مستقبل وطن يعقد اجتماعًا تنظيميًا لمتابعة استعدادات انتخابات النواب 2025    مدارس التمريض بالفيوم تفتح أبوابها ل298 طالبًا مع بدء الدراسة    50 فرصة عمل في الإمارات برواتب تتخطى 91 ألف جنيه    فرص استثمارية.. هيئة الدواء المصرية تلتقي كبرى المؤسسات الدوائية الكورية -تفاصيل    التضامن: 257 مليون جنيه دعمًا للجمعيات الأهلية في 6 أشهر    محافظ أسوان يتفقد أعمال تطوير طريق السادات استعدادًا للموسم السياحي (صور)    ارتفاع عدد ضحايا التجويع في قطاع غزة إلى 420 وفاة    القوات الروسية تتسلل عبر نفق إلى كوبيانسك الأوكرانية    وزير الخارجية: الموقف الأمريكي قادر على تغيير المعادلة في غزة    أحمد حسن يكشف أهمية البطولة العربية.. وحقيقة الخلاف بين حلمي طولان وحسام حسن    بمشاركة حمدي فتحي بديلًا.. الوكرة يخسر أمام الأهلي بالدوري القطري    لجان إلكترونية ضده.. أحمد حسن يدافع عن حسام غالي بعد تصريحاته عن الأهلي    قرار قضائي عاجل بشأن البلوجر "لوليتا" المتهمة بنشر الفسق والفجور    ضبط 114 ألف مخالفة مرورية و98 سائقًا متعاطيًا للمخدرات في يوم واحد    مصرع شخص سقط من علو في العجوزة    "مدبولي" يتفقد مشروعات تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير    شيماء سيف تتصدر التريند لهذا السبب    تنفيذ مرور ميداني على 37 مشروعًا صحيًّا جاريًا ب13 محافظة -تفاصيل    وزير الصحة يتابع تقديم الخدمات الطبية للمصابين بمضاعفات صحية عقب إجراء تدخلات بمستشفى للتأمين الصحي    تغيرات مفاجئة في درجات الحرارة.. هل انتهى فصل الصيف؟    السجن المشدد ل 15 متهمًا في معركة دندرة بقنا    محافظ كفر الشيخ: إنشاء وتطوير 248 مركز شباب و22 ناديا رياضيا    غرفة تجارة القاهرة : إقبال كبير على معرض أهلا مدارس وتخفيضات ضخمة    طارق فهمي ل"الحياة اليوم": أمريكا وإسرائيل شريكان في مخطط شيطاني يستهدف غزة    هل هناك ترادف فى القرآن الكريم؟ .. الشيخ خالد الجندي يجيب    ما حكم صلاة تحية المسجد بعد الإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    إقبال كبير على «أهلاً مدارس» |120 معرضًا إضافيًا والتخفيضات حتى 40 %    وزير الخارجية: ما يصل قطاع غزة لا يلبي الاحتياجات وهناك حاجة يومية إلى 700 شاحنة    بداية جديدة.. قافلة طبية مجانية لأهالى قرية المرابعين فى كفر الشيخ    أسعار الكتب المدرسية للمدارس الرسمية لغات والخاصة والدولية 2025/2026    وزير الخارجية: ماسبيرو «أُم» المؤسسات الإعلامية في العالم العربي    نقابة المهن الموسيقية تنعى أرملة الموسيقار سيد مكاوي    أول بيان من «الداخلية» بشأن حقيقة قيام ضابط بمرور البحيرة بالقيادة دون رخصة وفاميه    مهرجان بورسعيد يعلن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة الطلبة    أحمد سعد: منعت أولادي من احتراف الغناء لهذا السبب    المستشار السابق لبوتين: الاقتصاد الروسي صامد رغم ضغوط الغرب    60 فنانوا العالم فى «آرت شرم الشيخ»    «الصحة» تنظم ورشة عمل حول البرنامج الإلكتروني للترصد الحشري    أنس صالح معدًا بدنيًا لطائرة الزمالك    توقيع مذكرة تفاهم بين جهاز تنمية المشروعات ووزارة التشغيل التونسية لتعزيز خدمات ريادة الأعمال    قصف إسرائيلي يستهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في حي تل الهوى جنوبي مدينة غزة    أحمد عادل عبد المنعم: لو الأهلي طلبني فرد أمن لن أرفض أبدا    اختيار جامعة القاهرة ضمن قائمة الأفضل عالميا في مجال الاستدامة البيئية خلال 2025    محافظ البنك المركزى: الموارد المحلية من العملة الأجنبية سجلت مستوى قياسيا فى أغسطس    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع «جنة 4» بالشيخ زايد    «التعليم» تطلق مدارس تكنولوجيا تطبيقية جديدة في تخصص الدواء    تدمير مدرسة وإخلاء للمدنيين.. جيش الاحتلال يواصل قصفه لمخيم الشاطئ    إنزاجي يستقر على تشكيل الهلال ضد القادسية في الدوري السعودي    هدنة 3 أشهر.. تفاصيل بيان مصر والسعودية والإمارات بشأن الحرب في السودان    الأنبا بقطر يرسم 117 شمامسة للخدمة في إيبارشية ديرمواس    منحة دراسية كاملة لأول طالبة كفيفة بكلية التجارة في جامعة أسيوط    صحة الإسكندرية تتخطى أكثر من 5 ملايين خدمة صحية خلال شهرين    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : اهلاً بالفرح !?    157 يومًا على رمضان 2026.. يبدأ 19 فبراير فلكيًّا    طقس الإسكندرية اليوم.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة والعظمى 31 درجة    تشكيل الزمالك المتوقع أمام المصري.. الدباغ يقود الهجوم    عاجل - من البر إلى الجو.. كيف ضربت إسرائيل الجهود القطرية والمصرية والأميركية في هجوم الدوحة؟    «البحوث الإسلامية» يحذر من خطورة تراجع القيم والتشكيك فى ثوابت الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين في السياسة الأمريكية- 3-
نشر في الوفد يوم 14 - 11 - 2011

استمرت جدلية العلاقة بين الدين والسياسة محتدمة في أمريكا القرن العشرين، مثل الجدل حول تمويل الحكومة للمعاهد والمؤسسات الدينية، فيرى أنصار فصل الدين عن الدولة أن القانون الدستوري يمنع ذلك، ويستشهدون بقضية شهيرة عام 1947 قررت فيها المحكمة العليا أن "الدستور قد شيد حائطاً يفصل بين الدين والسياسة،
ومن ثم يجب أن تمتنع كل من الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات عن دعم المؤسسات الدينية." ولكن بعد خمسين عاماً من هذا الحكم عادت المحكمة العليا بفتوى أثلجت صدور الدينيين، فقالت: "إن الدستور لا يمنع دعم الحكومة للمؤسسات الدينية على إطلاقه، بل يمنع التمييز بين الأديان في هذا الدعم." ومع نهاية القرن العشرين وبدايات الألفية تراجع التدين في أمريكا وزاد في الوقت نفسه تأثير الدين، فذكر تقرير لمركز "بيو" البحثي في الولايات المتحدة انخفاض نسبة الناخبين الذين حصلوا في الكنائس على معلومات عن المرشحين الرئاسيين إلى 13% في عام 2010 بعد أن كانت 25% في انتخابات 2006. وكانت نسبة الناخبين من الانتماءات الجمهورية أو الديمقراطية الذين وجههم رجال الدين للتصويت لمرشح بعينه ضئيلة للغاية، وفي العام 1980 كانت نسبة من ليس لديهم أي انتماء ديني لا تزيد عن 8%. أما في العام 2008 فقد تضاعفت نسبة من ليس لديهم انتماء ديني، فهل يشير ذلك إلى انسحاب تأثير الدين على انتخابات الرئاسة في أمريكا؟ كلا البتة! لقد وجدت الأصولية دائماً في أمريكا، لكن ما الفارق بين الأصوليين الذين أخذوا مدرس الأحياء إلى المحكمة عام 1925 لأنه يدرس الدارونية وأصوليي اليوم؟ الفرق كيفي وليس كمياً، فالأصوليون الآن يمارسون السياسة حسب فهمهم للدين.
ربما كان القياس الأدق لتأثير المعتقد الديني على الاتجاهات السياسية هو ارتباط المذهب بالتصويت، حيث استقر في العرف أن رئيس أمريكا يجب أن يكون "واسب" WASP وهي كلمة مختصرة لهذه الصفات: أبيض، وأنجلو ساكسوني، وبروتستانتي، ولم يشذ عن ذلك في كل رؤساء أمريكا إلا جون كنيدي (كاثوليكي) وباراك اوباما (أسود). ويعرف تاريخياً (من أيام سياسات "العقد الجديد" التي انتهجها روزافيلت وقت الكساد الاقتصادي) أن التصويت بين الكاثوليك واليهود والانجيليين يميل لصالح الديمقراطيين، ولكن تغير الحال بالنسبة للانجيليين مؤخراً، أما البروتستانت فيميلون للجمهوريين. بل إن تأثير المعتقدات الدينية داخل المذهب الواحد يتفاوت حسب الانتماء الحزبي، فكل من الرئيسين كارتر وبوش الابن ينتميان للطائفة الانجيلية، إلا أن كارتر الديمقراطي يعتبر نفسه ليبرالياً مؤيداً لتدريس الدارونية، في حين تعكس تصريحات بوش الجمهوري أنه أصولي النزعة.
أيضاً لوحظ في استطلاعات الرأي أن نسبة الالتزام الديني (الذهاب للكنائس والتبرع) أعلى بين من يصوتون للحزب الجمهوري، وكانت نسبة التأييد للرئيس بوش 75% بين الانجيليين عام 2006. بينما يوجد العلمانيون الذين لا ينتمون إلى أي مؤسسة دينية بنسبة أكبر بين أنصار الحزب الديمقراطي. ولذا وجد اوباما نفسة مضطراً في انتخابات 2008 أن ينفي ما يقال عن أن الديمقراطيين يحتقرون الانجيليين وكنيستهم. كذلك وجدنا هيلاري كلينتون (الديمقراطية) تتحدث عن كيف شكلتها العقيدة وحفظتها، ليفوز الديمقراطيون في الانتخابات.
على الجانب الآخر بدا أن الدين يشكل أجندة كل من الناخبين والإعلام في أمريكا، ففي العام 2010 أظهر استطلاع لمركز "بيو" أن حوالي ثلاثة أرباع الأمريكيين يرون أن أي رئيس لأمريكا يجب أن تكون لديه معتقدات دينية راسخة، وفي دراسة للمركز نفسه ظهر أن الإسلام كان هو الموضوع الأكثر تغطية في الصحافة الأمريكية عام 2010 وكانت التغطية الأكبر من نصيب أخبار بعينها مثل المركز الإسلامي بالقرب من الموقع صفر (مكان برجي التجارة اللذين ضربا في سبتمبر 2001)، ومحاولات قس حرق القرآن في فلوريدا. كما وجد التقرير أن نسبة المواد التي تتعلق بالدين تضاعفت من عام 2009 إلى عام 2010. وبدأت مؤخرا ظاهرة الكنائس الكبرىMega Churches التي يؤمها آلأف المصلين، وهي في الغالب تنتمي للجمهوريين، وأبدت تلك الكنائس قدرات على حشد الناس لصالح قضايا مهمة (مثل تحريم الإجهاض).
