تسكن «الأم» فى خانة خاصة جدا، لا يتفرع منها شارع ولا يطل عليها شباك.. الأم مصدر الحب والحنان والحماية، كل الخطوط تتساوى وكل الأشياء تتغير أمام نظرتها وقدرتها على الاحتواء.. وقد نجح عدد كبير من الفنانات فى تقدير دور «الأم» بشكل يرضى المشاهد ويقنعنى إلى حد كبير.. أمينة رزق، عزيزة حلمى، هدى سلطان، كريمة مختار..فنانات نجحن فى تقديم دور الأم بمهارة واقتدار، ومرت الأيام والسنوات وظهرت القديرة عفاف شعيب وخطفت الأنظار بقدرتها على تجسيد دور الأم، ولا نبالغ إذا قلنا إن عفاف شعيب ظهرت كأن لنجوم أكبر منها فى سنوات العمر ولم يفلت منها أى انفعال، ولم يحدث خلل فى مؤشر أدائها.. «الشهد والدموع» هو أبرز أعمال عفاف شعيب، فقد استطاعت أن تخترق وجدان الشعب العربى بأدائها الرشيق وقدرتها على التعايش مع محنة «أم» خطف الغدر زوجها وقررت أن تعتزل كل الأشياء وتتفرغ فقط لتربية أولادها. فى هذا الحوار بحثنا مع القديرة عفاف شعيب عن أسباب حضورها وتألقها فى دور الأم وسألناها عن رأيها فى العديد من القضايا الفنية: بداية ماذا جذبك لمسلسل «الكيف» لتخوضى به الماراثون الرمضانى؟ - لم أشارك منذ 3 سنوات فى أى أعمال فنية، لأن كل الأعمال التى قدمت لى لم تحترم تاريخى، ولكن عندما عرض على سيناريو «الكيف»، الذى ألفه أحمد أبوزيد، وجدته يحكى حدوتة مميزة، الدور له رسالة، وهذه رغبتى الدائمة فى أى عمل فنى أقدمه، ووجدت أيضا أن الشركة المنتجة سخية لأن العمل مكلف للغاية بالإضافة إلى أن المخرج محمد النقلى، دائما يقدم صورة مغايرة فهو متجدد، وأيضا كل المشاركين فى العمل يقدمون أدوارا مميزة وكلها تخدم بعضها، باسم سمرة يظهر بشكل مختلف تماما عن كل الأدوار التى قدمها، أيضا احمد رزق يجسد شخصية دكتور فى الكيمياء بشكل كوميدى ساخر، العمل يرصد الواقع الاجتماعى مع الكوميدى بشكل يغرى أى فنان أن يشارك فيه. تفضلين التعاون دائما مع المخرج محمد النقلى لماذا؟ - محمد النقلى أول مخرج قدمنى فى أعمال فنية بعد أن ارتديت الحجاب وقدمت معه 4 أعمال اولها «حديقة الشر»، و«الأبواب المغلقة» ثم «الاخوة الأعداء»، و«العار»، فهو مخرج يتقن تماما كيفية توظيف الأدوار بكافة أشكالها وإمكانياتها ولا أنكر أننى وجدت نفسى معه بعدما توقعت أننى لن أعود للتمثيل من جديد بعد الحجاب. تقديم الأعمال السينمائية فى قالب تليفزيونى دائما ما تكون مغامرة يتخوف منها الجميع، كيف ترين ذلك؟ - أرفض نظرية التعميم، هناك العديد من القصص قدمت فى أفلام بمعالجات مختلفة، وعندما أعيد تقديم «العار» و«الاخوة الأعداء» حققا نجاحا كبيرا، لا يمكن إنكاره، ونجاح العمل يتوقف عل كتابه السيناريو والمخرج واختياره للشخصيات، أيضا الشكل العام للمسلسل والشركة المنتجة. قدمتِ دور الأم ولم يتخط عمرك 20 عاما ألم تتخوفى من هذه المغامرة وحصرك فى هذه النوعية من الأدوار؟ - الفنان يضع فى اعتباره دائما عنصر المغامرة، ولا أنكر أننى تخوفت عندما عرض على مسلسل «حصاد الشر» 1984، مع المخرج حمدى الابراشى، وكانت للمرة الأولى أجسد دور أم وهو أولى بطولات ليلى علوى فى التليفزيون، حيث يغيب الولد ويختطف فى عمر خمس سنوات ويرجع وتختلط هنا مشاعر الأمومة، لأنه لا يعرف أننى والدته، أتذكر ما جذبنى للدور وقتها كان السيناريو المؤثر، كنت اشعر وكاننى ارتجف بسبب الكلمات، وقتها قررت أن أخوض التجربة، ولم أستطع أن أرفض الدور. ولكنك أعدتِ تقديم التجربة فى «الشهد والدموع»، وكنت ايضا صغيرة السن، وظهر أبناؤك فى سن الشباب؟ - دور الأم فى «الشهد والدموع» أقوى أدوارى على الإطلاق، تحدث الى الراحل الكاتب الكبير أسامة انور عكاشة، وسألنى هل أقدم دور الأم ولا أخفى وقتها أنه كان متخوف من فشلى، وأنا أيضا كنت متخوفة لأننى أظهر «أما» لخالد زكى ومحمود الجندى وقتها كانا كبيرى السن، استخدمت كل السبل، فكنت أضع بقلم الكحل خطا تحت عينى لأظهر الإرهاق، ومنديل الشعر، و«كيس الفلوس» وذهبت لأشاهد أصحاب المعاشات كيف يتعاملون، وفى أول يوم تصوير لم يتعرف علىّ «عكاشة»، وقال لى: «إنت هتطلعى كده»، إنها الشخصية مثلما رسمتها فى خيالى. انحصارك فى دور الأم أثر على نجوميتك؟ - كنت أتعرض لحروب دائمة، الممثلات قلن إننى سأخذ أدوار الأمومة، والشابة والحبيبة، ولكنى كنت مؤمنة بأن الرزق بيد الله، فمهما دبروا وحقدوا لن يأخذوا رزقى، حتى ارتديت الحجاب وقتها حدد أدوارى، فى دور الأم أو الأخت الكبيرة، ولم أحزن لأننى أصبحت نجمة فى منطقتى، وهناك شريحة كبيرة فى الوطن العربى من المحجبات الآن ما جعل الحجاب وسيلة أكبر للنجاح. وكيف تقيمين أدوار الأم فى السينما والدراما الآن؟ - هناك فنانات أعتبرهن مغامرات الآن، سمعت أن هند صبرى ستخوض دور أم لشاب فى «داعش» وهنا «أرفع لها القبعة وأحييها» فهى ممثلة شابة تعرف اختيار أدوارها، وماذا تريد أن تفعل بمستقبلها ومثقفة، وهناك ممثلات فى سنها يرفضن أن يؤدين أدوار الأمومة. وهل تعتبرين نفسك الأم الأشهر فى الدراما الآن؟ - كل فنانة لها طعمها فى أداء الدور الذى تقدمه، على سبيل المثال الفنانة الكبيرة سوسن بدر قدمت فى مسلسل «طريقي» دور أم قوية ذكرتنى بأدوار علوية جميل، كانت تقدم دور سيدة صارمة وقاسية، وقوية، أيضا الفنانة الكبيرة فردوس عبدالحميد ممثلة قوية جدا، وهايلة، تؤدى أدوار الأم من زمان، ولها وضعها، فكل أم تطرح نفسها فى مكانة معينة بأدائها المختلف. يصور الآن الجزء السادس من مسلسل «ليالى الحلمية»، فهل تقبلين تقديم جزء ثالث من «الشهد والدموع»؟ - عام 2006 عرض على الكاتب أسامة أنور عكاشة، تقديم جزء ثالث من العمل، وتحدثنا فى تفاصيل الجزء الجديد، ولكن بوفاة «عكاشة» و«إسماعيل عبدالحافظ»، انتهت الفكرة، وإذا عادت مرة أخرى بجزء ثالث ومكتوب النص بطريقة جيدة سأوافق على الفور، ولكن للأسف لا أجد مخرجا بكفاءة أسامة أنور عكاشة. وكيف تقيمين الدراما التليفزيونية الآن؟ - أرى أن الجمهور حاليا يريد الأعمال الدرامية المحترمة، التى تعتمد على لم الشمل، والمشاكل العائلية التى تحدث فى جميع البيوت، والأصحاب، ويرفض الأعمال التى لا تحدث فى الواقع، وهذا ما يفعله بعض الكتاب حيث يجتهدون فى خلق دراما غير موجودة فى واقعنا لا يمكن أن نقول إن الدراما وضعها سيئ أو أصبح أفضل، فالموضوع معلق، ولكن بالاجتهادات هناك أعمال تنجح، وأخرى لا تلقى رواجا لدى الجمهور. وكيف ترين لافتة «للكبار فقط» التى توضع على شاشات التليفزيون كتصنيف للأعمال الفنية؟ - هذه اللافتة «بوظت جيل بأكمله» وبالمناسبة لا نستطيع أن نحدد من أدى لذلك المخرج أم المنتج أم الممثل، لا نستطيع أن نلوم أحدا، ولكن على كل ممثل أن يختار العمل الذى يليق بالمجتمع الذى يعيش فيه. تعودين للسينما من خلال فيلم «البر التانى».. حدثينا عن التجربة؟ - رفضت أربعة أفلام هذا العام، لأن المحتوى «تافه»، ولا يجب بعد هذه السن أن أظهر فى دور يقلل من مكانتى.. ولكن عندما عرض علىّ فيلم «البر التاني»، للمخرج على إدريس وتأليف زينب عزيز وجدت أنه يقدم شيئا جديدا، و بالرغم من ان البطل ممثل شاب يخوض التمثيل لأول مرة وهو محمد علي، لكنى وجدت فيه معايير البطل، ومن خلال قراءتى لى أشعر بأنه سيحقق النجاح. ولماذا غاب دور الام فى السينما؟ - دور الأم فى السينما موجود ولكن دون قيمة، فالأم لها دور كبير فى المجتمع، ولا يصح أن يكون سلبيا لأن دور الأم فى الحياة أساسا الأمان، ويجب أن يظهر التوجيه الذى تقوم به، والأب أيضا يجب أن يكون له وضعه، فى الأفلام التركية والهندية، تجد أن الآباء والأمهات موجودون بكثرة، وذلك لأنهم يرون قيمته الصحيحة، حتي الأم الحديثة والصغيرة تقوم أيضا بتوجيه أطفالها، الأمومة مسئولية، ويجب أن نراعى هذا الدور لأن العمود الفقرى لكل أسرة الأب والأم. هناك تيمة من الأعمال الفنية تعتمد على الراقصة والأغنية الشعبية، هل يمكن أن تشاركى فى مثل هذه الأعمال؟ - إذا كانت هذه المشاهد بعيدة عن دورى ولا تضرنى بشىء، فلا أجد أزمة طالما أن الفيلم «مكتوب كويس» والسيناريو يستحق، وهل المشهد له معنى أم زيادة على النص، أنا لن أحكم على المخرج والكاتب، بوجودى داخله المهم أن تكون مشاهده موظفة ومقدمة بشكل محترم. ولماذا ابتعدتِ عن المسرح؟ - أتمنى العمل على المسرح، وعندما أجد الدور الذى يستهوينى فسأوافق عليه فورا، لأن المسرح حاليا ينتعِش، بدليل مسرحية يحيى الفخرانى التى حققت نجاحا كبيرا واستمر عرضها فترة كبيرة، ومسرح الدولة يقدم أيضا مسرحيات جيدة، فالجمهور عندما يرى عملا يستحق يذهب إليه، فالمسرح «أبوالفنون». حظيت مؤخرا بلقب سفيرة للنوايا الحسنة، كيف ترين هذا التكريم؟ - الفنان يخدم الوطن العربى والمصري، وأرفض التعامل مع اللقب كمجرد شهادة أو تكريم ولكننى أعتبره مسئولية كبيرة، وحظيت من قبل بلقب سفيرة نوايا حسنة فى الدول الأفريقية، والاختيار هنا لا يتم اعتباطا، فتكريم الفنان مسئولية كبيرة، ويجعل الفنان مسئولا عن القادم.