الخطوط الحمراء أصبحت فى مهب الريح داخل أروقة محاكم الأسرة، حيث تدهورت الأخلاق وتحول الشرف إلى لعبة فى أيدى بعض الازواج، يستغلونه «ببجاحة» أمام محكمة الأسرة لاتهام الزوجات بالخيانة وشراء شهود زور لإثبات هذا الادعاء. باع الزوج شرف بيته وعرى كرامته للهروب من النفقة الزوجية، حيث أكدت إحصائية حديثة أصدرتها مكاتب تسوية المنازعات فى محاكم الأسرة، أن عدد الدعاوى الكيدية التى أقامها الأزواج ضد زوجاتهم واتهموهن فيها بالخيانة والزنا، وأثبتت التحقيقات عدم صحتها وصلت ل3 آلاف دعوى خلال العام الحالى 2016. وقد يلجأ الأزواج ايضا الى التزوير فى مفردات مرتبه للهروب من حقوق زوجته وأولاده المادية. حيث رصدت محاكم الأسرة خلال عام 2015 أن إجمالى دعاوى النفقة التى حرمت السيدات وأطفالهن من حقوقهن المالية بسبب تزوير مفردات المرتب الخاصة بالأزواج، وصلت 11 ألف دعوى. وتابعت الإحصائية رصدها لأحكام النفقة التى تم الاستئناف عليها وثبت كذب الأزواج، حيث تراوحت الفئة الأكبر من التزوير فى الطبقة العليا التى تتقاضى شهريا ما بين (20 -50) ألف جنيه، وما فوق ذلك بنسبة 35%، والفئة التى تتقاضى ما بين (5-10) آلاف جنيه بنسبة 20%، والفئة التى تتقاضى ما بين (1000-5000) آلاف بنسبة 30%، والفئة التى تتقاضى (1000 - وما أقل) بنسبة 15%. نحن اليوم أمام ظاهرة خطيرة تفشت فى الشخصية المصرية الذى كان مشهودا لها بالنخوة والغيرة، حيث تحول الزوج الى تاجر يفاصل ويراوغ فى دفع مستحقات الزوجة، ووصل الامر الى قيامه بدفع أموال لشهود زور لإثبات اتهامات باطلة، ومنها الخيانة لإسقاط الحضانة عنهن والتهرب من دفع النفقة، وقد يلجأ البعض لاستخدام هذا الأسلوب بهدف الانتقام من زوجاتهم بسبب خلعهم. أغرب دعاوى الزنا أكد أحمد مصطفى رئيس نيابة الأسرة بمحكمة جنوبالقاهرة، أن هناك العديد من الدعاوى التى يزعم فيها الزوج خيانة الزوجة أو سوء معاملتها للأولاد أو تقصيرها فى حقوقه، وذلك للهروب من حق الزوجة فى المؤخر والمتعة، أو تمكينها من مسكن الزوجية. وقال رئيس النيابة. «إننا أمام أزمة أخلاقية كبيرة، الماديات فيها سحقت القيم». وعن هذا النوع من القضايا، يتذكر المستشار أحمد مصطفى رئيس نيابة الأسرة بمحكمة جنوبالقاهرة، واقعة حاول فيها الزوج وهو رجل أعمال شهير أن ينتقم من زوجته بعدما علم انها أقامت دعوى طلاق ضده، وذلك عن طريق دفعها للجنون وإصابتها بأمراض نفسية وعقلية. يرعبها بالأشباح ليتهمها بالجنون قال رئيس النيابة إن الزوج رجل الأعمال كان يبلغ زوجته بأنه مسافر الى تايلاند ويقوم بالاتصال بها من خارج مصر بالفعل، ثم يأتى للفيلا التى تسكنها ليلا وبالتعاون مع بعض المستأجرين وحارس العقار، يقومون ببث الرعب فى نفس زوجته بإشعال مفرقعات واستخدام صور متحركة لأشباح، حيث كان الزوج يقوم باستخدام مجسمات صوت وبعض الخدع البصرية لجعلها تظن أنها مجنونة، حيث جعلها تشعر بأنها داخل فيلم رعب حقيقى، وبالفعل نجح الزوج فى إدخالها مرتين الى المصحة النفسية . وكل ذلك للانتقام من زوجته عندما علم بأنها تقدمت بدعوى طلاق، حتى يزعم بأنها غير سوية وغير أهل لحضانة الأطفال. يوصى خادمة لضرب أولاده لإلصاقها بزوجته قضية أخرى برأت فيها المحكمة الزوجة من اتهام زوجها الكيدى لها، حيث اتهمها بالاعتداء على أطفالها، حتى يتمكن من تطليقها والاحتفاظ بحضانة الأطفال، فلا يضطر لدفع نفقات الحضانة ،فى حال تم ضم الأطفال لحضانته بعد الطلاق. فصول البلاغات الكيدية التى ساقها الزوج لإثبات أن تصرفات زوجته غير طبيعية، بحيث لا يمكن أن تستأمن على أطفالها، بدأت عندما ادعى أكثر من مرة محاولتها الانتحار. ومرة اخرى ادعى بأن زوجته طردته من المنزل، استدعى الشرطة طالبا تمكينه من دخول المنزل، كما أوعز إلى الخادمة بأن تدعى للشرطة بأن الزوجة قامت بضربها وضرب أطفالها وهى فى حالة انفعال وعصبية