ارتفعت الديون المحلية خلال الفترة الأخيرة بوتيرة غير مسبوقة فى تاريخ مصر مما ينذر بانعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادى والاجتماعى وأداء الموازنة العامة للدولة، وعلى مستويات الأسعار التى أصبحت تفوق طاقة الشعب فى أن يتحملها وصلت الديون الداخلية إلى مرحلة خطيرة يصعب الخروج منها وسط توقعات بأن ترتفع إلى ما يقترب من 2.9 تريليون إلى 3 تريليونات بنهاية العام الجارى 2016 نتيجة لارتفاع العجز فى الموازنة العامة للدولة. لقد بلغت أعباء الديون فى الموازنة العامة للدولة أكثر من 251 مليار جنيه من موازنة لم يتجاوز حجمها 864 مليار جنيه. ورغم تحذيراتنا منذ سنوات في «الوفد» من الوضع الراهن وارتفاعات الدين بمتواليات أكبر كان الدين العام المحلى لم يتجاوز 47 مليار جنيه بنهاية التسعينيات، فإنه قد وصل الآن إلى 2 تريليون و259.4 مليار جنيه بنسبة 80% من الناتج المحلى الإجمالى بسعر السوق فى نهاية شهر سبتمبر الماضى وفقا لآخر تقرير للبنك المركزى المصرى وقد وضعت الحكومة نسبة الديون المحلية من الناتج المحلى الإجمالى بأن تصل إلى 75% فى رؤية مصر الاستراتيجية لعام 2030 وهو ما يوضح صعوبة الأزمة والتعامل معها. وقد أعلن البنك أن إجمالي الدين العام المحلي يستحق منه 89% على الحكومة بنحو 2 تريليون و11.6 مليار جنيه وبزيادة 140 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2015. كما يستحق منة 0.6% على الهيئات العامة الاقتصادية بنحو12.2 مليار جنيه نتيجة قيام الهيئات باجراء تسويات خفضت من أعبائها. أما مديونية بنك الاستثمار القومى فقد بلغت 235.6 مليار جنيه بنسبة مستحقة عليه بنحو 10.4% بزيادة 1.6 مليار جنيه خلال الثلاثة شهور وهى تمثل مديونية بنك الاستثمار القومى مطروحا منها المديونية البينية للبنك مع الهيئات العامة الاقتصادية واستثمارات البنك فى الأوراق المالية الحكومية من أذون وسندات الخزانة. وبتتبع ارتفاع الدين العام المحلى يجد انه ارتفع بنحو 1.2 تريليون جنيه مقارنة بعام 2011 وبنحو 1.4 مليار جنيه مقارنة بعام 2010 وكانت الديون 888 مليار جنيه. وأخذت الديون تتزايد حيث ارتفعت بنحو 289.2 مليار جنيه بين يونيو 2012 ويونيو 2013 فى الشهور الأخيرة بلغت الزيادة 22 مليار جنيه من شهر يونيو إلى سبتمبر 2014 وبنحو 86.1 مليار جنيه من سبتمبر إلى ديسمبر 2014 و91.1 مليار جنيه من ديسمبر 2014 إلى شهر مارس 2015 ارتفعت الزيادة إلى نحو 100 مليار جنيه من مارس إلى يونية 2015 وارتفعت بنحو 134 مليار جنيه من يونيو إلى سبتمبر الماضى. وهذه المتوالية من الزيادة فى الدين المحلى تشير إلى ان العام الأخير من سبتمبر إلى سبتمبر 2015 شهد زيادة فى الديون قيمتها 420 مليار جنيه اى ما يقترب من نصف تريليون جنيه خلال العام الأخير وبهذه الأرقام فان الديون متوقع لها ان تصل إلى 2.9 تريليون أو 3 تريليونات جنيه بنهاية عام 2016 الجارى وهذه الأرقام تعد أرقاما مخيفة تعكس اثارها السلبية الخطيرة على الاقتصاد المصرى والأهم هو سلبياتها على مستويات الأسعار حيث ان الديون تؤدى إلى آثار تضخمية وبالتالى ضغوط على مستويات المعيشة للمواطنين. ومن الملاحظ تزايد شكوى المواطنين من ضغوط الأسعار فى الفترة الأخيرة التى يرجع جزء منها الديون الداخلية