لم تكن علاقة العندليب الراحل عبدالحليم حافظ بالموسيقار الراحل محمد الموجى مجرد صداقة عادية جمعت بين مطرب وموسيقار، بل كانت علاقة عائلية، عبدالحليم كان يعتبر أسرة الموجى أسرته وأم أمين زوجة الموجى بمثابة الأم له أو الأخت الكبرى كان حريصًا أن يأكل من يديها، وأبناء الموجى كانوا يعتبرون حليم عمهم الذى يلجأون إليه فى كل كبيرة وصغيرة حتى إنه كان يعاقبهم عندما لا يحققون درجات عالية فى الامتحانات، وكان يمنحهم مكافأة كبرى عندما ينجحون بتفوق. كل هذا فضلاًعن ألحان الموجى لعبدالحليم التى تعدت 90 لحناً، من «صافينى مرة» و«يا حلو يا اسمر»، مرورًا ب«يالليالى» و«أحضان الحبايب» و«جبار» و«كامل الأوصاف» و«حبيبها» وحتى «رسالة من تحت الماء» و«قارئة الفنجان». هذه الروائع كانت جزء أساسى من نجاح عبدالحليم وتوهجه الفنى. الموجى كان لحليم أخًا وصديقًا وأحيانًا أبًا وتعرضت تلك الصداقة لبعض الهزات والخلافات بحكم طبيعة البشر ومعظمها كانت خلافات مرت سريعًا ونجحت الصداقة فى التغلب على كل العواصف لتبقى وتتعاظم. برحيل عبدالحليم 1977 فقد الموجى الأخ والصديق بل أصبحت فى منزله لعدة أشهر يرفض العمل حزنًا على رحيل حليم حتى تحدث إليه الرئيس الراحل أنور السادات هاتفيًا وطلب منه الاستمرار فى الإبداع والتغلب على أحزانه وحدث ذلك بالفعل. 39 عاما ًمرت على رحيل حليم و21 عامًا مرت على رحيل الموجى وما زالت الصداقة قائمة بين أسرتى «حليم» و«الموجى» يعيشون على الأخوة والصداقة الحقيقية والحب الشديد بينهما. منذ أيام قليلة قام الملحن الموجى الصغير نجل الموسيقار الراحل محمد الموجى بزيارة لمنزل عبدالحليم حافظ بالزمالك وهذه الزيارة يقوم بها من وقت لآخر. ويقول الموجى الصغير تعليقًا على هذه الزيارة عندما أدخل هذا المكان أعود بالزمن على الأقل 40 عامًا للوراء أشتم رائحة الزمن الجميل كل ركن فى المنزل عشت فيه ذكريات لا تنسى. كنت معتادًا على الذهاب لمنزل حليم بشكل شبه يومى حيث كنت طالبًا فى كلية التربية الموسيقية بالزمالك وأتذكر فى عام 1976 حيث كان يقوم بعمل بروفات لأغنية أبوعيون جريئة. طلب منى الانضمام للكورال والغناء معهم، وأقول : منزل حليم كان منقسمًا إلي جزءين من الداخل الزمالك والحلوات. جزء الزمالك كان خاصًا بأصدقاء العندليب من الصحفيين والفنانين وإجراء البروفات وجزء الحلوات كان خاصًا بالحاجة علية شقيقة حليم وفردوس ابنة خالته، وكان لا يسمح بظهور أى من أفراد عائلته للضيوف، كان حليم فى هذا الشأن فلاحًا بمعنى الكلمة لا يحب الاختلاط، شقة عبدالحليم حافظ بالنسبة لى تحمل كل ذكريات الزمن الجميل معاناته الصحية وعشرات البروفات على كل أغنية جديدة حتى غرفة نومه ومصحفه الخاص، والمفاجأة فى هذه الزيارة أننى اكتشفت وسط البدل الكثيرة للعندليب البدلة السوداء التى ظهر بها فى حفل قارئة الفنجان فى 25 أبريل 1976 ولم تكن أسرة حليم قد عثرت عليها من قبل، حرصت فى هذه الزيارة على دخول كل ركن فى شقة العندليب لأتنسم عبير الذكريات وأشعر فى وقت واحد بحالة من الفرح والحزن والشجن، السعادة بدخول شقة حليم والشجن والحزن على ذكريات لن تعود وفن حقيقى خالد ما زال يستمع إليه الملايين فى مصر والعالم العربى. شقة عبدالحليم كانت بمثابة المصنع الذى يخرج منه إبداع حقيقى وفن خالد. كما قلت أعود بالزمن للوراء أشعر بأننى أعيش فى سبعينيات القرن الماضى، أتذكر والدى الراحل وكبار العازفين والفرقة الغنائية بقيادة أحمد فؤاد حسن. وحرص عبدالحليم على كثرة البروفات حتى إنه كان يصاب بحالة إرهاق وإعياء شديد كان يجلس على كرسى متحرك ويوجه الفرقة فى كل صغيرة وكبيرة داخل صالة منزله، كان حليم يعزم الفرقة على الغذاء والعشاء على كل ما لذ وطاب وهو لا يستطيع أن يأكل سوى قطعة دجاج مسلوقة وشربة وعيش ناشف. فنان من الصعب بل من المستحيل أن ننساه قمة فى الوفاء والتضحية بكل شىء ظل يعطى حتي النهاية فنًا جيدًا يدغدغ القلوب ويرقص بإحساس الملايين. حرصى على هذه الزيارة المتكررة ما هي إلا تأكيد علي أن عبدالحليم يعيش بداخلنا مهما مرت السنون، أعتبر هذه الزيارة نوعًا من الوفاء لعمى الذى وقف بجانبى حتى رحيله.