أكدت تجربة القطاع السياحى خلال العامين الماضيين أن السياحة الداخلية أصبحت تمثل نمطاً من أنماط السياحة الواجب الاهتمام بها بعناية بعدما أثبتت الأرقام تزايد معدلات السياحة الداخلية كنسبة من إجمالى الحركة السياحية فى مصر، كما أثبتت الأرقام تزايد معدلات الإنفاق على الإقامة فى الفنادق والمنتجعات السياحية وكذلك الإنفاق على الطيران الداخلى والانتقالات بصفة عامة وأهم من كل ذلك يوجد اتجاه واضح لخروج السياحة الداخلية من دائرة إجازات الأعياد والمناسبات فقط لتصبح موجودة وقائمة طول العام، فلم تعد ظاهرة موسمية كما كان الحال من قبل. غياب السياحة الدولية وفى نفس الوقت وفى غياب السياحة الدولية بسبب الأوضاع الأمنية وبعض الحوادث التى أصابت السياحة مباشرة كحادث الطائرة الروسية وحادث استهداف أحد الفنادق بالقاهرة وغيرها، فقد برزت السياحة الداخلية كبديل ولو بنسبة بسيطة للسياحة الدولية لذلك أصبح هناك تزايد فى الاهتمام والترويج لها من جانب الفنادق والقرى السياحية، وقد ساعد أيضاً فى عملية الترويج اهتمام هيئة تنشيط السياحة وبعض الشركات المتخصصة فى تقديم عروض وبرامج منخفضة التكاليف للمواطن المصرى بهدف تنمية هذا النمط السياحى باعتباره نمطاً واعداً يمكن تنميته لنصل بحجم السياحة الداخلية إلى أضعاف ما هى عليه الآن. تفعيل السياحة الداخلية ومن المعروف أنه فى السنوات الماضية كانت معظم الفنادق والقرى السياحية تتجنب التعامل مع السياحة الداخلية لاعتبارات مختلفة لعل أهمها عدم التجانس بين متطلبات السائح المصرى ومتطلبات السائح الأجنبى بالإضافة إلى مخاوف من جانب الفنادق من بعض السلوكيات والعادات التى يمكن أن تؤثر على السياحة الدولية الوافدة إليها. ولا شك أن الكثير من تلك المخاوف لها أساس من الواقع، فوسائل التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» كثيراً ما تنشر صور وأخبار السلوكيات وممارسات سيئة وغير مقبولة فى أى منتجع سياحى، وتحدث من البعض وليس الكل وأغلبها تتعلق بسلوكيات التعامل مع الأجانب والملابس التى لا تليق بطبيعة المنتجعات الشاطئية بالإضافة إلى سلوكيات خاصة تحدث داخل المطاعم والغرف الفندقية وهو ما يشكو منه أصحاب الفنادق فى كافة المنتجعات السياحية، مما يؤكد ما تتناوله مواقع التواصل الاجتماعى من أن الكثير من السائحين الأجانب، بل وبعض السائحين المصريين يشتكون من تلك السلوكيات والضوضاء التى يقوم بها البعض. والحقيقة أنه لا يمكن إلقاء اللوم على السائح المصرى فقط فجميعنا يعلم أن السياحة الداخلية فى مصر ما زالت فى مراحلها الأولى وأن ثقافة السياح والسلوكيات الإيجابية المطلوبة ما زالت غريبة عن الكثير من الذين لم يمارسوا السياحة الداخلية من قبل، فلا يجب إلقاء اللوم الدائم عليهم، بل يجب تشجيعهم على ترك السلوكيات السلبية والالتزام بالسلوكيات الإيجابية الحضارية التى تتطلبها صناعة السياحة وبالمعايير العالمية لتلك السلوكيات وحتى يتحقق ذلك، فلابد لجميع أطراف العملية السياحية أن يقوم كل طرف منهم بدوره فى عملية التوعية، بدءاً من شركة السياحة التى تنظم البرنامج بأن تقوم بعمل برنامج للتوعية قبل بدء الرحلة ليبين السلوكيات الإيجابية الواجب