوا علي قيد الحياة. كل قراراته الفاشلة انتهاء بحرب اليمن وهزيمة 67 كانت قراراته وحده مع هذا جاءت جنازته بها خمسة ملايين مصري يلطمون الوجوه ويشكون اليتم بعد رحيله وإذا سألتهم عن السبب يقولون انه كان نصير الغلابة ويأخذ أموال الأغنياء ويعطيها للفقراء!! مازال جموع كبيرة من الشباب يحملون صور وشعارات عبدالناصر ولهم مرشح للرئاسة ومعظم الإعلاميين يفخرون بناصريتهم. كل هذا يجعلني اتساءل عن الوعي السياسي الشعبي ومدي عمقه ليصب في مصلحة مصر في النهاية. الأصوات التي خرجت بالآلاف إلي التحرير تطالب المجلس العسكري بالرحيل لها كل احترامها والأسماء التي طرحتها لتولي السلطة لها كل احترامها ولكن كل هذه الآراء من التحرير إلي العباسية ينقصها شرعية أصوات 85 مليون مصري والشرعية الحضارية تأتي من صناديق الانتخاب فقط لا غير والذين خرجوا ومازالوا في التحرير يخشون فوز الإسلاميين في الانتخابات وخروجهم إلي الميدان بغرض إفساد الانتخابات النيابية لا غير وعدم مشاركة الإخوان في مظاهرات التحرير هو تمسكهم بميعاد الانتخابات التي يثقون بأنها ستأتي بغالبية إسلامية والفيصل في هذا هو صوت 85 مليون مصري بلغوا سن الرشد ولا يقبلون بوصاية أية تيار طالما ان الانتخابات نزيهة وهذا المجلس سوف يليه الدستور الذي يحدد شكل الجمهورية الجديد ونوعية الدولة وسلطات الرئيس وبعدها وقبلها يتحمل الشعب نتائج اختياراته. هذه هي الديمقراطية الحقيقية وهي ليست بجديدة علي هذا الشعب فقد سبق أن قام بأعظم ثورة في التاريخ الحديث بزعامة سعد زغلول عام 1919 وتحولت بعدها مصر من سلطنة إلي ملكية دستورية وجاء دستور 23 وبعد انتخابات أتت بأغلبية وفدية شكلت أول وزارة برئاسة سعد زغلول وباقي التاريخ معروف. الرأي والرأي الآخر هما أساس الديمقراطية، والاثنان محترمان والكلمة الحقيقية للشعب المصري بأكمله ليختار بين الوفدي والإخواني والليبرالي والشيوعي والعلماني والملحد والمسيحي والمسلم والمرتزقة وكلمة الشعب لابد أن تكون العليا لكي يعود الأمن والاستقرار والتحضر والعقلانية لهذا البلد الآمن بإذن الله. ---------- د. حسن شوكت التوني hassan s