إذا يئس الأطباء من ارتفاع نسبة السكر في دمك، فإنهم ينصحونك بالتوجه إلى المعهد القومي للسكر، الذي يفتح أبوابه لاستقبال الكبار والصغار من المصابين بمرض السكري، وبالرغم من تجديد المبني مؤخرًا وفخامة صالة استقباله، إلا أن المواطنين يعانون داخله من الإهمال، وهو ما يعتبر تطبيقًا حرفيًا للمثل الشعبي القائل "من بره هالله هالله ومن جوه يعلم الله". تسللت "بوابة الوفد" إلى المعهد، لتعايش المرضي لمدة ثلاث أيام، وترصد أوجه الفساد والإهمال بداخله. غرفة الطوارئ كانت والدتي في غيبوبة سكر إثر أرتفاع نسبة السكر في الدم بدرجة كبيرة، فتوجهنا إلى المعهد القومي للسكر، بناءً على توصية من أحدى مستشفيات الخاصة، وفور وصولنا للمعهد دخلنا غرفة الطوارئ، التي تعاني من الفوضى الشديدة والإهمال في النظافة والتعقيم فأغطية الأسرة متسخة وبالية، والمكان غير معقم، ناهيك عن الحشرات التي تستضيف المرضى بدلًا من الأطباء. وبعد دخولنا الغرفة طلب منا أحد الممرضين عينة بول وعندما ذهبنا إلى دورة المياه، كانت شديدة القذارة وبالرغم من أن الدكتور تأكد من ارتفاع نسبة السكر، بالدرجة التي تتطلب نقل أمي إلى غرفة العناية المركزة إلا أننا جلسنا في غرفة الطوارئ لمدة ساعتين حتى تم تجهيز غرفة العناية المركزة، وخلال الساعتين قدم الممرضون بعض الاسعافات والمحاليل ودخل عدد من المرضى الجدد في حالات إعياء شديدة، إلا أن أحد الأطباء أكد لهم أن غرفة العناية لا يوجد بها أماكن شاغرة، فتدخلت بقولي " وماذا ستفعلون مع أمي"، فقال الطبيب "الحاجة كبيرة في السن وحالتها خطيرة ولازم نفضيلها مكان". العناية المركزة بالرغم من أن اهتمام الفريق الطبي في العناية المركزة كان أكفضل من الاستقبال إلا أنها تعاني من نقص النظافة والتعقيم بالأضافة إلى الحشرات ودورة المياه القذرة والملوثة ببقع الدم على الحوائط والأرضيات، مما يهدد بانتقال الأمراض الكبدية وخلال اليومين الذين قضتهما في العناية أجرت لها بعض الفحوصات والأشعة، وفي غرفة الأشعة كان الطبيب عصبيا بشكل غير مبرر ويرفع صوته على المرضى دون سبب. وقبل خروجها من العناية، سألت أحد الممرضين، عن سبب عدم الاهتمام بالنظافة، فرد ساخرًا: "انت مكبرة الموضوع يا أستاذة.. ده حال كل المستشفيات الحكومية .. احمدي ربنا على المعهد ده". والدتي في المنفى انتقلنا إلى الطابق الثاني حيث تقبع السيدات في عنابر أشبه بعنابر السجن ويجبرون على ارتداء الجلابيب البيضاء المتسخة ثم طلبت من الممرضة تغيير غطاء السرير المتسخ، إلا أنها ردت بحزم قائلة: "لسة متغيرة"، وبسؤالها عن إمكانية استدعاء مسؤولة التنظيف، قالت "هي بتيجي مرة واحدة في اليوم بتمشي.. أنت ممكن تزعقي مع الدكتور لكن الفراشة لأ". وتستمر المأساة فبجانب قلة النظافة في العنبر، يتكرر مشهد قذارة دورات المياه ويكتمل المشهد بالمعاملة السيئة للمرضى حيث تأمر الممرضات المريض بتسوية سريره بنفسه. في أول ليلة التي رافقت فيها والدتي بعنبر السيدات، كانت أحدى السيدات تستغيث من الألم وتنادي "يا دكتورة يا دكتورة" فردت عليها الممرضة قائلة: "أنا كلمت دكتور الطوارئ مردش عليا.. أنا كده خليت مسئوليتي"، وفي منتصف الليل أستغاثت سيدة أخرى بالممرضة لمساعدتها على الذهاب إلى دورة المياه، وبعد أن سئمت من المناداة دون أي استجابة من الممرضة طلبت فك المحاليل، فقمت بذلك رغم جهلي بهذه التفاصيل الطبية، وعندما عدنا من الحمام بحثنا عن الممرضة الوحيدة فلم نجدها، فاضطرت المريضة للنوم حتى الصباح دون محاليل. زهرات وسط الأشواك وفي عنبر السيدات لاحظت تواجد بعض الفتيات تتراوح أعمارهن بين 12 إلى16 عامًا، وكانت إحداهن تشتكي ليلًا من مشاكل في القلب والظهر وتبكي من شدة الألم، فطلبت من الممرضة أن تساعدها فقالت: "الدكتور كتبلها على مسكن ومحدش جبهولها.. أنا هعملها أيه"، فتوجهت إلى الطبيب المناوب فقال ببرود "لازم الممرضة اللي فوق تكلمني الأول عشان أشوف البنت دي"، فتوجهت مرة أخرى للممرضة فأبدت استياءها مني بسبب ذهابي للطبيب المناوب ورفضت أن تخبرني باسم الدواء لكي أشتريه من الصيدلية ثم كانت المفاجأة التي لم تخطر ببالي فقد كان الدواء بحوزتها وأعطته للفتاة. في اليوم التالي دخلت إحدى الفتيات لنفس العنبر في الساعة العاشرة مساءً وأعطتها الممرضة حقنة "أنسولين"، وكان لابد لها أن تتناول العشاء حتى لا تتعرض لانخفاض في مستوى السكر إلا أن مسؤول المطبخ، كان قد رحل بعد انتهاء دوامه فأضطررت إلى الخروج من المعهد لشراء طعام مناسب لحالتها، بما يخالف القواعد. واشتكت إحدى الفتيات من أن إحدى الممرضات تسجل أرقام تحاليل قياس السكر الخاصة بها بشكل غير صحيح حتى تظهر أنها تحسنت فيوافق الطبيب المسؤول على خروجها من المعهد حتى تخفف الممرضة عن نفسها أعباء العمل.