أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالاجتماع والاتفاق، ونهاهم عن الشقاق والافتراق وامتن عليهم بنعمة تأليف قلوبهم، وإنَّ أولى الناس اليوم بامتثال هذه الأمور هم أتباع السلف الصالح، أهل السنة والجماعة الذين تميزوا بهذا الاسم لاجتماعهم وعدم افتراقهم. إلا أن الساحة الإسلامية تمتلئ بالانقسامات ما بين سلفيين وصوفية وشيعة وغيرها، لدرجة أن التيارات السلفية تنقسم على نفسها لحد تكفير بعضها البعض في عدد من المسائل الخلافية، وهذا ما ناقشه أحد الباحثين وهو الدكتور ناصر العمر، حيث أوضح أسباب الخلاف الإسلامي وخاصة بين التيارات السلفية في محورين: المحور الأول: أسباب الانقسام بين التيارات الإسلامية وهي اختلاف الأفهام والتعصب للرأي: فقد خلق الله سبحانه وتعالى خلقه متفاوتين في العقل والفهم والطباع، وكان من نتيجة هذا التفاوت أن وجد الاختلاف بين الناس منذ بدايات البشرية الأولى فالاختلاف أمر واقع ملازم للمجتمعات الإنسانية، وليس المجتمع المسلم عن هذا الواقع ببعيد، وهذا الاختلاف على قسمين رئيسين كما هو معلوم؛ فاختلاف تنوع واختلاف تضاد، أما الأول فهو الذي يكون كل فرد من أفراده صحيحاً في نفسه، وأما اختلاف التضاد فلا يكون كل فرد من أفراده صحيحاً في نفسه، فإن كان في أمر الدنيا فقد يكون هناك مصيب ومخطئ ، وأما في أمور الدين -ومثاله اختلاف الفقهاء في الأحكام الفقهية أو المحدثين في الحكم على الأحاديث- فلا يجوز أن تخلو الأمة من قائل بالحق، والصواب في مثل هذه المسائل مع أحدهم لا جميعهم لأن الحق واحد لا يتعدد. وأكد الباحث أن اختلاف التضاد في حد ذاته لا ينبغي أن يكون سبباً من أسباب الفرقة والانقسام، إذا كان في مسائل الاجتهاد فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل من المصيب والمخطئ أجره إذا اجتهد في طلب الحق، لكن الذي يؤدي للفرقة هو إصرار كل فريق على رأيه وتعصبه له وعدم اتساع قلبه وصدره للخلاف. السبب الثاني- إعجاب كل ذي رأي برأيه وحب الرياسة والظهور، ما يدفع لإيغار الصدور وبث بذور الشقاق والخلاف ما فيه، أما السبب الثالث- نفي السلفية عن الآخرين، حيث أن السلفية ليست كلمة مبهمة ولا مصطلحاً خفياً، بل هي منهج واضح بين، يقوم على الأخذ بالكتاب والسنة وتعظيمهما والعمل بهما في الظاهر والباطن وتحكيمهما في كل الاعتقادات والأفعال والأقوال، مع ضبط ذلك كله بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين. وضرب الباحث مثالا بموقعة الجمل وصفين حيث وصل الأمر إلى أن رفع الصحابة سيوفهم في وجه بعض، لكن هذا ما حملهم على البغي على إخوانهم بنفي كل فضيلة عنهم وإخراجهم من دائرة الجماعة الواحدة، ففي تاريخ دمشق لابن عساكر (سمع عمار رجلاً يقول: كفر أهل الشام. قال: لم يكفروا، إن حجتنا وحجتهم واحدة، وقبلتنا وقبلتهم واحدة، ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق، فحق علينا أن نردهم إلى الحق). السبب الرابع- سوء الظن بالمخالفين وإلقاء التهم جزافاً: الأصل أن تحمل حال المسلمين على السلامة؛ السلامة من الكفر والبدع والمخالفات، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، ويتأكد هذا مع من يرفع راية الإسلام ويدعو إليه، ومن باب أولى مع من يدعو إلى منهج السلف ويذب عنه ويزعم الانتساب إليه. السبب الخامس- غياب المرجعية الجامعة وقال الباحث إن المرجعية هي العالم أو العلماء الذين يلقون قبولاً عند مجموع السلفيين بحيث يرجعون إليهم ويصدرون عن رأيهم عند الاختلاف أو عند وقوع النوازل، {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}. السبب السادس- الاختلاف في تنزيل الحكم الشرعي على الواقع: حيث أشار إلى أن أهم أسباب الخلاف على الساحة السلفية اليوم مرجعه إلى هذا الأمر، فقد تكون الكلمة متفقة على الحكم الشرعي في مسألة ما، لكن الخلاف يقع في تنزيل هذا