يتعرض دونالد ترامب لهجوم انتقادي عنيف، بعدما أعاد نشر مقولة مقتبسة منسوبة إلى بينيتو موسوليني – بعدما أعد له صحافي بمؤسسة «غوكر» فخًا معتبرًا على «تويتر». وتتعلق المزحة بالعقل المدبر لعملية اللدغة: في حقيقة الأمر لم يكن الديكتاتور الإيطالي هو مصدر العبارة القائلة «عش كالأسد يوما، ولا تعش مائة كخروف». إن ترامب يناصب الثقافة عداء صريحا لدرجة أن الناس الذين يعتبرون أنفسهم من المثقفين يشعرون بالإهانة. وهم يحبون التنقيب في ما يقوله ترامب ليظهروا مدى جهله. عندما حكى ترامب، خلال إحدى فعاليات حملته الانتخابية مؤخرا في كاليفورنيا الجنوبية، القصة غير الحقيقية التي تروي قيام الجنرال الأميركي جاك بيرشينغ بإعدام «المتمردين» المسلمين في الفلبين برصاصات مغموسة بدم الخنزير، انهمرت الردود والمستنكرة التي تحض هذه الرواية، عبر كل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. أما في هذه المرة فالقصة المنتشرة في كل مكان، من «نيويورك تايمز» إلى «بي بي سي»، وحتى في الصحف الإيطالية، هي أن ترامب أعاد نشر تغريدة على «تويتر» للمقولة المنسوبة إلى موسوليني. وبعد أن ظهرت التغريدة أذاع موقع «غوكر» أن المحررة الأولى لديه، أشلي فاينبرغ أنشأت حساب @ilduce2016 على «تويتر»، وتحديدا لنشر تغريدات بمقولات لموسوليني، وتوجيهيها لحساب ترامب، على أمل أن يقوم المرشح الجمهوري بإعادة نشر إحداها. وقد نجح هذا التكتيك. كتب أليكس بارين، من موقع غوكر يقول: «وقت إنشاء الحساب، عبر رئيس التحرير التنفيذي لغوكر ميديا، جون كوك، عن بعض القلق من أن المزحة المقصودة من الحساب واضحة جدا، وأنها لن تخدع إلا شخصا استبدت به الحماقة. واليوم، أثبت دونالد ترامب أن الرجل – ونحن جميعا – على صواب». لا يسعني أن أضحك مع غوكر وبقية وسائل الإعلام التي تناولت تغريدة ترامب المعاد نشرها. نسبت مجلة تايم المقولة لموسوليني في قصة نشرتها بتاريخ 2 أغسطس (آب) عام 1943. كما ظهرت هذه المقولة على بعض العملات المعدنية الإيطالية في ظل حكم موسوليني. لكنها في حقيقة الأمر قول مأثور من منطقة إميليا رومانيا، مسقط رأس موسوليني. دخلت هذه المقولة القاموس السياسي بعدما كتبها جندي إيطالي على جدار مبنى في سانت أندريا ديل بيافي في 1918، خلال معركة بيافي. هاجم الجيش النمساوي المجري قوات الجنرال أرماندو دياز على ضفتي نهر بيافي في شمال إيطالي، لكن مهمته انتهت بفشل مأساوي. كانت هزيمة النمسا آخر مسمار في نعش الإمبراطورية المريضة. والقطعة الجدارية التي تحمل هذه الكتابة محفوظة في نصب «فاغاري ديلا باتاغليا» التذكاري. لم يكن لدى ترامب بطبيعة الحال أدنى فكرة عما إذا كان موسوليني هو صاحب هذه المقولة أم كانت مجرد «غرافيتي» من زمن الحرب أم مقولة إيطالية مأثورة. كذلك ربما لم يفطن إلى دلالة اسم الحساب الذي غرد بهذه المقولة، ilduce، أو لم يفهم الإيطالية. قال ترامب لبرنامج «واجه الصحافة» على محطة «إن بي سي»: «إنها مقولة جيدة جدا. لم أكن أعرف من قالها، لكن ماذا يفرق إن كان قالها موسوليني أم شخص آخر – هي اقتباس جيد جدا». وهو محق، بطريقة غريبة. كانت المقولة قوية بما فيه الكفاية لتكون شعارا شعبويا، ومن ثم استخدمها موسوليني. وكذلك فعل ترامب، بإحساسه الغريزي بالمقطع الصوتي السياسي. إن الأمر لا يتعلق بجهل ترامب – أو إخفاق بعض الصحافيين في البحث عن المقولة، قبل استهداف المرشح الجمهوري الرئيسي بها، بل إنه لا يتعلق بآراء ترامب الفاشية المزعومة: إن هذا الاقتباس لا يدعم العنصرية أو الشمولية. وأنا واثق أن ترامب لا يحمل أي آراء على الإطلاق – على الأقل بمجرد أن تغادر الكلمات فمه. ومع هذا، فهو يعرف أي الكلمات سيكون لها صدى لدى الناس الغاضبين والذين سئموا الهزيمة. ولهذا لا يهم بالنسبة إلى أنصاره من الناخبين من أين أتت اقتباساته أو حكاياته من قبيل تلك المتعلقة بالجنرال بيرشينغ. لا يستخدم ترامب اللغة لنقل المعلومات. إنما يستخدمها لإثارة المشاعر. إن ما ينطق به يعد بمثابة صوت مسلح، وليس مجرد كلام. المعلومات معقدة، وليس كل الناس يتمتع بالمعرفة الكاملة. أما العاطفة المتنكرة في شكل معلومة فهي بسيطة وقوية. والتفتيش عن الحقائق يعد شيئا غير ذي صلة بالنسبة إلى ما يجري. ولدى كل مجتمع جماعة من الناس ممن يتجاوبون مع مثل هذه الإشارات. عندما يكون هؤلاء هم الأغلبية، يمكن لسياسي عديم الضمير أن يستخدمها وأن ينشئ نظاما سيئا. ومع هذا، فإلى الآن لم يحز ترامب سوى على تأييد عدد غير حاسم من الجمهوريين في كثير من الولايات. ويصعب القول إن الولاياتالمتحدة مهيأة لموسوليني مزيف. * بالاتفاق مع «بلومبيرغ» نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط