النحاس من أقدم المعادن التى عرفها الإنسان وقد استعمل النحاس فى مصر قبل الذهب. وخام النحاس كان يستخرج قديماً من وادى مغارة، إذ وجدت بقايا حفر منجمى ترجع إلى الدولة القديمة، والدولة الوسطى. ووجدت كميات كبيرة من المعدن الأحمر وبقايا الصهر من مخلفاته وجميعها ترجع للدولة القديمة. وقد وجد النحاس فى الطبيعة كقطع حمراء نقية مخلوطة بالصخور منذ أكثر من 10 آلاف عام قبل الميلاد وكان يحتوى على فقاعات هوائية كثيرة ولا تصلح لصنع الأدوات. ولم تقتصر صناعة النحاس على الأدوات المنزلية فقط.. فهناك أدوات الزينة المصنعة من النحاس المرصع بالأحجار الكريمة والفضة وفى القلائد والخواتم التى تتزين بها النساء مما يزيد من أناقتهن.. والنقش على النحاس يدل على مهارة الفن والروعة والذوق، والنحاس من أبرز الفنون الشرقية، ويعتبر جزءا من الفن الإسلامى. كما كان النحاس يستخدم أيضاً فى طلاء قاع السفن الخشبية حتى لا تتعرض للتلف. وكان المصريون القدماء قد استخدموا النحاس فى صنع أنابيب لتوصيل مياه الشرب وأخرى للصرف، فقد عثر الأثريون على 1300 قدم من الأنابيب النحاسية فى معبد هرم «أبوصير». وفى ورش خان الخليلى وحارة اليهود نشاهد المراحل التى تمر بها أشكال الآنية المطلوب صنعها من أيدى المهرة الحرفيين.. حيث ترسم النقوش بأقلام نقش فولاذية وبمساعدة المطرقة والسندان، ثم تمسح حتى تعود إلى أصلها الطبيعى، ويتم عزل القطعة المراد الحفر عليها بمادة شمعية لا تتأثر بالأحماض، ثم يقوم الفنان بالرسم بواسطة قلم حاد على هذه المادة ويتم تحديد الشكل المطلوب مما يسمح بوصول الحمض إلى جسم المعدن فوق الرسم ثم يقوم بتغطيس الآنية فى حمض الأزوت، وتركه لفترة حتى يأخذ الرسم حجمه المطلوب، وبعد إخراج القطعة من الحمض وغسلها وتنشيفها يتم تركيب خيوط الفضة فى هذه الرسومات وذلك بالطرق الخفيف عليها لتأخذ مكانها الصحيح.. وبهذا تكون قطعة النحاس جاهزة للتطعيم بالفضة أو بأحجار الفيروز والعقيق والعنبر. ويعانى أصحاب الورش والبازارات من عزوف الشباب عن العمل وتعلم «كار» أو حرفة النحاسين، التى أوشكت على الانقراض. بداية يقول المهندس أشرف على، وهو تاجر لخامات الحرف اليدوية بخان الخليلى: إن والده كان من المؤسسين لهذه الحرفة وهذا الفن فى خان الخليلى. وأضاف أنه رغم النكسة في أواخر الستينيات، إلا أن السبعينيات شهدت نوعاً من الاستقرار والانفتاح الاقتصادى.. وبالتالى تدفق السياح الأمريكيون والروس والألمان، لافتاً إلى أن نوعية السياح التى كانت تنزل مصر آنذاك كانت غير الموجودة الآن من حيث قدرتها الشرائية. أيضاً الجيل الأول للمهنة آنذاك ابتكروا فنوناً وأخرجوا من تحت أياديهم جيلا ثانيا، والجيل الثانى أراد أن يستقل بنفسه فى العمل بعد أن تعلم ومارس المهنة، وفتح ورشاً منفصلة، وذلك فى فترة التسعينيات، والجيل الثالث قليل منهم الذى استمر فى العمل بمهنة آبائهم وأجدادهم، ووالدى كان من مؤسسى هذا الفن من الخراطة والتصنيع والابتكار.. لكننا فضلنا التعليم وليس تعلم الحرفة ومنا من أمتهن مهنة الطب والهندسة، لكن تعلم الحرف اليدوية لابد أن يكون فى سن صغيرة. وقال «على»: بعد أن حصلت على بكالوريوس الهندسة اتجهت