لم تشفع لهم شيبتهم ولا وهن عظامهم أمام حكومات لا ترحم، فمنذ سنوات طويلة، بُحت أصوات أصحاب المعاشات من أجل الحصول على حقوقهم التى أضاعتها حكومات ما قبل الثورة، واعتقدوا أنهم سيكون لهم نصيب من شعارات الثورة التى نادت بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، خاصة أن معظمهم قضى أجمل سنوات العمر والشباب فى خدمة الوطن، إلا أن الثورة لم تأت بجديد، وما زال أصحاب المعاشات يضجون بالشكوى مطالبين برد أموالهم المنهوبة التى تقدر ب640 مليار جنيه، ولكن لا مجيب، حتى قرروا الدخول فى اعتصام وإضراب، وتوقيع استمارة تمرد جديدة، تزامناً مع الاحتفالات بأعياد عيد العمال، مطالبين بحقهم فى الحياة. تؤكد الإحصاءات الرسمية أن عدد أصحاب المعاشات يصل إلى 9 ملايين مواطن، يعيلون 40% من الأسر، ليس لهم مصدر دخل سوى الفتات أو المعاش الذى تصرفه لهم الحكومة، ولأن معظمهم بلغ من العمر أرذلة فقد أصابتهم الأمراض وزادت معاناتهم مع التأمين الصحى الذى لا يقدم لهم سوى القليل، فراحوا يبحثون عن حقوقهم الضائعة منذ سنوات طويلة بعد أن استولت حكومات الحزب الوطنى على أموالهم وتركتهم يعانون، ورغم الدعاوى القضائية والمطالب المتكررة لاتحاد أصحاب المعاشات منذ سنوات طويلة بحثاً عن حقوق أعضائه، إلا أن حكومات ما بعد الثورة عملت «ودن من طين وأخرى من عجين» أمام مطالبهم المشروعة، وهو ما دفعهم للاحتجاج، وقرر 200 منهم الاعتصام بمقر اتحادهم وسط القاهرة، بالإضافة إلى تدشين استمارة أشبه باستمارة تمرد تحت اسم «الحقيقة.. عايز حقى وحق أولادى»، على أن يقوم أصحاب المعاشات بالتوقيع عليها وتوجيهها إلى رئيس الجمهورية، مطالبين إياه بإصدار تعليماته للحكومة بتنفيذ أحكام الدستور بالمادتين رقم 17 و27 اللتين تلزمان الحكومة بحد أدنى للمعاش يتساوى مع الحد الأدنى للأجور وقدره 1200 جنيه، وتتضمن المطالب أيضاً منح قدامى أصحاب المعاشات علاوة أقدمية قيمتها 20% لمن تجاوزت معاشاتهم حالياً الحد الأدنى، وصرف علاوة دورية لأصحاب المعاشات بنسبة 20% لمواجهة التضخم وارتفاع الأسعار. وأوضح البدرى فرغلى، رئيس الاتحاد، أن المطالب تتضمن أيضاً إلزام الحكومة برد مبلغ ال640 مليار جنيه الذى استولت عليه، خاصة أن منها 62 ملياراً مربوطة لدى الحكومة منذ عام 2006 دون عائد، وهو ما أكدته وزيرة التضامن الاجتماعى فى تصريحاتها. وطالب «فرغلى» بضرورة إصدار قانون من مجلس النواب باعتبار أموال التأمينات أموالًا خاصة تتمتع بالحماية المقررة للأموال العامة، وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها، مع ضرورة إنشاء هيئة مستقلة لا تتبع الحكومة تدير أموال التأمينات والمعاشات وتستثمرها استثماراً آمناً، على أن تكون عوائدها لأصحاب المعاشات. وطالب «فرغلى» أيضاً بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لأصحاب المعاشات بصرف الأثر الرجعى لفروق علاوات 2005 و2006 و2007، وصرف متجمد الأثر الرجعى للعلاوات الخمس التى قضت المحكمة الدستورية العليا عام 2005 بأحقية أصحاب المعاشات فيها، بواقع 80% طبقاً لأحكام المحكمة. ويلتقط منير سليمان، عضو مجلس إدارة الاتحاد، أطراف الحديث، مشيراً إلى أن هناك ما يقرب من 5 ملايين من أصحاب المعاشات تقل معاشاتهم الشهرية عن 500 جنيه، وهؤلاء وغيرهم من أصحاب المعاشات التى تزيد على ذلك يعانون، خاصة بعد تخفيض قيمة الجنيه لأكثر من 14%، وارتفاع أسعار كل شىء، خاصة الأدوية التى ينفق عليها أصحاب المعاشات أكثر من نصف دخولهم كل شهر، وارتفاع أسعار فواتير الغاز والكهرباء والمياه بشكل غير مسبوق. ووصف «سليمان» ما يحدث لأصحاب المعاشات بأنه جريمة ضد الإنسانية، فنحن نعيش تحت خط الموت بعد أن تعدينا خط الفقر. وأكد أصحاب المعاشات حقهم فى مشاركة الحكومة فى إعداد قانون التأمين الاجتماعى الذى تنوى الحكومة تقديمه لمجلس النواب فى شهر يونيه القادم، لذلك لابد أن تطرح مواده للحوار المجتمعى بدلاً عن إعداده فى غرف مغلقة، كما طالبوا بإلغاء القانون رقم 130 لسنة 2009 المعروف بقانون المعاش المبكر الذى يحيل العمال لقائمة أصحاب المعاشات الذين لا يحصلون سوى على الفتات. أحوال أصحاب المعاشات عار على الحكومة، فبعد أن ضاعت أجمل سنوات عمرهم فى العمل الشاق والمضنى خرجوا على المعاش ليجدوا أن الفقر والحاجة فى انتظارهم، وفقاً لجمال الدين نصر، السائق الذى ظل فى الخدمة من عام 1979 حتى خرج على المعاش المبكر عام 2005، ليحصل على معاش قدره 150 جنيهًا فقط، فبعد 26 عاماً قضاها فى الخدمة لم يجد سوى هذا المبلغ الذى لا يكفى شيئًا، ورغم أن المعاش أصبح الآن 520 جنيهًا، إلا أنه أيضاً لا يكفى شيئًا.. ويقول عم جمال: رغم كبر سنى أضطر إلى النزول للعمل لزيادة دخلى، فأنا مصاب بالقلب وأحتاج لعلاج شهرى ب650 جنيهًا، والتأمين الصحى لا يصرف العلاج الذى يكتبه الطبيب، وليس أمامى حل سوى الشحاتة فى الشوارع، لذلك فالعمل أفضل. وأضاف: حتى التموين لا أحصل عليه بعد ضياع البطاقة، ولم يعد لى حق فى الدولة، واشترى الخبز بربع جنيه للرغيف، وأسعار كل شىء نار، ولا أحد فى الدولة ينظر إلى معاناتنا، وكأن خروجنا على المعاش إعلان لوفاتنا، فلا الدين ولا الإنسانية يرضيان بأن يتحول أصحاب المعاشات إلى متسولين، تارة يتسولون حقوقهم من الحكومة، وتارة أخرى من الناس.