والجزء الآخر والاهم يعود إلى اختلالات الأسواق وعدم فعالية الرقابة عليها وجشع التجار والتلاعب فى المعروض من السلع والخدمات والممارسات الاحتكارية لبعض المتعاملين فى السوق وطول السلسلة من الوسطاء المتعاملين فى السلعة حتى تصل من المنتج الأساسى إلى المستهلك النهائى وقد اشارت بيانات المركزى إلى انخفاض رصيد الدين الخارجي بنحو 2 مليار دولار بمعدل 4% ليصل إلى نحو 46.1 مليار دولار فى نهاية سبتمبر الماضي مقارنة ب48.1 مليار دولار فى نهاية يونيو الماضي. نتيجة تسديدات خارجية أهمها الوديعة القطرية والسندات الدولارية التى تم اصدارها فى 2005 واستحق أجلها العام الماضى وتعادل الديون الخارجية نحو 577 مليار جنيه. وبالتالى يصل إجمالى الدين الخارجى والداخلى المستحق على مصر نحو 2836.9 مليار جنيه وبالتالى فان التوقعات ان يصل اجمالى الدين الخارجى والداخلى بنهاية عام 2016 إلى نحو 4 تريليونات جنيه مع استمرار استقرار سعر الصرف وبالتدفقات الخارجية القادمة من القروض. ووفقا لبيانات البنك المركزى فقد بلغت أعباء خدمة الدين الخارجي (متوسطة وطويلة الأجل) بلغت 2٫4 مليار دولار الفترة يوليو/سبتمبر من 2015/2016، وبلغت الأقساط المسددة نحو 2٫2 مليار دولار والفوائد المدفوعة نحو 0٫2 مليار دولار. وان نسبة رصيد الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفضت لتبلغ 12٫6% فى نهاية سبتمبر الماضي مقابل 13٫3% فى نهاية سبتمبر 2014. وقد حذر كثير من الخبراء والمتابعين من أن عجز الموازنة العامة والديون العامة المحلية أصبحت كبيرة جداً ولا يوجد حل أمام الحكومة لسد العجز في الموازنة إلا من خلال إصدار السندات والأذون علي الخزانة ولتمويل العجز في المؤسسات المالية المحلية لأن الاقتراض من الخارج لتمويل العجز سيكون بشروط مجحفة، كما أن العالم في الوقت الراهن لا يقدم علي الإقراض بسبب الأزمة المالية ومشكلات السيولة. وأشاروا إلي أن لجوء الحكومة إلي البنوك لتمويل العجز يمثل وضعاً صعباً ولكنها أشارت إلي أنه من الأفضل للحكومة أن تأخذ من سيولة البنك المركزي المتمثلة في الاحتياطيات والتي تصل إلي 42٪ حالياً في صورة أذون وسندات علي الخزانة بشرط أن تعيدها للبنك. وأنه يجب أن يعمل البنك المركزي علي خفض أسعار الفائدة وهو ما سيؤدي إلي خفض الفائدة علي الدين العام المحلي وتخفيف الضغط علي الموازنة العامة للدولة ولابد للحكومة أن تتجه إلي الاستثمار والتشغيل للحد من كارثة البطالة وحذروا من أن الدولة مقدمة علي كارثة حقيقية بسبب ارتفاع معدلات البطالة، كما حذروا من زيادة تعثر العملاء وزيادة المخاطر علي البنوك. وأضافت أنه كلما ارتفعت المخاطر فإن البنوك تضطر إلي رفع الهامش لعمل مخصصات ولابد للحكومة أن تخفف من أعباء الموازنة العامة وتتجه إلي مشروعات البنية الأساسية لتوفير الخدمات للمواطنين. وبالتالى فان ازمة الديون المحلية دخلت مرحلة خطيرة والمؤشرات تشير إلى انه لا يوجد أمل في حدوث انفراجة في المستقبل. وبالتالي فإن استمرار الحكومة في التمويل بالعجز هو أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار معدلات التضخم المرتفعة حيث إن الحكومة تصدر سندات وأذونا دون أن تصدر نقودا لها مقابل في البنك المركزي وهو ما يزيد التضخم ومستويات الأسعار.