بقلم: محمد ثروت منذ 1 ساعة 10 دقيقة وقفت في ميدان رمسيس صباح أمس الاثنين بعد ساعات من وأد نار الفتنة التي كادت أن تشعل مصر أبحث عن سيارة التبرع بالدم. ربما كانت تلك هي المرة الأولى التي أبحث فيها عن السيارة دون أن يدعوني أحد العاملين في مجال التبرع بالدم، دخلت السيارة التي كانت تابعة للهلال الأحمر المصري جلست في المكان المخصص، وسلمت يدي للممرضة المتخصصة، نظرت إلى يميني، كان هناك مصري آخر يتبرع بدمه، وبعد أن امتلأ كيس الدم سألتني الممرضة عن إسمي قلت محمد، وسألت من كان بجانبي فقال شنودة. لست بحاجة أن أقسم بالله العظيم أن هذا الموقف حدث، وأنه لم يكن فيلما عربيا أو لقاء مكررا فيما يطلق عليه عبارة "تبويس اللحى" بين رجال الدين المسلمين والمسيحيين، في محاولة لحل أزمة طائفية. خرجت من السيارة وأنا أسأل نفسي: هو إحنا عارفين الدم بتاعنا ده رايح فين؟، يعني أنا مسلم ودمي ممكن يروح على بعد 500 متر لإسعاف أحد جرحى المسيحيين في المستشفى القبطي، والأستاذ شنودة ممكن دمه يروح لمسلم مصاب أيضا. من الممكن أن يجرّك هذا الموقف إلى طبيعة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، على الصعيد الشعبي، أكاد أجزم أنه لا توجد مشكلة واضحة المعالم، كلنا في مركب واحدة، عندما ترتفع الأسعار فإنها تكون على المسلم والمسيحي، عندما ينعدم الأمن يكون الأمر على المسلم والمسيحي، عندما نركب مواصلات عامة لا فرق بين مسلم ومسيحي، عندما نموت في الحرب لا فارق بين مسلم ومسيحي، يعني كلنا مصريون. طيب إيه المشكلة؟، على ما أعتقد أن المشكلة الرئيسية في إحساس المسيحيين في مصر بأنهم مضطهدون، وأن هناك من يغذي لديهم الشعور بالاضطهاد وبأنهم أقلية لا تحصل على حقها، وأن البلد بلدهم والمسلمون احتلوها.. إلخ. نبدأ بحدوتة الاضطهاد، أود من كل مسيحي أن يسأل نفسه هذا السؤال في لحظة صدق مع النفس: هو أنا فعلا مضطهد؟، هو إحنا فعلا أقلية منبوذة لا حقوق لها؟، هو المسلمون احتلونا فعلا؟. سأحاول أن أكون عادلا في كلامي قدر ما أستطيع، لا أرى اضطهادا فظيعا بحق المسيحيين، ولو كانوا مضطهدين ما خرج منهم رجال الأعمال والأثرياء وأكبر تجار في مصر في جميع المجالات. ولو تحولنا نحو قصة الأقلية المنبوذة، أرجو من كل مسيحي أن يسأل جارا له سبق له السفر والإقامة في الخارج، في أمريكا مثلا، كيف يتعامل معه الأمريكيون الكاثوليك؟، هل يستطيع مثلا وهو أرثوذكسي أن يحتفل بالأعياد في أمريكا كما يحتفل بها في مصر؟، هل سمعتم يوما عن مسيحي أرثوذكسي وصل إلى منصب مهم في أمريكا أو أوروبا؟. لي تجربة شخصية استمرت لمدة 6 أيام في سويسرا العام الماضي، طبعا إذا ذكرت سويسرا يتغنى الناس بالحرية والديمقراطية والتسامح، نسبة المسلمين هناك 6% تقريبا، وهي نسبة ليست ببعيدة عن نسبة المسيحيين في مصر، في سويسرا 4 مساجد فقط تضم مآذن، بخلاف المساجد الصغيرة بدون مآذن، ورغم ذلك فقد حظروا المآذن، ونادرا جدا ما ترى سيدة منتقبة ورغم ذلك حظروا مؤخرا النقاب في الأماكن العامة، التقيت مع الجالية المسلمة هناك، حدّث ولا حرج عن الاضطهاد، مسلم ألباني، على ما أتذكر، قال إن شقيقته مهددة بالفصل من المدرسة لأنها ترفض أن ترتدي المايوه وتشارك زملاءها في دروس السباحة!!!. في مصر تجد الكنائس في كل مكان، ولا أعتقد أن عددها قليل مقارنة بعدد المساجد ونسبة المسلمين إلى المسيحيين، ورغم ذلك لا يتوقف المسيحيون عن المطالبة بقانون دور العبادة الموحد. في هذا الصدد، هناك دراسة أجراها معهد "هوفر" الأمريكي عن مصر تقول إن كل 16 ألف مسيحي لهم كنيسة، وكل 19 ألف مسلم لهم مسجد، وهي نسبة أراها تتحدث عن نفسها وصادرة من أمريكا التي يريد بعض المسيحيين اللجوء إليها. الأحداث الطائفية التي هزت مصر منذ مطلع العام الجاري أراها جزء لا يتجزأ من مؤامرة يتم الإعداد لها بدقة متناهية، بدءا من كنيسة القديسين ونهاية بماسبيرو، ولم يعد الأمر يحتمل التراخي في التعامل مع الأزمات التي عبرت الخطوط الحمراء بمراحل. إذا أردنا جميعا تقدم مصر فإن "القانون هو الحل"، ويطبق على الكل دون تمييز، شيخ الأزهر والمفتي والبابا شنودة كلهم سواء، "القانون هو الحل" ضد المحرضين على الفتنة وسفك الدماء، "القانون هو الحل" ضد كل من يسعى في الأرض فسادا، "القانون هو الحل" ضد من ينتهك حرمة دور العبادة، القانون هو الحل حتى تظل مصر "فيها حاجة حلوة بجد بين محمد وشنودة".