لاتزال الأسعار مشتعلة وتتحدى الحكومة وأجهض جشع التجار أحلام المواطن والدولة معاً فى السيطرة على أسعار السلع الغذائية. طال الغلاء كل شىء من الخضار والفاكهة إلى محال العطارة مروراً بالياميش وحتى الدواء.. وفى أسواق الغلابة والمعدومين.. مازالت الأسعار تتحدى أيضاً جهود الدولة وحتى وجبة الحكومة (أم 30 جنيها) ، يشكو المواطنون من انتهاء صلاحية عدد كبير من سلعها، واقتراب سعرها من سعر السوق. واستثماراً لهذه الحالة دخل كثير من التجار على «شنط رمضان» وجعلوا منها سبوبة لتحقيق الأرباح، مستغلين حب المجتمع المصرى لنقل الخير فى هذا الشهر الكريم حيث يفضل الكثيرون إخراج زكواتهم فى شكل حقائب تحتوى على عبوات صغيرة من بداخلها معجنات وحبوب وبقوليات وزيوت وسمن ومكرونة وبلح وبقية السلع الأخرى، كما شاركت وزارة التموين فى ماراثون الشنط الرمضانية وأعلنت عن طرح مناقصة عامة للقطاع الخاص لتوريد شنط رمضان عبر 39 شركة قابضة وفى هذا التحقيق تحاول الإجابةعن أهم تساؤلات الشارع حول هذه الشنط ومن المستفيد منها وهل استفادت منها بالفعل الأسر الفقيرة والمحتاجة. الشنطة الرمضانية إحدى وسائل تقديم يد العون لغير القادرين وخاصة فى المناسبات مثلها كباقى وسائل الدعم والتكافل بين أفراد المجتمع ككل.. من خلال تقديم أساسيات وعاما بعد آخر ازدهرت عمليات توزيع ما تعارف عليه باسم «شنط رمضان» وتحولت إلى مهنة يقوم بها محترفون، وهو ما تبين لنا خلال جولتنا داخل بعض الأحياء ومحلات الهيبر الشهيرة والجمعيات التعاونية حيث تراوحت أسعار هذه الشنط ما بين 29 جنيها كما فى كارفور وغيره إلى 60 وحتى 90 جنيها، فى محلات أخرى، ولاحظنا أن كثيرا من الناس يفضلون شراء الكميات وعمل الكراتين بأنفسهم دون الاستعانة بالمحترفين من الشباب. .. جولتنا أكدت أيضا على عدم دراسة الحالات، المستحقة لهذه المنحة وكما تقول منى حلمى مواطنة قررت القيام بتجهيز الشنط الرمضانية بنفسها هذا العام لتقليل تكلفتها، مشيراً إلى أن بعض الأسر تتحايل للحصول على هذه الكراتين إذا تم إرسالها للجمعيات الخيرية. ويقوم المحترفون ببيع محتويات هذه الشنط بأسعار أقل من سعرها الحقيقى يساعدهم على ذلك تساهل المتبرع والذى يريد جمع صدقته أو زكاته وإعطائها مباشرة ودون عناء لمن يبدو عليه الاحتياج أو وضح زكاته فى حساب إحدى الجمعيات وهو ما يهدر الكثير من المال. وتبين أن مكونات كل شنطة مختلف فيما بينهما ما بين المتوسط والفاخر جداً ومن ثم تتفاوت الأسعار ما بين 25 إلى 60 و100 جنيه.. كذلك محتويات الشنطة المباعة فى محلات السوبر ماركت وغيرها دائما دون المستوى.. وبحسبة بسيطة للشنط التى تباع ما بين 29 فى كارفور وال35 فى خير زمان أن كليهما به مغالاة فى أسعار المكونات إذا ما تم شراؤها خارج شنطة رمضان.. .. جولتنا كشفت أيضا عن إهدار للتبرعات الموجهة لعمل شنط رمضان.. فبحسب منى الجندى مواطنة دائماً ما تحرص على الحصول على شنط رمضانية من جهات عديدة.. لان معظم مكونات الشنط وخاصة الزيت والمسلى دون المستوى ومنخفضة الجودة وكذلك المكونات لا تسمن ولا تغنى من جوع، فبالكاد الشنطة الواحدة تكفى إفطار يوم واحد للعيال ورمضان 30 يوماً.. ومع ذلك وعلى حد تعبير إحداهن «وحش حلو أحسن من مافيش». ومن وجوه الذين استطلعناهم لاحظنا أن نسبة كبيرة لا تحتاج وأن المتعففين لا يقفون أبداً فى الشوارع أو يزاحمون على طوابير شنط رمضان مما يستلزم البحث عنهم والوصول إليهم أينما كانوا.. ورغم تدنى جودة معظم السلع المعروضة كشنط رمضانية فى معظم المحلات والمجمعات.. إلا أن طوابير الحصول عليها تمتد وتطول فى كثير من الأحياء وكأن كل الشعب فقراء فى ظاهره المستفيد