إنه يوم مختلف ، أو هكذا يجب أن يكون ، قضيته خلال سنوات غربتى الطويلة فى صمت ، وأحيانا فى نسيان، وبين وقت وآخر كان يشاركنى فيه بالتهنئة وأمنيات طول العمر رسائل البريد الالكترونى الباردة أو رسائل الهواتف الإس إم إس ، بعد أن باتت تلك الوسائط صرعتنا الحضارية للمعايدة والمباركة غالبا ، فى وقت طحنتنا فيه الحياة بمطالبها وصراعاتها اللامتناهية ، وتباعدت فيه العلاقات الأسرية والاجتماعية بصورة باتت تهدد مجتمعنا المصرى المشهود له بالترابط ، إنه يوم ميلادى . فى مثل هذا اليوم أيضا 13 نوفمبر "وهى مصادفة قدرية " ، يقيم بيتى الكبير وأعنى به " الوفد " احتفالية عيد الجهاد لإحياء ذكرى لا أنساها أبدا حتى وإن نسيت يوم ميلادى أحيانا ، ذكرى الكرامة المصرية فى عهد حاول فيه المستعمرأن يضيع كرامتنا ، ويسقط هويتنا ويتنكر لزعامتنا الوطنية ، كان ذلك عام 1918 ، عندما ضج العالم الاوروبى للاحتفاء بمعاهدة الصلح التى اقترحها الرئيس الامريكى ودرو ولسون قبل انتهاء الحرب العالمية بعشرة أشهر ، بهدف إيجاد تسوية سلمية عادلة على المستوى السياسى والاقليمى للصراع الدائر ، ولمنع اى حروب مستقبلية مدمرة على غرار تلك الحرب العالمية التى ذاق العالم ويلاتها . وقد دعى لمؤتمر الصلح قادة الدول الاربع الكبار فى ذلك الوقت ، فيرتو اولاندو رئيس وزراء ايطاليا ، ديفيد لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا ، جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا ، ومطلق المبادرة الرئيس الامريكى وليسون ، ووجد زعماء الوفد الذين مثلوا الجهاد الوطنى فى مؤتمر الصلح هذا فرصة لعرض قضية مصر ، والمطالبة باستقلالها استقلالا تاما عن الاحتلال البريطانى ، وتوجه الزعيم سعد زغلول وبرفقته كل من عبد العزيز فهمى وعلى شعراوى الى المندوب السامى البريطانى لطلب السفر الى باريس لعرض قضية مصر . الا ان المندوب الممثل للمستعمر رفض سفرهم ، وحاول تجريدهم من صفتهم الوطنية الممثلة للشعب المصرى ، وزعم انه لا يمثلون شعب مصر بل يمثلون انفسهم ، وهنا ثار الشعب ، وقال كلمته بوضوح ، بجمع توقيعات وعمل توكيلات لسعد زغلول ورفاقه الوطنيين الاحرار ، بصفتهم ممثلين عن الشعب ، ومنذ ذلك التاريخ ، تعتبر مصر كلها وليس حزب الوفد فقط هذا اليوم الخالد عيدا للجهاد ، وتأريخا لالتفاف الشعب حول الوفد ، وتخليدا لدور الوفد الوطنى فى حقبة كانت من اصعب الحقب التى مرت بها مصر تحت وطأة الاستعمار . فى هذا اليوم والذى أحضره لأول مرة منذ سنوات طويلة فى بيتى الكبير ، بيت الامة ، حيث يقود الوفد مسيرة جديدة فى حقبة جديدة من تاريخ مصر ، حقبة نحاول فيها جميعا التخلص من اثار استعمار داخلى ، كان أكثر خطورة من الاستعمار الخارجى ، استعمار نظام كبل حرياتنا ، وخنق أنفاسنا ، وصادر حقنا فى حياة حرة كريمة ، فى ذلك اليوم ، أبحث عن أكبر تورتة فى العالم لأقدمها لكل شعب مصر ، أقدمها لهم من تحت تلك الخيمة الهائلة التى يحتضنها مقر الوفد لإحياء ذكرى الجهاد ، ولأول مرة اشعر بهذا الدفء يلفنى ويلف ملايين من شعب مصر ، ونحن نتنفس بحرية أتمنى أن تدوم علينا ، تدوم علينا بتصحيح مساراتنا السياسية ، بالخروج جميعا الى صناديق الاقتراع ، للادلاء بأصواتنا فى حرية ، بعيدا عن أى مؤثرات او مصالح شخصية ، بألا يبيع أحدنا صوته مقابل حفنة دولارات أو جنيهات ، او قطعة قماش او كيلو لحم ، لأن كل ذلك سيفنى فى دقائق او ساعات او أيام ، وسيبقى شعورنا بالذنب شعورا أبديا ، بأننا لم نخلص النية والصدق للوطن ، ولم نسع معا لتصويب أخطاء الماضى ، بإعطاء كلمتنا وصوتنا لمن يستحق عن جدارة ، من أجل مصلحة الوطن لا مصالحنا الشخصية . فى هذا اليوم ، يوم عيد الجهاد ، يوم عيدى ، اتمنى لكل مصرى أن ينظر بداخله ، أن يفتش عن ذاته ، ان يستخرج مكنونها ، كنزها الثمين الذى لا يشوهه فقر او حاجة ، ان نتوج ثورتنا التى لم تكن ابدا ثورة جياع ولن تكون ، بل ثورة كرامة وحرية كما شهد لنا العالم ، وأن نخرج جميعا بكامل إرادتنا وقوتنا الوطنية لنقول كلمتنا ونختار من يمثلنا بحق ، لقد انتهى عهد الباطل ، وعلينا جميعا التمسك بالحق ، لأن الحق فوق القوة ، والأمة فوق الحكومة كما قال الزعيم سعد زغلول ، وكل عام وانتم جميعا بألف خير .