الحكم على الواقع، وهذا يرجع إلى اختلاف الأنظار حيال الواقع، والاختلاف في فهمه ومعرفة أبعاده وتفاصيله، والأمر في هذا واسع، فإن العقول تتفاوت والأفهام تختلف، والإلمام بأبعاد الواقع يتفاوت كذلك، ومثل هذا لا ينبغي أن يكون سبباً للتدابر والتقاطع والانقسام، ما دام الضابط في التعامل مع الواقع هو المنهج السلفي نفسه. السبب السابع- قلة العلم وفوضى الساحة العلمية والدعوية: وقصد الباحث بهذه الفوضى الجرأة التي نراها من بعض الناس الذين لا يرقون إلى مرتبة طلاب العلم فضلاً عن أن يكونوا علماء، هذا مع كون المسألة الواحدة من أمثال هذه المسائل لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر. السبب الثامن- الخلل في ميزان التقويم: حيث يعتبر هذا السبب عامل رئيسي في الانقسام، في حين رأى أن السبب التاسع- طلاب السوء وعدم التثبت من نقل الكلام وأوضح أن تاريخنا الإسلامي فيه كثير من النماذج التي أطلق عليها اسم علماء السوء، والجديد في العصر على الساحة السلفية هو ظهور ما يمكن أن نسميهم طلاب السوء، وهم أناس يتحلقون حول المشايخ لطلب العلم أو حضور الدروس العامة، ثم ينقلون ما يسمعونه من أحد المشايخ لغيره ممن قد يقول في المسألة بقول آخر، وقد يزيد الطالب كلاماً من عنده، أو قد يفهم الكلام على غير وجهه فيقع من نسبته القول لهذا العالم من الشر ما الله به عليم. السبب العاشر- الشدة بدل الرفق: حيث وقع الاختلاف فلا بد من وجود النقاش والمحاورة والمجادلة والبيان، لكن من أسباب الانقسام السلفي اليوم ما نراه من شدة على المخالف وسلقه بألسنة حداد وتقريعه وتوبيخه، وهذا مما يثير القلوب بلا شك. المحور الثاني في وسائل علاج حالة الانقسام، وانتظمت لي في النقاط الآتية: إدراك وجود المشكلة والاعتراف بأهميتها: إن أول خطوة لحل أي مشلكة هي معرفة وجودها، وهذا الإدراك يكاد يكون غائباً عند قطاع لا يستهان به من أبناء الدعوة السلفية ولاسيما الذين يحصرون السلفية في أنفسهم! قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}، ولأمره تعالى بالاتفاق وتحذيره وتحذر نبيه صلى الله عليه والسلام من الافتراق، فالواجب أن يسعى كل فرد من أفراد الدعوة إلى نشر الوعي بين جموع السلفيين وبيان خطورة هذا الانقسام. الإخلاص وتقوى الله ثم العمل بالعلم والتأسي بالسلف الصالح فالسلفيون من أحرص الناس على متابعة السلف الصالح والتأسي بهم والدعوة إلى ذلك، فمجالسهم ودروسهم مليئة بالكلام عن عقيدة السلف وعلمهم، وعبادتهم وأخلاقهم، لكن الواقع اليوم يظهر أن هناك انفصالاً في كثير من الأحيان بين الواقع وبين ما ندعو إليه. البعد عن التعصب المقيت وليس معنى ما سبق أن نردد العبارة المشهورة: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، لأنها لا تصح بهذا الإطلاق، ولكن نقول: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ونتناصح فيما اختلفنا فيه، فيعذر بعضنا بعضا فيما كان الخلاف فيه سائغاً، وينكر بعضنا على بعض فيما سوى ذلك. - إيجاد المرجعية الجامعة فوجود مثل هذه المرجعية الجامعة يقلل كثيراً من احتمالات الانقسام بين السلفيين والمسليمن عموما، ومن ثم لا يكون الخلاف وتعدد الآراء وتشظيها بلا ضابط من حيث العدد والاتساع، بل يكون مثل هذا الاختلاف منحصراً في أضيق الحدود. وساطة الحكماء: أما وقد وقع الانقسام في الصف السلفي فالواجب أن ينتدب بعض أهل العلم ممن لم يدخلوا في التحزبات لرأب الصدع ورد المتخالفين إلى الضوابط السلفية السنية التي يدينون به ثم تحصيل العلم الشرعي المؤصل والدراسة المستفيضة للواقع. الرفق بدل الشدة: لقد كان أولى بمن يلجأ إلى الشدة أن يستحضر معاني الرفق الذي حض عليه النبي صلى الله عليه وسلم في غير موضع، (الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)، (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).