ترددت كثيراً قبل أكتب هذا الكلمات ولكنى وجدت أنه لا مفر فهى أمى. منذ أن كنت صغيرة لا أدرك معنى كلمة أمى ولكننى كنت أعى جيداً معنى الفوز برضائها عنى وابتسامتها وكلماتها الحانية لى التى تفتح لى الأبواب المغلقة، فقد كانت أسرتى مكونة من اثنى عشر فرداً «أبى وأمى وأشقائى العشرة بعد أن ماتت شقيقتى الكبرى وهى صغيرة بعد مرضها» لم يكن أبى يمتهن أى مهنة، وأبت والدتى أن تراه وحيداً دون أن تسانده فقامت بعمل عدد من المشروعات الصغيرة هى وأبى كى يستطيعا أن ينفقا علينا فى مراحل التعليم المختلفة، وكنت أرى أمى مع أبى يداً بيد فى مواجهة أعباء الحياة لم أرها يوماً تتألم على الرغم من كثرة أشقائى وقضائها اليوم كاملاً فى خدمتهم دون أن تكل أو تمل. ومنذ أن كان عمرى عاماً ونصف العام أصبت بشلل أطفال بساقى اليسرى وأصبحت شغل والدتى الشاغل، كانت تحملنى على كتفها لتذهب بى يومياً إلى مدرستى ثم جلسات علاج طبيعى على أمل أن تتحسن حالتى حتى انتهيت من المرحلة الابتدائية. وأشار إليها أحد الأطباء بعمل جهاز تعويضى يساعدنى على الحركة حتى أتمكن من الاعتماد على نفسى، وبالفعل اجتزت المرحلتين الاعدادية والثانوية، وأشار أحد الأشخاص على والدى بأن يوظفنى ضمن نسبة ال 5%. ولكن والدتى أصرت على استكمال تعليمى بالجامعة وبالفعل التحقت بكلية الآداب - قسم اللغة العربية – جامعة المنوفية، وكانت أمى كظلى ترافقنى فى المحاضرات حتى انهيت دراستى. وبدأت أستغل أوقات فراغى فى تعلم برامج الحاسب الآلى وإعطاء دروس خصوصية فى مادة اللغة العربية، إلى أن جاءتنى فرصة للعمل كأمينة لمتحف السادات، بعدها عملت كإخصائية نشاط مسرحى بمدرسة السادات الثانوية بقريتى وأثبتت فيها نجاحاً وحصلت على المركز الأول فى المسرح على مستوى إدارتى التعليمية، واستطعت أيضاً أن أستكمل دراسات عليا والحصول على دبلومة عامة بتقدير عام امتياز وكنت أتحدى المجتمع وورائى أمى الحنون.. وعلى مستوى عملى كنت على قدر كبير من المسئولية والتميز وشاركت فى العديد من الورش التدريبية والحلقات النقاشية داخل مصر وخارجها لأكون أول معاقة تتولى أمانة المرأة بحزب سياسى. وكانت والدتى تحرص دائماً على شراء الجرائد لتبحث فيها عن مقالة قمت بكتابتها ومعها صورتى كى تتهجى حروفها وتقرأ ما فيها وتقول لى دائماً استمرى وسيوفقك الله، ها هى أمى نموذج مجتمعى بسيط يحمل رسائل كثيرة معه. لذلك وفى ظل ظروف حالكة السواد نعانى منها أشد المعاناة وأبواب مغلقة وغروب شمس آمالنا فى سماء لا تمطر علينا غير الهموم والمشاكل لا نجد سوى هذا النور الذى يخترق السواد ليعطينا أملاً فى الحياة من جديد. إنه نور وجه أمى الذى يطل علي كل صباح يمنحنى أملاً حتى ولو لم أكن أملكه.