الالتزام بها، وكذلك السلوكيات السلبية الواجب تلافيها والفنادق والمنتجعات السياحية عليها دور مهم جداً فى توعية النزلاء لدى استقبالهم فى بداية مدة الإقامة من خلال جولة سريعة لبيان مرافق الفندق المختلفة من مطاعم وصالونات وشواطئ وحمامات سياحية وغيرها، وشرح أى اشتراطات خاصة بالملابس والسلوكيات والالتزام بتعليمات الإدارة فيما يتعلق باستخدام مرافق الفندق المختلفة. وهذا ما لم يحدث مع السياحة الداخلية، والمحزن أن البعض استغل حداثة المواطنين المصريين بالسياحة لتكون مادة للسخرية والتسلية على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» بمبالغة شديدة مما يسىء إلينا كمصريين ويسىء أكثر إلى مقاصدنا السياحية فى الخارج، خاصة أنها يتم تداولها فى الخارج على الإنترنت. وبنظرة سريعة إلى شعوب وجنسيات أخرى، نجد أن جميع شعوب العالم قد مرت بنفس المرحلة التى تمر بها السياحة الداخلية المصرية الآن، فهل تتذكرون كيف أن الأوروبيين كانوا يسخرون من السياح الأمريكان وسلوكياتهم فى سنوات الستينات والسبعينات وهل تتذكرن السياح اليابانيين كانوا يدخلون إلى الفنادق، فيفترشون الأرض تاركين المقاعد؟ الكثير من الشعوب التى نعتبرها شعوباً راقية سياحياً الآن مرت بنفس مراحل التطور التى تمر بها السياحة الداخلية المصرية. وبالرغم من السلوكيات السلبية ما زالت موجودة بدرجة ما، فإن هناك من يستغلونها ويبالغون فى استخدامها للإساءة بصورة السياحة فى مصر. التوعية ولا شك أن حملات التوعية الموجهة للمواطنين والتي تستخدم وسائل ووسائط مختلفة لتوصيل رسالة التوعية هى ضرورة حتمية للتغلب على الظواهر السلبية والقضاء عليها، ويجب أن تخاطب هذه الحملات جميع فئات المواطنين، وخصوصاً الأطفال والشباب حتى يتشبعوا بثقافة السياحة منذ الصغر، وإذا نظرنا إلى تجربة بعض الدول الأخرى فى هذا المجال نجد بعض النماذج الناجحة التى حولت سلوكيات المواطنين من سلبية إلى إيجابية بل نموذجية وربما يكون على رأسها اليابان وألمانيا حيث نجد أن الأطفال فى المدارس مقرر عليهم زيارة أحد الفنادق فى مدينتهم مرة كل سنة حيث يتعرفون على جميع مرافق وأقسام الفندق مع شرح بسيط للسلوكيات المطلوبة فى نزيل الفندق، كما يتعلمون كيفية تناول الطعام بطريقة حضارية وكيفية استخدام مرافق الفندق بما يحافظ عليها وهذا معناه أن كل طفل يقوم بهذه الزيارة 12 مرة خلال مرحلته التعليمية الأساسية والثانوية. وفى النهاية، لكى تحدث طفرة والتنمية فى السياحة الداخلية فى مصر وما يرتبط بها من سلوكيات، فعلى كل طرف من أطراف المعادلة أن يتحمل مسئوليته فى موضوع التوعية السياحية، فعلى وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة إعادة حملات التوعية السياحية التى كانت تقوم بها حتى عام 2010 والتى كان لها أثر كبير فى نشر ثقافة السياحة لدى المواطن المصرى. كذلك عودة الحملة المشتركة بين وزارتى السياحة والتربية والتعليم للتوعية السياحية بالمدارس فى جميع مراحل التعليم. وعلى الاتحاد المصرى للغرف السياحية وغرفه الخمسة القيام بدورها فى التوعية السياحية بتنظيم زيارات للطلبة للتعرف على تلك الفنادق والمنتجعات والسلوكيات التى يحب اتباعها فيها.