«مش أحسن ما نبقى زى سورياوالعراق»، عبارة يستخدمها بعض مؤيدى الرئيس عبدالفتاح السيسى، يوجهونها إلى منتقدى النظام، فى محاولة لتذكرتهم بأن الوضع فى مصر أفضل من بلاد أخرى، إلا أن الوضع فى منطقة تل العقارب، لم يختلف كثيراً عنهم، كل شىء بها أصبح رماداً، فالعقارات انهدمت على سكانها، حتى انفضحت عوراتهم، وبات تشردهم واقعاً ملموساً، يحبط آمالهم المشروعة فى غد أفضل لم يروا له مقدمات عبر سنوات طويلة بحكومات ورؤساء مختلفين فى الأسماء فقط. عند دخولك تل العقارب، بمنطقة السيدة زينب بمحافظة القاهرة، سيخطر فى ذهنك سريعاً العديد من الصور الذى نشاهدها يومياً لعمليات هدم وتحطيم المنازل بدولتى العراقوسوريا، فالصورة متشابهة بداية من انهيار سكان العقارات على فقدان بيوتهم الذين يحتمون بها، ثم إذلال المواطنين لموظفى الحى لترك منازلهم أو توفير البديل لهم، وحتى نظرات الوداع المليئة بالدموع من أعلى سيارات نقل تم استئجارها لنقل ممتلكاتهم، وصولاً إلى طفلة تبكى على لعبتها التى بقيت فى المنزل وتركتها، ومُسنات على رصيف الطرقات ينتظرن مأوى. عائلات بالكامل نزحت ودمرت منازلهم، افترشوا الأرض ونظروا إلى السماء داعين الله أن يلطف بحالهم، ليسوا ضد تطوير المنطقة، والقضاء على العشوائيات، فهم وحدهم من يعانون من انتشار الأمراض والعقارب والثعابين، وحالتهم لا تسر عدواً ولا حبيباً، فلا يشعر بالحاجة إلا الفقير، ولكنهم غاضبون من إعلان محافظة القاهرة عن دمج عدد من الأسر فى شقة واحدة بالمساكن البديلة المخصصة لهم فى منطقة السادس من أكتوبر، علاوة على وجود عدد من السكان داخل المنطقة لم تشملهم كشوف الحصر. «هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه».. عبارة كررها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أكثر من مناسبة بخطاباته، ولكنها فى الحقيقة أكثر تعبيراً عن معاناة المصريين، بداية من ظهور العشوائيات فى السبعينيات، وصولاً لما نحن الآن، فلم يحن على الشعب المصرى أحد. الرئيس السيسى تكلم فى أكثر من خطاب عن تطوير العشوائيات، وبالفعل هناك بصيص أمل ونأخذ من حى «الأسمرات» عبرة للقضاء على العشوائيات فى مناطق الدويقة، ولكن فى تل العقارب الموقف يختلف، فلا يمكن نقل السكان بدون توفير البديل، وإلا سوف يتم نقلهم من منازلهم إلى الشارع وهذا ما حدث. عند المرور فى شوارع تل العقارب، أو حتى داخل منازلهم البسيطة جداً، والمنعدمة من سبل الحياة؛ ستجد صور الرئيس منتشرة، مصحوبة بعبارات مدح، فهم من تصدوا لجماعة الإخوان فى 30 يونية، حتى عزلهم من الحكم، وهم من ساندوه فى الانتخابات الرئاسية، واليوم هم أيضاً من يأملون فى تحسين أوضاعهم وتوفير المساكن البديلة. «أنا بردة مش زعلان منك.. هو ممكن ميكونش عارف إيه إللى بيحصل.. إحنا شعب مصر إللى بتحبه وبنحبك».. بكثير من الألم تحدث «عبدالسميع صابر»، عن الرئيس السيسى، وتابع قائلاً: «يا سعادة الرئيس أنا وعيالى فداك.. عايز ترمينى فى الشارع أنا خدامك وتحت أمرك.. أو خلينى أعيش كويس وأربى عيالى.. نفسى يا رايس أدخل أولادى المدرسة.. أنا خرجت عيالى منها وحكمت عليهم يبقوا جهلة طول عمرهم علشان مش معايا فلوس.. يا سعادة الرئيس اللى أنت شايفه صح اعمله». الحكومة تضرب مواد الدستور عرض الحائط «نحن نؤمن بأن لكل مواطن الحق فى العيش على أرض هذا الوطن فى أمن وأمان، وأن لكل مواطن حقاً فى يومه وفى غده.. نحن الآن نكتب دستوراً يجسد حلم الأجيال بمجتمع مزدهر متلاحم ودولة عادلة تحقق طموحات اليوم والغد للفرد والمجتمع».. جزء من مقدمة الدستور المصرى بقلم عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين آنذاك، أما المادة رقم (8) فى الدستور فتنص على «يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى. وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين». كما تقر المادة (78) من الدستور، بوجود العشوائيات، وتطالب الحكومة، بأن تتخذ إجراءات لتحسين الأوضاع