الأول منها شركات حققت من ورائها الملايين، ومع أن «شنط رمضان» ظاهرها خيرى وهدفها إنسانى إلا إنها وفقاً للدكتورة «وفاء الزير أستاذ السلوكيات» تراجع قيمة العمل لدى قطاع كبير منهم من المحتاجين والفقراء على وجه الخصوص وعندئذ تتحول مهنة توزيع شنط رمضان إلى مجرد وسيلة تحول المحتاجين من المواطنين إلى متسولين من خلال الوقوف لساعات عديدة فى طوابير للتسول كما يصفها البعض وتحول آخرين إلى متواكلين وإلى تراجع قيمة العمل لدى قطاع كبير من المحتاجين. وتلفت الدكتورة وفاء إلى البعض يستخدم شنط رمضان فى أغراض اجتماعية وسياسية بعيدة تماماً عن مساعدة المحتاجين أو ترسيخ قيم التكافل داخل المجتمع.. وعندئذ لا تختلف كثيراً عما كان يوزع من شنط وعطايا أوقات الانتخابات البرلمانية واستغلال حاجة وفقر المواطنين لتوجيههم كما هو فى غير صالحهم وصالح الوطن.. مفهوم.. التعامل .. لذلك وكما يرى خبرء الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد هناك ضرورة للعمل على إعادة تغيير مفهوم التعامل مع الفقراء والمحتاجين بالتركيز على سياسات وقوانين تعمل بهدف واحد وهو مساعدة الفقير على كسب قوته وقوت عياله وتلبية احتياجاته اليومية ومن خلال توفير فرص عمل جادة ومستقرة وليس أن يكون هدف الجميع مساعدته فقط على مجرد الأكل والشرب خلال شهر مثل رمضان.. فكل هذه الاحتياجات كما يقول الدكتور محمد النجار أستاذ علم الاقتصاد والإدارة بجامعة بنها.. هى متجددة وهذا النهج يحول المحتاج الفقر إلى متسول ويحول معظم منتجيها بل وموزيعها إلى أباطرة ومحتكرين جدد لعوز الفقراء والمعدومين عندما يقال إنها ذات أسعار فى متناول الجميع وهى على خلاف ذلك وتحولت لمجرد بيزنس موسمى يتسابق الجميع لتحقيق أعلى مكسب من ورائه لا يختلف فى ذلك ما بين القطاع الخاص والعام.. بل آخرين من المنتجين والمتعهدين يرونه فرصة لترويج سلع دون المستوى. الدكتور النجار.. شنطة رمضان فقدت معناها الحقيقى مؤخراً لاستغلالها فى أوجه عديدة على خلاف المطلوب من ورائها من المساعدة فى سد بعض احتياجات الفقراء والغلابة.. فهى بالفعل لا تسمن ولا تغنى من جوع فى ظل الانفلات الجنونى لكافة الأسعار وللسلع الغذائية وفى مناسبات كشهر رمضان على وجه الخصوص.. والتى رغم ما يدفع فى تكوينها وهو بالملايين من كافة القطاعات سواء الأفراد من المواطنين أو الجمعيات الخيرية وبعض الهيئات حولتها إلى باب جديد لإهدار الملايين من التبرعات الموجهة لها.. وهى فى الأساس لم تحقق لملايين الأسر أى شىء حقيقيا ولم تسد حاجة الفقراء والمعدومين حتى خلال شهر رمضان.. .. ويضيف.. هذه الملايين كان من الأولى توجيهها لمشروع يعلو من قيمة العمل ويستهدف الفقراء والمحتاجين فقط وخاصة لمن تعمدوا الحصول على مثل هذه الملايين فى صورة الشنط الرمضانية ثم يقومون ببيعها مرة أخرى لغير المستحقين من بعض المقتدرين على إهدائها للفقراء وحتى محدودى الدخل وهم كثير لم يتخيلوا أنها ستتحول فى يوم إلى سبوبة يتسابق للفوز بها كل من الفقراء والمنتجين لها.. ومن ثم فقدت الهدف الحقيقى المتمثل فى تعاظم قيم التكافل الاجتماعى إلى أكلنى شكراً ووصل إليها أيضا تسابق الارتفاعات المتتالية لأسعارها. الخطير هنا أنه رغم وجود فوارق واضحة ما بين شنط رمضان التى يكفلها المواطنون القادرون والراغبون فى جعلها ضمن زكاتهم أو صدقاتهم وما بين شنط رمضان المباعة فى سلاسل السوبر ماركت أو مجمعات الدولة.. فالواقع يؤكد أن إقبال المواطنين من الفقراء والغلابة لصالح شنط المواطنين القادرين والشنط المجانية التى توزعها القوات المسلحة.. وتبقى الشكوى من شنط البزنسة ومن ارتفاع أسعارها وتدنى مستوى سلعتها.