إغلاق المحاكم هو الرد الوحيد المتاح الآن وسط ما يحدث في ساحات المحاكم. القضية هي أن جموع المحامين يرفضون مشروع قانون تم إعداده للسلطة القضائية وبه مادة تتيح للقاضي سجن أي شخص يثير الفوضي في قاعة المحكمة دون النظر إلي حصانته. واعتبر المحامون أن هذه المادة بالذات موجهة لهم، وأنها تنتقص من هيبة المحامي. وبما أن الحكاية تأتي وسط حملات انتخابات نقابة المحامين فقد اشتعل غضب البعض ولتقف مصر لأول مرة وتتابع مثل هذا الصراع بين شقي العدالة القضاة والمحامين. وإذا كان الأمر كذلك بينهما.. فمن الذي يصلح ومن الذي يمنع تدهور الأمور.. لا أحد.. حتي الآن. التصعيد الذي أشعله البعض، وصل إلي درجة منع المحامين لأي قاضٍ من الوصول إلي قاعة المحكمة.. فتعطلت العدالة بأمر حماة العدالة. وأصبحت مصر تقف حائرة بين الطرفين. وفي أي دولة محترمة تجد للقاضي هيبة كبيرة وتجد أيضاً للمحامي هيبته. ولكن لم نسمع في العالم عن محامين يمنعون القضاة من الدخول إلي جلسات المحكمة أو إلي غرفهم في أي مكان، لم نسمع - إلا في مصر - عن محاولات إغلاق المحاكم بالجنازير وتفتيش السيارات المارة لمنع القضاة من التحرك حتي حول المحكمة. وأياً كانت درجة الغضب داخل المحامين أو بينهم فأنا لا أتفق أبداً مع تصعيد الأمر إلي مثل هذه المرحلة الخطيرة. والأخطر هو انني ومعظم شعب مصر لا نستطيع أن نتخذ قراراً أو أن نمنع ما يحدث فتحولنا إلي مشاهدين يتأثرون بالأحداث.. وللأسف لا توجد جهة في مصر تستطيع أن تتدخل أو أن تسيطر علي ما يحدث. رد فعل القضاة لن يكون تعليق جلسات المحاكم فقط. بالتأكيد سيكون لهم رد فعل آخر.. وهذا أمر منطقي تماماً. وأول رد فعل سيكون أن يتمسك القضاة بمشروع القانون الذي أعدوه. وبالتالي لن يتنازلوا عنه، رغم انه كان أساساً مجرد مشروع واقتراح ولكن تطور الأمر يجعله الآن أهم مادة في القانون. وهكذا نفشل حتي في أن يكون هناك حوار نصل به إلي نتيجة بين أهم أطراف العدالة في مصر. وإذا كان هذا هو حال العدل والقضاء في مصر فما بالك بحالتنا في كل المشاكل والقضايا الأخري. أين نقف وأين نضع الحد الفاصل بين الفوضي العارمة والمنطق لحل المشاكل؟ مصر تضيع بسبب اقتناع البعض بأن الصوت العالي يصنع المعجزات وبسبب تعنت غريب في الرأي والتعبير عنه. لقد أغلقت المحاكم بالضبة والمفتاح والجنازير.. ولا عزاء لشعب يبحث عن الإنصاف والعدالة في زمن تاهت فيه كل ملامح الطريق.