بها، وتنص على: «تلتزم الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، وتكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية معينة». كلف الدستور خزانة الدولة ملايين الجنيهات حتى يتم الانتهاء منه، سواء على لجنة الخمسين عضوا، أو الاستفتاء عليه، ولكن فى الواقع الدستور ما هو إلا حبر يكتب على ورق، ليصبح حضوره كما يتواجد «النيش» فى المنازل، مجرد شكل، تدرس مواده لطلاب كليات الحقوق فقط دول العمل به، لو صرفت أموال إعداد الدستور على تطوير العشوائيات كانت حلت جزءاً ليس بصغير منها، أو العمل بجدية أكثر من قبل المحليات إن أرادت الحكومة الوفاء بالتزامها الدستورى فى تحسين الحياة لهم. فى حين نجد أن الحكومة، تضرب الالتزام بمواد الدستور عرض الحائط، بداية من إخلاء المنازل للهدم وعدم توفير للمواطنين بديلاً، ثم قطع المياه والكهرباء عن المنطقة لفترة كبيرة لإجبار السكان على المغادرة، وتعدى أفراد من قسم السيدة زينب بالضرب على المواطنين فى حالة رفضهم الإخلاء، وتلفيق قضايا لهم، وفقاً لرواية أهالى المنطقة. كما أنه تم إنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية فى 2008، بمقتضى مرسوم رئاسى فى أعقاب كارثة انهيار صخرة الدويقة، والتى أدت إلى مقتل حوالى 110 من سكان المنطقة، وفى يونية 2014، قام الرئيس، بإنشاء وزارة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات، وهى الجهة التى ستتولى تنفيذ المواد السابقة، وفقاً للقرار الرئاسى رقم 1252 لعام 2014، إلا أنه بعد نحو 14 شهراً تم إلغاء الوزارة، ونقل أعمالها فى المناطق العشوائية لحقيبة وزارة الإسكان فى حين فشل «الإسكان» فى توفير مساكن كافية بأسعار معقولة. فيما تبدو حالة التخبط فى القرارات من قبل الحكومة، فلا نلوم البسطاء من انتشارهم فى المناطق العشوائية، ونلوم أنفسنا؛ فالحكومة هى المسئولة عنهم، وهى التي بادرت بحالة العشوائية فى القرارات الصادرة منها، ولذلك نطرح السؤال على المهندس شريف إسماعيل: «هل يستمر سكان المناطق العشوائية فى الإحساس بالتهميش والاضطهاد؟، أم أن الحكومة سوف تعطيهم الفرصة فى المشاركة فى تنمية مجتمعاتهم؟». «يرضيك أسيب مراتى فى شقة مع واحد غريب يا ريس».. هكذا بادرنا أحدهم وهو يروى لنا مأساته موجها كلامه للرئيس السيسى «يرضى من أترك مراتى وبناتى مع واحد غريب فى شقة 40 متر».. وأضاف «محمد عثمان» معلقاً على توفير المحافظة شقة لكل ثلاث أسر بمدينة السادس من أكتوبر، وتابع قائلاً: «إحنا انتخبنا السيسى علشان قال إنه سيعطى كل واحد من الفقراء حقه.. بس إحنا كدة حقنا رايح.. ناس كتير مظلومة هنا، والحى بيقول اعملوا تظلم.. بس إحنا نعمله لمين غير ربنا عالم بحالنا أحسن منهم كلهم». بينما قالت «سعاد عاطف» أم لفتاتين، الكبرى تبلغ سبعة أعوام: الحى يرفض تسجل اسمى فى كشف الحصر لتعويض المنازل، وذلك لوجود سلك كهرباء جديد، بعد أن احترق القديم، لظنهم أنى أسرق الكهرباء، لافتة إلي أن جميع الأوراق تثبت عكس حديثهم، فضلاً عن وجود آثار للحريق الذى أتلف الأسلاك. أما عن «أم هدى»، قالت والدموع تنهمر بغزارة على وجنتيها كسيل جارف، «أنا عندى السرطان ومش قادرة على قعدة الشارع.. أنا عايزة شقة ألم أولادى فيها، وعيالى هيروحو فين دلوقتى ومش الرئيس أكيد شايف إحنا متبهدلين إزاى بأولادنا ومتعرضين لثعبان يطلع علينا يموت حد فينا». وأوضح «سمير بيومى» شاب (24 عاماً): بعد أن توفى والدى صاحب الشقة، رفضت المحافظة إعطائى شقة بأكتوبر بديلة عن شقتى، بحجة أنى أعزب، قائلاً: هذا حالى وحال شباب كتير فى المنطقة، وهنترمى فى الشارع وكلمت رئيس الحى قال لى قدم التماس للرئيس.. إذا كان رئيس الحى مش سامعنى يبقى الرئيس هيسمعنى، وهو مشغول بمصر كلها إحنا راضيين بأى شىء ولكننا معرضون للموت فى أى لحظة، المنازل ممكن تقع فى أى وقت، بس نموت وفى بيوتنا أحسن من أننا نموت فى الشوارع، نفسى حد يحس بينا علشان خاطر ربنا بدل ما أبيع مخدرات علشان أعيش».