فى أحد البيوت البسيطة بمنطقة المرج تعالت أصوات المشاجرة التى اعتاد الجيران على سماعها، من هذه الشقة، تقف نادية وسط الصالة وهى تصرخ فى وجه زوجها مصطفى، وفى الغرفة التى تطل على الصالة تجلس طفلتان لا تتعدى سن أكبرهما عشر سنوات حيث تقشعران خوفا من الصوت المزعج الذى كان دائما يثير ذعرهما، وتستمع الصغيرتان دون رغبتهما إلى حوار والديهما الذى اخترق الحوائط ليصطدم بآذنهما. نادية: هتفضل طول عمرك كدة عمرك ما هاتتغير بتعشق النكد. مصطفى: أنا كرهت حياتى بسببك والسبب طلباتكم التى لا تنتهى. نادية: وأنا تعبت من تذمرك الدائم وبخلك الشديد، مصاريف المدرسة رافض تدفعها ورافض تشترى لبس للبنات. مصطفى: انتِ طماعة والمشكلة فيكِ عايزة تاخدى كل حاجة وتشترى أى حاجة انتِ فكرانى فانوس على بابا اللى هيحقق لك أحلامك ولا إيه. ثم ينفعل بصوت عالٍ قائلاً: أنتِ ناسية كنتِ عايشة ازاى فى بيت أهلك الله يرحم جدك بياع الفول. نادية: أنا كنت عايشة ملكة متوجة فى بيت أهلى والحمد لله متحرمتش من حاجة، انت راجل بخيل بتحرمنا من متعة الحياة علشان تخزن فى الفلوس على قلبك.. أنا معرفتش طعم الذل والقهر إلا فى بيتك. ليشتاط غضباً ويمسكها من يدها ليجرها إلى باب الشقة، قائلاً: طالما كدة يلا على بيت أبوكِ ومش عايز أشوفك فى بيتى، لتحاول أن تفلت من بين يديه وتهرب إلى الداخل فى اتجاه الصالة وتقول بصوت أقل حدة مما سبق: ده بيتى أنا والعيال ولما أحب أروح لبيت أهلى هاروح بمزاجى مش مطرودة. يصرخ مصطفى فيها ويلطمها بقوة على وجهها: أنا مش عايز أشوفك فى بيتى اخرجى برة أنا تعبت من خناقاتك اليومية شغلى مش عارف أركز فيه وتجارتى هتضيع بسبب نكدك، ثم قام بشدها من شعرها وانهال عليها باللكمات وجرها خارج الشقة، وأغلق الباب فى وجهها، حاولت أن تتوسل له بأن يتركها ترتدى ملابسها أو تلبس حذاءها ولكن دون جدوى، ولم تشفع العِشرة لها أمامه، وهنا خرجت الفتاتان تجريان من غرفتهما وهما تصرخان عايزين ماما حرام عليك لينهال عليهما بالضرب ويطالبهما بالسكوت، وأخذهما إلى أحد الجيران ونزل غاضباً يجلس على أحد المقاهى يدخن السجائر بلا توقف ويرسم بدخان السجائر أسلحة نارية وأشباحاً تحوم حول زوجته. تحدث مصطفى مع نفسه: ليس من المعقول أن تكون هذه هى نهاية قصة الحب التى جمعتنا معاً.. ماذا حدث لنا بعد الزواج أين الحب الذى كان يتحاكى عنه كل من حولنا.. لماذا أصبحت نكدية وأصبحت لا أطيق النظر إليها، وتمنى مصطفى أن يركب آلة الزمن لتعود إلى الوراء حتى لا يتزوج من نادية مردداً دا أنا كنت عازب ومستريح. وفى ذلك الوقت تعود نادية إلى منزل أسرتها تجر أذيالها مجروحة وعيناها ككأسين من الدماء، ورجلاها لا يتحملان جسدها أخذت تتألم من شدة الألم وتترنح للوراء، وطرقت على الباب وهى لا تقوى على الوقوف وفتحت والدتها الباب لترى نادية ملقاة أمام باب الشقة فاقدة الوعى، وقالت والدتها بصوت ملىء بالحزن والحسرة حظك يا بنتى سيئ بس المرة دى زوجك لازم يعرف إن ليكى كبير مش كل مرة اخليكى تييجى على نفسك وتسامحى فأخذها الوالد وتوجها إلى قسم شرطة المرج