حميدة، عباس الحلو، عم كامل «بائع البسبوسة» شخصيات تجد نفسك رغم مرور السنين تبحث عنها كلما زرت هذا المكان. ربما لأن الواقع أحياناً يفوق الخيال روعة وإبداعاً يبقي «زقاق المدق» علامة من علامات حي الجمالية التي تحتفظ بقدرتها علي إبهار الزائرين، لكنّ خيالاً مبدعاً بحجم الأديب نجيب محفوظ يضيف إلي الواقع أشخاصاً من لحم ودم وحكايات تنبض بالحياة يصعب تخيل الزقاق بدونها حتي ولو كنت علي يقين بأنها من صنع صاحبها. سواء قرأت الرواية أو شاهدت الفيلم القديم يظل أبطال القصة يزاحمون ذاكرتك بين البيوت الضيقة في الزقاق تبحث بعين متلهفة عن شباك حميدة التي أطلت من مشربيته علي الدنيا فطارت بها أحلامها حتي السقوط. وتترقب صوت دق الحبوب والتوابل التي اتخذ المكان شهرته منه: راح زمن الدق لكن الزقاق باقٍ جاءنا صوت عم محمد حسن عابدين وريث الزقاق بحكم امتلاكه عن أجداده للبيوت به. يسكن عم محمد أقدم بيت بالزقاق، وأشار إلينا إلي مشربية حميدة، التي أكد لنا الرجل أنها شخصية واقعية لكنها لم تكن بهذا السوء الذي صوره الفيلم ولعبت بطولته الفنانة الكبيرة شادية. واستطرد الرجل قائلاً: كل حريم المنطقة بنات بيوت محترمات. وقد تحدثنا للأستاذ نجيب- رحمه الله- وقتها وأعربنا عن استيائنا من الصورة التي ظهرت بها فأكد أنها من وحي خياله، وقال إنه يكن كل الاحترام للزقاق وأهله، حيث كان من أبناء المنطقة ودائم الجلوس علي المقهي التي لعب دور صاحبها الفنان محمد رضا باسم "المعلم كرشة" وهو المقهي المقابل لبيت حميدة. أشار عم محمد إلي المقهي وإلي كرسي وترابيزة عم نجيب، واسمها الحقيقي قهوة عبدالنبي يوسف. ومازال عشاق المكان يأتون ويجلسون ويلتقطون الصور في المكان الذي عشقه أديب نوبل، ويحتسي قهوته المفضلة ثم يبدع ويبدع. هناك أيضا أقدم بيت في الزقاق وهو البيت الذي سكنه عم كامل بائع البسبوسة. لكنه وكما قال المعلم محمد كان اسمه عم "شاروق" بائع لحمة راس. أما مالا يعرفه الكثيرون أن عباس الحلو هو في واقع الأمر صاحب فرن وليس حلاقاً وهو جدي الذي ورثت عنه هذا الزقاق. كل شيء تغير. وصحيح أن كثيراً عما نقل عن الزقاق من خيال نجيب محفوظ، لكنه أضاف الشهرة وجذب الأنظار إلي زقاق يمثل قطعة من قلب مصر المحروسة، صحيح كل شيء تغير لم تعد العرائس تنقل الجهاز في «صناديق خشب مزوقة» لكن مازال شارع الصنادقية موجوداً. ولم تعد هناك توابل يتم دقها فيصحو الناس علي صوتها وتتماشي دقاتها مع دقات قلوب ساكنيها . أصبحت هناك المطاحن الكبيرة. لكن مازال حي الجمالية يحتضن «زقاق المدق»..