يولد الأمل من الألم، ومن ثنايا المِحَن تخرج المنح، تجربة كورال مصر خير مثال على ذلك، إذ يضم أطفال شوارع مصر بهدف تحويل مسار حياتهم للأفضل وتأهيلهم والخروج بجيل راق من أطفال عاشوا حياة قاسية. مصير مجهول كان فى انتظار هؤلاء، من الشارع وإلى الشارع مصيرهم، حتى خرج شعاع أمل من وسط ظلام دامس أحاط بهم، أضاء طريقهم لينطلقوا على طريق الأحلام، ويتحقق من خلالهم هدف كبير فى محاربة الجهل والضياع والإرهاب. فكرة أطلقها المايسترو سليم سحاب، درس الموسيقى فى روسيا حيث حصل على شهادة فى قيادة الكورال الموسيقية من معهد «جنيسين» عام 1971، وفى 1976 حصل على دبلوم قيادة أوركسترا سيمفونى من معهد تشايكوفسكى الموسيقى بموسكو.. أسس فرقاً عديدة فى لبنان للكبار والصغار منها فرقة بيروت للموسيقى العربية عام 1980، قبل أن يوجه اهتمامه للفرقة القومية للموسيقى العربية التى أسسها ويشرف عليها فى القاهرة، فضلاً عن تنظيم ورش العمل الفنية بهدف رفع كفاءة العازفين وإقامة الندوات والمؤتمرات لنشر الوعى الموسيقى. فكرة سليم سحاب لم تكن الأولى من نوعها فى العالم، فهى حلم حققته فنزويلا حيث بدأت التجربة هناك وأثمرت عن 40 أوركسترا من أطفال الشوارع، حينما علم بها أثناء وجوده فى سلطنة عمان التي كانت تستضيف أوركسترا من فنزويلا مكونة جميعها من أطفال الشوارع. مواهب على الأسفلت بدأت رحلة البحث فى الاختيار والانتقاء من بين الأطفال، حيث كان «سحاب» يسال نفسة دائماً: ماذا لو أتيحت الفرصة لذلك الطفل الموجود على أرصفة الشوارع؟.. وهو ما دفعه علي مدار 6 شهور مضت يتردد علي الرعاية، للتنقيب عن مواهب، كان من ضمنهم 3 أطفال شوارع أشهرهم طفل المنيا الذى كانت أسرته تكسب من غنائه في الشوارع، وأدخل دار رعاية بموافقة والده، والتحق هناك بمدرسة لاستكمال تعليمه. استمع «سحاب» إلى 1000 طفل وطفلة فى 8 دور عاية وجمعيات أهلية، تراوحت أعمارهم ما بين 8 و14 عاماً، شعر سليم باليأس فى البداية ولكنه لم يستسلم تم تدريب الأطفال خلال 3 شهور طوال أيام الأسبوع وبمعدل 6 ساعات يومياً، اختار منهم 250 موهبة وتمت تصفية العدد ليصل إلى 140 هم أعضاء كورال مصر. تجربة سليم سحاب غيرت الكثير فى نفسية الأطفال، حيث أصبحوا أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم ومشكلاتهم، بل وأصبح الكثير منهم لديه طموح ونظرة مستقبلية مشرقة، وهذا ما كان يسعى إلى تحقيقه سليم سحاب من خلال تغذية هؤلاء الأطفال روحياً بواسطة الموسيقى، من خلال وزارة الشباب التي قدمت الدعم المادي الكامل لفرقة سحاب، حيث تحمس وزير الشباب خالد عبدالعزيز للمشروع وجمعية الفسطاط الخيرية لرعاية الطفولة التي فتحت أبوابها وأقيم بها أول بروفة متكاملة للفريق الذي أطلق عليه «كورال مصر»، إلى جانب وزارة التضامن الاجتماعى التى كلفت طاقماً مخصصاً بمباشرة أعمال واحتياجات الفرقة، فبمجرد أن ترسل لها بيانات بأن هناك طفلاً في مكان ما نريد أن نضمه للكورال تقوم بالمهمة. بدأ عرض كورال الأطفال فى 3 حفلات كبرى بموجب بروتوكول مع جامعة القاهرة ووزارة الشباب التى قدمت المساعدة المادية، وتم عرض التجربة فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة فى رسالة إلى العالم أن مصر على خطى الإصلاح بدأت بأطفال الشوارع. ويبقى السؤال: مصر لديها مليونان ونصف المليون طفل بالشوارع يمثلون مواهب فى الرسم والنحت والغناء والرياضة، وينبغي رعايتهم.