إلى مهنة الوالد، وأتاجر حالياً فى الخامات الخاصة بتصنيع منتجات الحرف اليدوية فى خان الخليلى. وحول فنيات المهنة، قال «على»: إنها عبارة عن الخراطة وإعادة سمكرة ثم مهنة اللحام ثم التلميع والتشطيب و«الفنش». وحول حركة السياحة قال «على»: إنها ضعيفة جداً جداً وتراجعت من بدايات 2011، وحتى الآن فحركة السياحة فى انحدار، خصوصاً أن شغل خان الخليلى مرتبط بالحركة السياحية بشكل كبير جداً. وقال رضا اللول: منذ 40 عاماً وأنا أعمل فى هذه الحرف اليدوية بخان الخليلى، وتعلمت اللغات الأجنبية بالممارسة مع السياح الأجانب، وأعمل فى صناعة النحاس من أول طاسة الخضة حتى الفانوس المعلق. وأضاف: للأسف الشباب ليس لديه صبر وجلد للمهنة، لكن إذا كان يتعلمها عن الآباء والأجداد فيمارسها كصناعة له، وإذا لم يسع الشباب لتعلمها ستنقرض. وحول حركة البيع والشراء، قال «اللول»: لازم نتفاءل خيرا للفترة القادمة ولابد أن يكون عندنا ثقافة التفاؤل، لكن أشفق على الشباب الذى يجلس فى انتظار الوظيفة الحكومية. وأكد محمد عبدالله الذى أكد أن المهنة ستنقرض قريباً بسبب انصراف العمال عنها وعدم إقبال الشباب لتعلم هذه الحرف اليدوية.. أيضاً بسبب ارتفاع سعر الخامات وتراجع حركة السياحة، لافتاً إلى أنه أخذ المهنة وراثة عن خاله منذ الصغر، وخلال السنوات الخمس الماضية وبسبب تدهور حركة السياحة والحالة الاقتصادية ترك «محمد» المهنة وفتح مطعم أكلات شعبية، لكنه أغلق المطعم وعاد مرة أخرى إلى مهنته الأساسية اليدوية و«الشغل» على النحاس بخان الخليلى. ويعانى «محمد» الآن من انصراف الصنايعية عن المهنة خصوصاً الشباب، كما يعانى من ارتفاع سعر النحاس بسبب ارتفاع أسعار الدولار. وأضاف أن وسائل الإعلام تعدهم بتوصيل صرخاتهم للمسئولين، وللأسف لا أحد يسمعهم. ويصرخ «محمد» فى حزن شديد: لا توجد خامات.. لا توجد عمالة.. ولا توجد سياحة عربية ولا أجنبية، والمنتج الصينى غطى على المنتج المصرى.. نأكل منين، ونأكل عيالنا منين؟ ووصف سيد حسن الذى يعمل فى حرفة الزخرفة على النحاس أن المهنة ليست صعبة لمن يريد تعلمها من الشباب.. ويقول للشباب الذى ينتظر الوظيفة: إنه يجب أن ينزل لميدان العمل ويبحث عن أى عمل شريف ويمتهن أى حرفة يدوية.. لكن عن حب واقتناع وصبر. ويقول «الأسطى محمود»، الذى يعمل فى الحفر على النحاس: إن تراجع التدفق السياحى، تسبب فى انكماش حركة البيع والشراء، لأن الغالبية من نشاط المنطقة يقوم على السياحة سواء السياح العرب أو الأجانب. وعن مطالب «محمود» من الدولة، قال: نريد تقديرا من الدولة وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية والتأمين على العمال فى الصناعات اليدوية بخان الخليلى خاصة عمال الورش. وقال الأسطى حسن، الذى يعمل فى صناعة فوانيس الإضاءة النحاسية: المهنة إلى زوال بسبب عزوف الشباب عنها، لأن الشباب الآن لا يقبل على أى مهنة أو حرفة يدوية ليتعلمها أو يعمل بها، إذ يراها متعبة ومرهقة له، ويفضل البحث عن العمل السهل. وعن مهنته، قال: إنه تعلمها من والده وأخواله، وهى الشد والطلاء والزخرفة. وكشف لنا الأسطى حسن، أنه لا توجد حركة سياحة ولا حركة سوق.. ومن يقل غير ذالك «كذاب».