كان ثلاثة من أهم الرؤساء الأوائل لأمريكا (توماس جيفرسون، وأبراهام لنكولن، وأندرو جاكسون) بدون انتماء ديني محدد، ولكن الساسة الأمريكان المعاصرين على النقيض تماماً، فهم لا يعلنون فقط عن انتماءاتهم الدينية، بل يتحدثون عن تأثير الدين عليهم، فيعتبر بوش نفسه مسيحياً عرف طريق الهداية، وتقول النائبة الجمهورية عن ولاية مينيسوتا "ميشيل باكمان" إنها استخارت الله في مسألة ترشحها، وجاءتها البشارة من الله (هكذا قالت) بأنها على الطريق الحق." أما السناتور عن ولاية آلاسكا "ساره بالين" فقد باركها رجل دين ليحفظها من أعمال السحر! أما رجل الأعمال "هرمان كين" الذي يتصدر السباق الآن للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في إنتخابات الرئاسة القادمة فقد ذهب إلى أبعد من هذا، فيقول: "لقد صليت، وصليت، وصليت حتى أتتني البشارة من الله أنه يريدني أن اترشح للرئاسة، ولكنني كنت مثل موسى، فقلت: يارب؛ هل أنت متأكد أنك لم تختر الراجل الخطأ؟" (لاحظ أن "كين" يواجه حالياً إتهامات بملاحقة بعض العاملات جنسياً عندما كان يرأسهن من عشر سنوات). وتقول مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية السابقة لأمريكا (ديمقراطية): "حاولنا أن نبقي مسألة الله والدين بعيدا عن السياسة الخارجية، ولكن بدا لي وأنا في منصب وزيرة الخارجية أن الدين يلعب دورا كبيرا متزايدا في العالم." بل إنها ترى أنه "سيكون أمرا جيدا لو تم تعيين خبراء في الدين لوزير الخارجية."
ويعد تشكيل جماعة ال"تي" داخل الحزب الجمهوري تطوراً آخر في إتجاه تداخل الدين مع السياسة، فبالرغم من أن الجماعة تهدف إلى تقليص الحكومة وخفض الضرائب (كما يوحي اسم الجماعة TEA الذي هو اختصار لجملة "مفروض من الضرائب ما يكفي" Taxed Enough Already إلا أن أعضاء الجماعة يعبرون صراحة عن أن الدين هو أهم عامل في تشكيل آرائهم السياسية.
خلاصة هذه الشواهد تشير إلى أن الاجتماع السياسي الأمريكي الذي بدأ ليبرالياً حريصاً على إبعاد الدين عن السياسة لم يستطع أن يبقى كذلك، وتحول بفعل الوقت، ونشاط حركة الحقوق المدنية، وصعود اليمين المسيحي، إلى اجتماع سياسي يتداخل الدين في اختيارات ناخبيه، وتحديد إتجاهات مرشحيه، ووضع أجندة إعلامييه. إلا أن الملاحظة الأهم هي أن الدين يستخدم في السياسة الأمريكية للحشد والتجميع بعيداً عن التشريع، سواء أكان ذلك داخلياً أم خارجياً، فالدين لا يسيطر على السياسة بقدر ما أن السياسة تستعين بالدين، أي إن الدين مطية للسياسة الأمريكية وليس غاية لها. ومع ذلك بدأنا نسمع أصواتاً لساسة امريكان يدعون إلى تشريعات للتمييز ضد المسلمين؛ إذ دعا أحد أعضاء برلمان ولاية تينيسي إلى طرد المسلمين من الجيش الأمريكي ومنع التحاقهم به، وهو ما يؤسس إلى مرحلة جديدة في تداخل الدين مع السياسة في أمريكا سوف تحتاج إلى تعديلات دستورية حتماً، وإن كنت استبعد ذلك.
من اللافت للنظر أيضاً في هذا التداخل أنه لا يفصل بين معسكرين متضادين: ديني في مقابل علماني، بل يجعل الدين أداة يستخدمها الساسة على اختلاف ألوانهم حسب المزاج العام، دون خوف من أن يتهموا بالرجعية، ودون أن يستخدم الدين في تعظيم الذات أو نفي الآخرين. إنه اختلاف لا يتعارك أطرافه بقدر ما يتبادلون الأدوار خلاله، وفي النهاية ليس مهماً ما تعتقد، بل المهم هو ما تفعل. ليتنا نتعلم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.