شديدة. أطفال بلا مستقبل ورأى العلم استطلعت «الوفد» آراء بعض المختصين فى علم النفس والاجتماع حول ظاهرة انتشار البلاغات الكيدية بين الأزواج، لبيان سببها ومعرفة خطورتها على المجتمع. قالت الدكتورة «عزة كريم» أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية إن أى ظواهر غير طبيعية تحدث فى المجتمع تأتى نتيجة متغيرات، بمعنى أن العلاقة الزوجية الآن اصبحت غير سوية لأن الزواج نفسه لا يقوم على اساس سليم. حيث اختيار الزوج الآن يكون بالنظر على قدراته المادية أكثر من النظر الى مدى التوافق الفكرى والاجتماعى والأخلاقى. لافتة بأنه من الممكن أن نجد شابا متعلما ومتدينا لكنه لا يمتلك شقة، لأن المجتمع لا يعطيه فرصة عمل مناسبة لحياة كريمة. وأشارت «عزة» إلي أن أغلب الزيجات الفاشلة بسبب علاقة الندية بين الطرفين، والتى وصلت لمرحلة العناد الشديد، مما يتسبب فى خلق عقد نفسية للأطفال، لافته بأن نسبة كبيرة من أبناء المطلقين لا يعرفون كيف يمارسون حياتهم الزوجية بشكل طبيعى فيلجأون الى الطلاق مثل والديهم. وعن سبب لجوء البعض الى البلاغات الكيدية، أوضحت «عزة» أن قانون الأحوال الشخصية هو السبب فى ذلك، موضحة أن القانون يأتى فى صالح المرأة أكثر من الرجل. وطالبت بإجراء تعديلات على قانون الاحوال الشخصية لتحقيق العدالة للطرفين، وقالت «عندما يشعر أحد الأطراف بالظلم وأن القوانين لا تنصفه يفكر فى الانتقام من الطرف الآخر بنفسه». وأوضحت أنه لا بد من تعديل قانون تمكين الزوجة من مسكن الزوجية، قائلة «إنه لا يعقل أن تأخذ الزوجة الشقة بجميع الاثاث دون أن يوفر القانون مكانا بديلا يسكن فيه الزوج، لذلك يشعر بعض الأزواج بالظلم خاصة إذا كانت هذه الشقة هى كل تحويشة عمره». ومن ضمن القوانين التى ترى «عزة» ضرورة تغييرها قانون الرؤية، موضحة ان رؤية الاب لأطفاله لمدة ساعة فى الأسبوع لا تكفى لتربيتهم، وترى استاذة علم الاجتماع انه من حق الأب أن يرى الطفل ويقيم معه يوما فى الاسبوع، ومن حقه أيضا أن يرى أهل والده، وذلك لخلق «التوازن» فى حياة الأطفال، كما أنه يجب أن تكون الحضانة لمدة 12 سنة فقط بدلا من 15 حتى لا تنجح الأم فى شحن الاولاد ضد الزوج. ليقوم الأطفال باختيارها هى لاستكمال حياتهم معها. وقالت عزة إن الإنسان عندما يأخذ حقه لا ينتقم، مشيرة إلي أنه في حالات التطليق أمام المحاكم يفكر كل طرف فى الحصول على أكبر قدر من المكاسب من الطرف الآخر، لذلك يلجأ بعضهم الى شهود زور بعدما فقد المجتمع الجانب الأخلاقى. وناشدت بضرورة وضع عقوبة كل من يقوم ببلاغ كيدى وهى بأن يفقد حقه . واختتمت عزة حديثها قائلة: إذا ساد الظلم داخل الأسرة يسود داخل المجتمع ... والحفاظ على الأسرة يكون بالقوانين والعدالة، موضحة أنه من يلجأ للانتقام من زوجته سيلجأ له للانتقام من زميله ومن المجتمع، ومن يقبل شهادة زور فى موقف سوف يشهد زورا فى جميع حياته ومن هنا يفسد المجتمع. وعن الجانب النفسى لما يمر به الأطفال فى هذه المواقف، قالت الدكتورة منال عاشور أستاذة الطب النفسى إن اهتزاز صورة الأب والأم اللذين يمثلان قدوة لأطفالهما تتسبب فى خلق شخصية منعدمه الثقة بالنفس وفى الآخرين، ونظراتهم لنصائح الكبار تكون مصدر تشكيك بسبب البلاغات الكيدية والاتهامات الكاذبة التى يلقيها كل طرف على الآخر أمام أولادهم. وأوضحت أستاذة الطب النفسى أن الأطفال عندما تتراجع صورة الأسرة وسلطاتها أمامهم، يلجأ الأطفال الى مصادر معلومات مهتزة كالأصدقاء أو الميديا، وفى هذه الحالة يكون سهل التأثير عليهم. وأشارت إلي أنه قد يتخذ مثلا قدوة له شخصية درامية سيئة كشخصية محمد رمضان فى مسلسل الأسطورة. وأضافت عاشور ان غياب القدوة وانعدام الثقة فى شخصية الأطفال بسبب اهتزاز صورة الوالدين أمامه، يؤدى الى خلق جيل من الأطفال عدوانى ثم يتحول الى جيل كاره للمجتمع فى مرحلة الشباب.