عندما زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما لندن في شهر إبريل الماضي، كتب تعليقًا في الصحيفة المنتمية لحزب المحافظين "ديلي تلغراف"، أكد خلاله مصلحة الولاياتالمتحدة في استمرار بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، تولى العمدة السابق اليميني لمدينة لندن، بوريس جونسون، الرد عليه قائلًا "إن تعليق أوباما "ازدراء" لبريطانيا". مبادرة الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما إلى حث البريطانيين على البقاء في الاتحاد الأوروبي تتماشى مع الكثير من التحليلات والتقارير التي تحدث فيها مسئولون سابقون وحاليون في البنتاجون والمخابرات المركزية. وبالنسبة لهؤلاء، يمثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تبعاته الاقتصادية السلبية على الأسواق الأمريكية، خطرًا على الأمن القومي الأمريكي بالنظر إلى طاقة الردع التي تمثلها بريطانيا بوجودها في الاتحاد الأوروبي بمواجهة روسيا. مدير الاستخبارات المركزية، جون برينان، الذي تحدث أمام الكونجرس أخيرًا، قال: إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيتسبب في زلزال أمني كبير في أوروبا، التي لا تعمل أجهزتها الأمنية بكفاءة في مواجهة التهديدات الإرهابية. وأوضح برينان، أن استقلال بريطانيا عن الاتحاد سيضاعف من هذه الأخطار، إذ سيضع حلف الناتو في مأزق إعادة النظر في التحالف الذي أسس أصلًا من أجل حماية أوروبا من أي تهديد، سواء من روسيا أو غيرها. من جانبه، كرر مدير "اليوروبول"، روب وينرايت، كلام برينان بصيغة مختلفة، إذ قال: إن انفصال بريطانيا عن أوروبا يعني أن جهاز الشرطة البريطاني سيخرج من البنية التحتية الأمنية للاتحاد الأوروبي، التي بنيت على مدار أربعين عامًا. وبحسب وينرايت فإن بريطانيا، على رغم عدم كونها جزءًا من اتفاقية شنجن، لكن باعتبارها عضوًا في الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك وفر الوصول إلى نظام معلومات شنجن، ومن ثم تدشين بروتوكول بإلقاء القبض المشترك، ما جعل من الأسهل القبض على المشتبه فيهم. وفي السياق ذاته، كتب داليبور روهك، الخبير في معهد أميركان إنتربرايز في واشنطن، في كتابه الصادر حديثًا بعنوان "اتحاد أوروبي متوجس": إن تأثير الكرملين في أوروبا الوسطى والشرقية ازدهر بفضل سياسة ذكية معتمدة على بيع الطاقة، وعبر الرشاوى السرية والدعاية الماهرة، بينما لا يملك الناتو الأدوات للتصدي لذلك، وسيمثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة أكبر لهيمنة روسية على جزء من أوروبا ما زالت الولاياتالمتحدة غير راغبة في تصدر المواجهة فيه، كما جرى في أوكرانيا. وتدفع كل هذه التحليلات التي تستند عليها إدارة الرئيس أوباما إلى اعتبار أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيدفع الولاياتالمتحدة إلى حرب على جبهتين، الأولى محاولة تغيير معادلة خطوط التماس الأمنية مع روسيا في أوروبا، إذ بعد أن دفع أوباما بدول الاتحاد، وفي مقدمتهم ألمانياوبريطانيا، إلى مواجهة روسيا نيابة عنه، سيكون عليه أن يواجه التهديدات الروسية في المقدمة. الجبهة الثانية تتعلق بأمن أوروبا بلا بريطانيا، الذي لا شك سيتعرض لزلزال كبير سيصل صداه إلى أروقة حلف الناتو واليوروبول، ومن ثم الدفع باتجاه دور أمريكي أكثر تقدمًا للمحافظة على قوة الردع التي تمتلكها في أوروبا، لاسيما استقرار هذه المنطقة المهمة، وهو الأمر الذي سيتطلب جهدًا عسكريًا وسياسيًا.