وحررا محضراً ضد زوجها واتهمه بالتعدى عليها بالضرب والإهانة وطردها من منزل الزوجية. حاول الأقارب والمعارف من الطرفين التدخل لحل المشاكل بينهما ولم تفلح الوساطة فى بادئ الأمر، خاصة بعد أن اشتعلت نيران الحقد والكره فى قلب الزوج عندما علم بأن زوجته حررت محضراً ضده وهنا رفض إرجاعها للبيت قائلاً لكل من يتحدث معه لو رجعت البيت هاقتلها أنا مش عايز أشوف وشها واستمر الوضع هكذا حتى علمت نادية أن زوجها مهدد بالحبس بسبب المحضر الذى حررته ضده. وبعد مرور أسبوعين بدأت تتراجع عن موقفها الذى اتخذته ضد زوجها وخافت من نظرات بناتها ومعايرة أصدقائهما لهما عندما يعلموا أن أمهما تسببت فى حبس والدهما، واتصلت به من وراء أهلها لتذكره بلحظات العشق والحب التى كانت بينهما وأيام الخطوبة التى كانت من أجمل أيام شهد عليها أفراد العائلتين وتوقعوا تحقيق أسرة ناجحة، فبدأ يرق لها من جديد ويفتح باب قلبه لها وأبدى ندمه على ما فعله بها. لتختتم نادية حديثها مع زوجها مصطفى وهى فرحة وكأن قلبها عاد ينبض من جديد بعد أن أخذ صدمة كهربائية مشحونة بالحب، وتوجهت نادية لأسرتها وحدثتهم عما دار بينهما وبين زوجها وتوسلت لهم نادية بأن يعاملوه بشكل جيد. إلا أن أسرتها كانت ترفض رجوعها، إلا أن بعض الأقارب حاولوا إقناع والدها ووالدتها بأن الستر أفضل من الطلاق والمحاكم، خاصة عندما أبدى ندمه على ما فعله. وتوجهت نادية إلى قسم الشرطة فى صباح اليوم التالى وتقدمت تنازلاً عن المحضر ثم دخلت إلى محل هدايا لتشترى لزوجها هدية عيد الحب واختارت له البرفان الذى يفضله، ثم اشترت كارت معايدة دونت به بعض الكلمات الرومانسية به واشترت أيضاً بعض الشموع حيث خططت لعشاء رومانسى على الضوء الخافت، لإعادة ذكرياتهما الجميلة والبدء من جديد فى حياتهما الأسرية، وبالفعل عاد الزوجان إلى عش الزوجية وترك الأب الطفلتين عند والدته، وسهرا معاً على ضوء الشموع وتسامرا وضحكا معاً على ذكرياتهما المؤلمة والرومانسية أحياناً، وقدمت له الهدية التى أسعدته كثيراً وقضيا ليلة سعيدة، إلا أن الشيطان عاد لهما فى صباح اليوم التالى ليقلب الطاولة ويصبح كلام الليل كأنه لم يكن وتشاجرا من جديد. وفى تلك الأوقات العصيبة امتلأ بالمشاحنات والغضب سيطرت روح العناد على الزوجة، وتملكت مشاعر الكره والحقد قلب الزوج، ليختتم يوم الاحتفال بعيد الحب بجريمة قتل بشعة، راح ضحيتها أم وبناتها بعد أن احتل الشيطان كيان الأب ليوحى له بأن القتل هو الحل الأمثل للتخلص من مشاكله الأسرية. حيث أراد الزوج التخلص من صوت زوجته للأبد فأسرع إلى المطبخ وأحضر سكيناً وطعنها عدة طعنات أودت بحياتها، ثم قال لنفسه يجب أن أخلص أولادى أيضاً من هذه الحياة وتوجه إلى منزل والدته وأحضرهما بحجة رؤية والدتهما، وعقب دخولهما وجه لهما عدة طعنات، قتلهما ووضع جثتيهما بجوار جثة الأم وأخذ نفساً عميقاً وكأنه استراح من هم الحياة وشعر بلذتها وكأنه يقول لنفسه ما أجمل أن أتخلص من أعباء كادت أن تقتلنى إنه القتل اللذيذ ولم يصح من أحلامه إلا وفى يديه كلبشات الأمن ليذهب إلى مصيره الأخير.