المبدع «كن لوتش» يشارك بفيلمه رقم 25 فى مهرجان «كان» هذا العام. وتعد تلك المشاركة هى الثامنة عشرة التى أتى فيها إلى المهرجان، حيث شارك بالمسابقة الرسمية 13 مرة، وفى هذا العام يتنافس بفيلمه «أنا، دانيل بلاك»؛ الذى يدور حول النجار دانيل، المصاب بمرض القلب، والبالغ من العمر 59 عاماً، «دايف جونز» ويعد هذا العمل بمثابة عودة جديدة لسينما الفقراء والمهمشين فى إنجلترا التى اشتهر بها «كن لوتش»، والفيلم يحمل أساليب المخرج المعتادة وسخطه على قساوة النظام الرأسمالى، وتعاطفه مع الفئات الفقيرة فى المجتمع.. ويتوقع البعض اقتناصه السعفة الذهبية الثانية بعد فوزه من قبل بها عن فيلمه «الريح تهز الشعير» سنة 2006، إلى جانب حصوله عن ثلاث جوائز أخرى من لجان التحكيم بمهرجان «كان» كسعفة ذهبية خاصة بلجان التحكيم، مع أفلام: «الأجندة الخفية 1990»، و«السماء تمطر أحجاراً 1993»، و«نصيب الملائكة 2012.. والريح تهز الشعير». استند فيه إلى وقائع تاريخية تتعلق بالثورة الأيرلندية ضد قوات الاحتلال البريطانية فى العام 1920. واستعان المخرج كين روش بالمؤرخ دونالد دريسكول طوال تصوير مشاهد الفيلم لمراعاة الأصالة والدقة التاريخية. وعرض الفيلم الوقائع والأحداث التاريخية من دون تحيز أو إصدار أي أحكام. كما تميز الفيلم بالأداء التمثيلى العالى، وفى مقدمتهم الممثل الأيرلندى سيليان ميرفى فى، وببراعة السيناريو على يد الكاتب السينمائى بول لافيرتى والتصوير على يد المصور بارى أكرويد الذى ينجح فى إظهار جمال الريف الأيرلندى وفى نقل واقعية المعارك. أثار فيلم «الريح التى تهز الشعير» جدلاً سياسياً كبيراً فى بريطانيا عند صدوره، وأثار حفيظة بعض النقاد البريطانيين، الذين ذهب أحدهم إلى حد اتهام كين روش بالخيانة. ومع ذلك، فقد قوبل الفيلم باستحسان معظم النقاد البريطانيين. ومع أن المخرج كين روش اتهم معظم دور السينما البريطانية بمقاطعة الفيلم، فقد عرض الفيلم فى أكثر من 100 من صالات العرض البريطانية، وحقق نجاحاً نسبياً على شباك التذاكر، كما حقق الفيلم نجاحاً مماثلاً فى دور السينما الأمريكية والفرنسية. وأخرج «كن لوتش» العشرات من الأفلام الاجتماعية للسينما والتليفزيون تناولت معاناة المشردين مثل فيلم (كاثى عودى إلى البيت) 1966 والحرب الأهلية الإسبانية في فيلم (الأرض والحرية) 1995 والصراع فى أيرلندا فى فيلم (الأجندة الخفية) 1990 وفيلم (الريح التى تهز حقول الشعير) الفائز بجائزة السعفة الذهبية فى مهرجان «كان» العام 2006. قدم لوتش أول أعماله الروائية الطويلة تحت عنوان: «البقرة العاجزة» poor cow حيث يصور بكاميرته المتأثرة بالنمط التسجيلى وقائع الحياة المغيبة والمسكوت عنها فى الأحياء الإنجليزية الفقيرة. ويعد كين لوتش أحد أبرز المخرجين العالميين الذين انتهجوا تيار الواقعية فى السينما وظل مخلصاً لمبادئه وخاصة فى فيلم (الطريقة الأيرلندية) باعتبار أن الطريق التى تصل بين مطار بغداد والمنطقة الخضراء المحصنة هى الأكثر خطورة فى عراق ما بعد الاحتلال، حيث يتتبع الفيلم مصائر رجال شركات الأمن الخاصة التى تعمل فى العراق. اختار نص هذا الفيلم وقدمه بأسلوب التحقيق، وصورت أجزاء منه فى الأردن. يلجأ لوتش إلى أسلوب تيار الواقعية فى أفلامه وفيها ينحاز دائماً إلى عالم المهمشين اجتماعياً وسياسيَّاً وهو صاحب مواقف وأفكار إنسانية متحررة عكستها أفلامه المتنوعة التى استقبلت بثناء عشاق السينما وجوائز رفيعة من بينها جائزة الأسد الذهبى فى مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى. ويتميز لوتش بالانحياز للقضايا والمواضيع الإنسانية، ومن مواقفها الشجاعة اصطفافه مع الحقوق العربية المشروعة فى فلسطين ضد الممارسات الإسرائيلية، وذلك لدى اتخاذه قرار مقاطعة مهرجان ملبورن السينمائى فى أستراليا، وسحب فيلمه المسمى (البحث عن إيريك) الذى يتناول قصة لاعب الكرة الفرنسى المعتزل إريك كانتونا من العروض المخصصة للمهرجان بعد اكتشافه أن المهرجان يتلقى الدعم والتمويل من إسرائيل. ولقد عانى كثيراً فى عهد حكومة تاتشر. ومن أهم أفلامه فيلم «Raining stones» تمطر حجارة وحصل به على (جائزة لجنة التحكيم فى كان 1993) وفيلم «اسمى جو My name is Joe مصوراً حياة مدمن خمر فى أحد الأحياء الفقيرة لجلاسكو Glasgow. وأيضاً فيلم «مجرد قبلة Just a kiss» 2004 الذى أخرجه بعد أحداث 11 سبتمبر ويحكى عن قصة حب صعبة تجمع بين «قاسيم» شاب من عائلة باكستانية متدينة ومحافظة، مع «إيفا» مدرّسة فى مدرسة كاثوليكية.. وفى فيلمه «ريف راف Riff-Raff» تناول قضية عمال البناء الموسميين وظروف الاستغلال التى يعيشونها وفى فيلم «الملاحون The navigators» 2001 نقل أزمة خصخصة قطاع صيانة السكك الحديدية.. أما نضال عاملات النظافة فلقد قدمه فى «الخبز والورود Bread and roses2000. ويعتبر فيلمه «الأرض والحرية» Land and Freedom - 1995 أكبر المشاريع السينمائية للمخرج البريطانى الكبير كن لوتش، سواء من حيث الميزانية، أم الطموح الفنى لتحقيق فيلم «أوروبى» متكامل يعيد فتح ملف أحد أهم الأحداث الأوروبية والعالمية فى القرن العشرين، أى ملف الحرب الأهلية الإسبانية 36- 1939 من خلال منظور يسعى إلى اكتشاف حقيقة ما حدث فى ضوء ما يحدث اليوم فى قلب القارة الأوروبية من تغليب المصلحة السياسية المحدودة على المبادئ.. وفى فيلم «أغنية كارلا Carla's song» 1996 نرى أحسن صورة سينمائية للتحيز لقضايا المرأة.. ويعتبر كين لوتش من أبرز ممثلى الواقعية الجديدة فى السينما، ويعشق ترك مجال الحرية والارتجال واسعاً للممثلين لبلورة حوارهم بتلقائية.. ويعد أسلوبه المتفرد والبعيد عن الإملاءات سبباً فى وضعه فى موقعاً مهماً فى خارطة السينما الأوروبية، ويظل من المخرجين أصحاب البصمة المميزة فى العالم.