يُعد العلامة والاديب اللغوى والمعمر الأزهرى الشيخ معوض عوض إبراهيم أحد أعمدة الأزهر الشريف الراسخة، على امتداد عمره المديد الذى تخطى المائة وأربعة أعوام، فقد ولد فضيلته عام 1912م فى كفر الترعة الجديد مركز شربين «دقهلية حالياً» غربية سابقاً، وحفظ القرآن مبكرًا والتحق بمعهد دمياط الابتدائى وواصل دراسته حتى تخرج فى كلية أصول الدين عام 1939، وحصل على دراسات عليا فى الدعوة عام 1941 وعمل واعظًا للأزهر فى أسوان والفيوم وبورسعيد، وانتدب للتدريس بالجامعات فى مصر والدول الإسلامية، متفرغًا للدعوة إلى الله، حتى كان إحدى العلامات البارزة فى تاريخ الأزهر ورجاله وشيوخه، ومؤخرًا كرمه الامام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر مثمنًا دوره فى خدمة الازهر والدعوة كواحد من أبناء هذه المنارة العتيقة، «الوفد» ذهبت لمنزله لتسترجع بعض ذكرياته فكان هذا الحوار: فى البداية.. وأنت أكبر معمر أزهرى ماذا يمثل الأزهر فى وجدانك؟ - إن الحديث عن الأزهر الشريف لا يكاد ينتهى، فهو فى مصر يمثل فى دنيا الناس ثالثة الأماكن المقدسة مكة والمدينة والأزهر الشريف فى مصر، ومصر بالأزهر الشريف كنانة الله فى أرضه من رماها بسوء قصمه الله ورحم الله الذى قال: من عرف الدنيا وأحوالها/ والناس أنواعًا وأجناساً وما رأى مصر ولا آلاها/ ما رأى الدنيا ولا الناس الأزهر الذى يقوم الآن حارسًا لعلوم الدين بل لعلوم الدين والدنيا على سواء، ينبغى أن نعرف له قدره وأن ننزله منزله من التوقير والاجلاء، فإذا كان الدين هو أعز ما يعتز به الإنسان وذلك الحق الذى لا مرية فيه، فإن الأزهر الذى يهتم بعلوم الدين والدنيا معًا كما قلت، يرى فى شتى البقاع وفى جانب دنيا الناس وكأنه الشمس فى وضح النهار، والذى يقومون اليوم بحق إبلاغه مبلغه يدركون معنى الأزهر، فهو قبلة العلم فى العالم الإسلامى، وهو طوق النجاة ومعقد الآمال. من أبرز المشايخ الأجلاء الذين تتلمذت على أياديهم؟ - كنت وأبناء القرية نسكن فى عمرة فى سوق البرسيم فى دمياط ويسكن فى الفيلا المقابلة لهذه العمارة الشيخ عبدالله دراز الذى جاء من الإسكندرية لمعهد دمياط، وكنا توقيرًا له لا ندخل ولا نخرج من بال العمارة المواجه لفيللته، لكننا تعلمنا فى مشيخته وكان يعلو البيت الذى نسكنه أيضًا الشيخ محمد على عبدالرحمن والد الدكتورة «بنت الشاطئ» والتى كانت يومئذ طالبة فى مدرسة المعلمات، وتتلمذنا على يد الشيخ محمد عبدالعظيم الزرقانى مؤلف «مناهل العرفان فى علوم القرآن» والشيخ العلامة محمد أبوزهرة والذى كان يقول عنى «إننى ابنه البكر والشيخ الغزالى ابنه الثانى» أيضًا تعلمت على يد العلامة الشيخ محمد الأودن والشيخ على سرور الزنكلونى، والشيخ محمد على سلامة مؤلف كتاب «مباحث فى علوم القرآن» والشيخ الصاوى شعلان الذى كانى قول عنى «أسطول» وكثير من العلماء التقيت بهم كان لهم فضل كبير علىَّ. عاصرت عمالقة الأزهر فمن تذكره قريحتك وكانت لك صلة وثيقة بهم؟ - هناك العديد من العلماء الأجلاء ومنهم الامام الأكبر د. عبدالرحمن بيصار والعلامة الشيخ محمد الغزالى والدكتور عبدالمنعم النمر والدكتور محمد الطيب النجار والشيخ محمد خاطر مفتى مصر الأسبق والشيخ عطية صقر والعلامة المفسر الشيخ «الشعراوى» إضافة إلى أننى عاصرت سبعة عشر شيخًا للأزهر الشريف رحمهم الله جميعاً. ماذا عن نظرتك لحزب الوفد؟ - حزب الوفد كان من ألمع، بل هو ألمع الأحزاب، وبخاصة فى الفترة التى تلت عهد سعد زغلول وعهد مصطفى النحاس، وكان معه مكرم عبيد وويصا واصف وسينوت حنا.. إلخ، فالشعب كان كله الا قليلًا وفدياً، وأذكر بعض الوزراء الوفديين كان يقول: إنى وإلا لم أكن وفديًا منذ البداية، فأنا وفدى إلى النهاية، ولعل حزب الوفد إلى الآن لا يزال متماسكًا تماسكًا نرجو أن يتم الله عليه وأن يكون وولاة الأمر فى ذلك الزمان على وفاق وتلاق وتناح بالبر والتقوى. ماذا عن علاقتك بالأديب الكبير عباس العقاد؟ - منذ مراحل الصبا الأولى عرفت طريقى للأدب والشعر، حتى نشر لى العقاد فى جريدة الجهاد سنة 1933م وأنا فى الثالثة الثانوية قصيد بعنوان «استعذاب العذاب» وكنت أقول فيها: يا ماخرًا فى عُباب الهموم أى عباب/ وضاربًا فى فيافى الآلام والأوصاب والسحب تجرى بسح من دمعها الوهاب/ أقصر غناك رويدًا لم تلق بعض عذاب وعندما ذهبت للقاهرة كان فى حسابى أن ألقى «العقاد» والشيخ محمد رفعت القارئ الذى أذكر أن أحد أزواج بناتى لا يسمع القرآن إلا منه وأن ألقى غيره من الرجال، ولقيت العقاد وفى يدى أبيات كنت أقول فيها: عباس يا معقد الآمال فى وطن/ نشأت فيه لتروى فيه غلة الصاوى فقرأ الأبيات وتذكر أنه نشر لى، وهذه هى المرة الوحيدة التى رأيت فيه الاعقاد، بالرغم من أننى عينت فى بداياتى واعظًا للأزهر أسوان، وكان «العقاد» قد جاء من المحلة الكبرى واستقر فى أسوان انطلق منها إلى القاهرة، وصار عملاق الأدب كما يسميه سعد زغلول رحمه الله تعالى، وكان العقاد محاورًا ومناورًا وخصمًا للحكم الملكى لدرجة أنه عندما سجن خرج من بعده يقول: وكنت جنين السجن تسعة أشر/ وهأنذا فى ساحة الخلد أولد عداتى وصحبى لا اختلاف عليهما/ سيعدنى فى كل كما كان يعهد ورأيت العقاد فى مؤتمر كبير للوفد فى المكان الذى تشغله الاذاعة والتليفزيون الآن، يلقى قصيدة يقول فيها: أحسنتم الصبر والعقبى لمن صبروا/ جاء البشير فقوموا اليوم واعتمروا هذا هو العقاد الذى عرفته، والعقاد بعد ذلك صاحب نفائس الكتب وأمهات العبقريات مثل «عبقرية محمد، وعبقرية أبوبكر، وعبقرية عثمان». وماذا عن علاقتك مع الشيخ العلامة محمد الغزالى؟ - كنت أتقدم فى الدراسة بأربع سنوات، فقد كان فى السنة الأولى فى الكلية وكنت على وشك التخرج والغزالى رحمه الله كان مجتمعًا فى جماعة الإخوان المسلمين يوم كان الإخوان أملاً، لكنه بعد ذلك وجد من الإخوان ما جعله ينحاز ويبعد عن طريقهم، وأذكر أننى كتبت قصيدة عقب وفاة «الغزالى» رحمه الله كنت أقول فيها: رحمة الله للامام الغزالى/ أسلم الروح فى أعز مجال فى الرياض التى دعته فلبى/ رغم سقم قد دب فى الأوصال وقد كان الغزالى يتمنى أن أكون معه فى مكة، وكنت يومئذ فى الرياض، وبعد ذلك زرته مرة واحدة فى بيته لكن جمعتنى به الأقدار هو والشيخ صلاح أبواسماعيل فى فندق الواحة فى قصر عامين فى رمضان، وكنا أصدقاء وإخوة فى الله ما اختلفنا يومًا من الأيام. وهل كانت لك صلة بمرشد الإخوان حسن البنا وهل انتميت للإخوان فى يوم من الأيام؟ - أنا لم أنتظم فى منظمات الإخوان المسلمين لكننى كنت على صلة خفيفة بالشيخ البنا، وأنا فى الواقع أقول ان الشيخ البنا لم يكن ملكًا معصومًا ولا نبيًا اتصف بالصدق والأمانة ولكنه رجل أحسن ورجل قد يكون أساء، فما منا الا من أساء وما منا إلا من أحسن. ماذا عن أهم البلاد التى زرتها؟ - زرت لبنان والأردن والسعودية والكويت وإسلام أباد وبيشاور، وكراتشى ولاهور فى باكستان، كما قمت بزيارة قطر مرتين، لكن مع تقوم سنى جلست فى بيتى لأستقبل أحباء الأزهر وراغبى علمه وطلاب المعرفة التى يقوم على أقداسها وأسعد بهم. أخيراً.. ماذا عن أهم مؤلفاتك؟ - وفقنى الله لإصدار «قبس من الإسلام»، و«الإسلام والأسرة»، و«ذلك الدين القيم» و«رمضان شهر القرآن»، و«الحج أشهر معلومات»، و«ملامح من هذا الدين»، و«رجال ونساء من مدرسة النبوة»، والعديد من المؤلفات.