«السياسة هى فن المستحيل» مقولة أكدتها من قبل عودة العلاقات بين طهرانوواشنطن وأكدتها الآن زيارة الرئيس الامريكى باراك أوباما إلى العاصمة الكوبية «هافانا». بالطبع هى زيارة تاريخية وحدث فريد لأنها الاولى من نوعها منذ أكثر من 88 عاماً وتحديداً منذ زيارة كالفين كوليدج في 1928. فقد وصلت طائرة الرئاسة الأمريكية الى مطار خوسيه مارتي الدولي بصحبة زوجته ميشيل أوباما وابنتيه ساشا وماليا، ووفد من كبار المسئولين الامريكيين، ومن المنتظر أن يلقى «أوباما» خطاباً في مسرح هافانا الكبير غداً. عادت المياه الى مجاريها بعد قطيعة استمرت اكثر من نصف قرن، فالعلاقات الامريكية- الكوبية تدهورت تماماً مع اندلاع الثورة الكوبية عام 1959، ووصول فيدل كاسترو للسلطة في كوبا، والإطاحة بنظام فولجينسيو باتيستا الذى كان حليفاً للولايات المتحدة. وقامت واشنطن بفرض حظر تجاري على هافانا فى عهد الرئيس الديمقراطي جون كينيدي في1961، وفي عام 1962 تم تعليق عضوية كوبا في منظمة الدول الأمريكية، وظلت عضوية كوبا مُعلقة حتى عام 2009 حين طلبت أغلب دول أمريكا اللاتينية حضور كوبا للقمة. وفي عام 1982 أدرجت الولاياتالمتحدةالأمريكية الحكومة الكوبية في قائمة الدول الراعية للإرهاب بزعم دعمها للحركات الثورية فى أمريكا الجنوبية. لكن التغيير الذى حدث لم يحدث فى عهد فيدل كاسترو الزعيم الذى كان أحد رموز الشيوعية والذى كان عداءه واضح وصريح لكل ما هو أمريكى وفى المقابل كان كل رؤساء الولاياتالمتحدة ينظرون الى «كاسترو» على انه أحد أكبر الاعداء وحاولت المخابرات الامريكية أكثر من مرة التخلص منه. ومنذ تولي الرئيس الكوبي راؤول كاسترو الحكم، بدأت حدة الخلافات تهدأ تدريجياً، حيث خفف «أوباما» قيود السفر إلى كوبا، كما خفف بعض العقوبات في المجالين السياحي والمالي. وفي 10 ديسمبر عام 2013 صافح الرئيس الأمريكي نظيره الكوبي خلال حفل تأبين رئيس كوريا الجنوبية الراحل نيسلون مانديلا، وفي 17 ديسمبر عام 2014 أعلن «أوباما» صراحة أن الولاياتالمتحدة ستطبع علاقاتها مع كوبا، وستنهي سياسة عفا عليها الزمن في العلاقات بين البلدين، وسيتم افتتاح سفارة في هافانا. وفى أغسطس الماضي زار وزير الخارجية الأمريكية جون كيري هافانا، وافتتح خلال الزيارة سفارة بلاده هناك، وأكد «كيري» في كلمة له بهذه المناسبة على أهمية عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مشيرًا إلى أنه أول وزير خارجية يزور كوبا منذ أكثر من 70 عامًا. وجاءت زيارة «أوباما» لتبدأ صفحة جديدة فى العلاقات بين البلدين، قطعا الولاياتالمتحدة لا تقوم باتخاذ أى خطوة لا تعود عليها بمصلحة، فالمصالح هى التى تحدد بوصلة السياسة الامريكية والدليل الاوضح على ذلك هو ما حدث أيضاً مع ايران عندما تم رفع العقوبات عنها فى يناير الماضى. الولاياتالمتحدة تحاول إصلاح علاقتها الخارجية مع الدول التي صنفتها في الماضي على أنها راعية للإرهاب أو اتهمتها بانتهاك حقوق الانسان ولا تجد غضاضة فى التراجع واعادة العلاقات مع هذه الدول التى طالبت العالم من قبل بمقاطعتها. أمريكا التي تقدم نفسها دوماً على أنها الدولة الراعية لحقوق الإنسان، وتدعم الديمقراطية، لا تجد مشكلة في العودة عن قرارها في حال اقتضت مصلحتها ذلك. وهو الأمر الذي حدث مع كلا من كوباوإيران، بالنسبة لكوباأمريكا تسعى من خلال إعادة العلاقات معها الى تمهيد طريق التجارة بين البلدين والاستفادة من المواد الخام التى تنتجها وفى الوقت نفسه فواشنطن ترغب فى تأمين حدودها مع هذه الجارة. أما إيران الحليفة القديمة لأمريكا وأوروبا الغربية والتي كانت أبرز المدافعين عن الفكر الرأسمالي الغربي وكانت هي بمثابة العصا الغليظة بيد أمريكا والتي كانت تحارب كل فكر اشتراكي- شيوعي فقد وجدت أمريكا ان العقوبات لم تعد السلاح الامثل وانها بحاجة الى إعادة الود القديم وأن تمنح لطهران لقب شرطى المنطقة وفى المقابل بأت الادارة الامريكية فى الابتعاد عن بعض الحلفاء الحاليين فى المنطقة لانها ترى ان دورهم قد انتهى أو انها بالفعل حصلت منهم على ما تريد.